وإنه لاحتمال جدير بالنقاش أن هذه الحركة هي بداية منحدر فني جديد، وإذا أمكن أن يقال إن بوسع امرئ واحد أن يلهم عصرا بكامله يكون سيزان قد ألهم الحركة المعاصرة، غير أنه يقف منفردا عنها بعض الشيء؛ لأنه أضخم من أن يدرج في أي مخطط للتطور التاريخي، إنه واحد من أولئك الأعلام الذين يسودون عصرا من العصور ويتعذر حصرهم في أي خانة من الخانات الصغيرة المحكمة التي ينجزها لنا دعاة التطور
2
بتعمل فكري كبير.
قضى سيزان الشطر الأكبر من حياته غير معروف، وكاد أن ينسلخ منها دون أن يلفت إليه الأنظار. ليس هناك، فيما يبدو، من كان يحدس بما يجري، أما الآن فبميسورنا أن ندرك كم ندين لسيزان، في حين لا يدين سيزان لأحد. إن من اليسير علينا الآن أن نرى ما استعاره منه جوجان وفان جوخ . أما في 1890م، وهو العام الذي توفي فيه الأخير، فلم يكن ذاك يسيرا. إنها لأبصار ثاقبة حقا تلك التي استطاعت أن تلمح قبل بزوغ القرن الجديد أن سيزان قد أسس حركة.
لا تزال تلك الحركة في طور النشوء، غير أن بإمكاننا فيما أرى أن نقول بثقة إنها قد أنتجت من الفن الجيد ما يعادل سالفتها،
3
لقد أبدع سيزان بالطبع أشياء أعظم كثيرا من أي مصور انطباعي، ويعد جوجان وفان جوخ وماتيس وروسو وبيكاسو ودي فلامنك وديرين وهيربان ومارشاند وماركيه ودونارد ودنكان جرانت وميلول ولويس وكندينسكي وبرنكوزي وفون أنرب وروجر فراي وفريز وجونشاروفا ولوت؛ يعد هؤلاء مقارعين أندادا لأية حقبة فنية أخرى،
4
صحيح أنهم ليسوا جميعا فنانين عظاما، ولكنهم جميعا فنانون. فإذا كان الانطباعيون قد رفعوا نسبة الأعمال الفنية (الحقيقية) بين المنتج التصويري العام من واحد في الخمسمائة ألف إلى واحد في المائة ألف؛ فإن ما بعد الانطباعيين (إذ من المعقول على كل حال أن نطلق هذا الاسم على جماعة الفنانين ذوي الحيوية الذين تلوا الانطباعيين مباشرة) قد رفعوا المعدل مرة أخرى، وإنني لأجرؤ على القول بأن النسبة تبلغ اليوم واحدا في العشرة آلاف، هذا في الحقيقة ما حدا بالبعض إلى أن يرى في الحركة الجديدة فجر عصر جديد؛ فليس هناك سمة أوثق في تمييز حركة فنية «بدائية»
primitive
نامعلوم صفحہ