يبدو لي النقد الأدبي في الحالة الراهنة للمجتمع مهنة محترمة وربما مفيدة، يعيش التحيز ضد النقاد، شأنه شأن معظم التحيزات، على الخوف والجهل، وهذا التحيز لا ضرورة له على الإطلاق وهو ساذج نوعا ما؛ فالنقاد في الحقيقة لا ينبغي التهويل من شأنهم. يشك الناس أن النقاد يمارسون كل ضروب السطوة؛ صنع الصيت وطمسه، التضخيم والتقزيم، الترويج والاستغلال؛ وهي أشياء لا أحسبهم قادرين عليها، وبرغم الرأي الشائع عنهم فأنا لا أظن أن النقاد ذوو قوة جبارة، ولا أنهم فاسدون تماما، الحق أني أرى بعضهم شخصيات بريئة بل محببة. تلك التعريضات الخبيثة (والمتملقة رغم ذلك) والاتهامات المفتوحة بالفساد تخبو بشكل مفجع إذا نظر المرء كم هو ضئيل ما يؤمل فيه ناقد الفن الحديث من تقريظ لوحات تباع بعشرين أو ثلاثين جنيها للواحدة. واعلم أن الخبير عرضة لشيء من الغواية. إذ إن بضع كلمات منه محكمة الوضع قد ترفع لوحة من عشرين ماركا إلى عشرين ألف مارك، ولكن خلق الخبير، كما يعرف الجميع، هي فوق الشكوك. قد تكون مهنة الناقد غير ذات جدوى، ولكنها قد تكون صادقة، وهل هي، بعد كل شيء، أقل جدوى من جميع المهن الأخرى باستثناء المهن المتعلقة بخلق الفن، وإنتاج الطعام والشراب والطباق وحمل أطفال ملاح؟
إذا «الجامع» سألني كناقد عن رأيي عن لوحة فلاسكويز التي يوشك أن يشتريها، فسأخبره بصدق عن رأيي فيها كعمل فني، سأخبره إن كانت تهزني كثيرا أو قليلا، وسأحاول أن أبين له تلك الكيفيات والعلاقات الخاصة بالخط واللون التي يبدو لي أنها تمتاز فيها أو تقصر، سأحاول أن أعلل درجة انفعالي الإستطيقي. هذه في تصوري هي وظيفة الناقد، أما كل التخمينات عن «أصلية»
authenticity
العمل القائمة على دلالته الشكلية، أو حتى على كماله التقني، فهي مجازفة للغاية؛ فهناك دائما احتمال بأن شخصا آخر كان كفؤا للأستاذ كفنان وكصانع، وأن لهذا الشخص الآخر، ربما، كما هائلا من الإنتاج. قد يبيع الناقد للجامع جروا عاديا بدلا من القطعة غير المدرجة في الفهرس؛ ومن ثم يلتمس الجامع من يستطيع أن يزوده بدليل على أصلية لوحته من ذلك الصنف الذي يرضي حكما خاصا ويحير تاجرا مشتريا، ويضحك مقهقها على البرهان الفني في الدوريات الصغيرة والمجلدات الكبيرة. إن الدليل التوثيقي هو ما يفضله، غير أنه إذا افتقد هذا الدليل فإنه سيتحمل أي تلفيق ماكر للتواريخ والعلامات المائية، والتوقيعات السرية، والتشققات، وصدأ القدم، والخصائص الكيميائية للدهان والخامة، والورق، والقماش، وكل ضروب البرهان غير المباشر، التاريخي والبيوجرافي، والحيل المكشوفة للفرشاة والقلم، ف «الجامع» إنما يستدعي «الخبير» لكي يقدم ويعرض هذا الصنف من الأدلة.
وأيما شخص قادته الصدفة أو سوء الحظ إلى أوكار الجامعين والخبراء سوف يسلم بأنني لم أبالغ في تصوير هول الأمراض التي ورثناها عن «النهضة الكلاسيكية»، وسيكون قد سمع بقيمة لوحة حددت بناء على تفسير رسالة، وسيكون قد سمع باللوحة التي تشرح من جميع وجهات النظر إلا وجهة ذلك الذي يحس دلالتها: من صنع هذه اللوحة؟ من دفع ثمنها؟ كم دفع؟ عبر أي مجموعات مرت هذه اللوحة؟ ما هي أسماء الشخوص المصورين فيها؟ ما هو تاريخهم؟ ما هو طراز وقصة ستراتهم وبنطالاتهم ولحاهم؟ كم ستساوي في معرض كريستي؟ كل هذه أسئلة للمناقشة، ولسوف تناقش في الحصة التعليمية، ولكن هل سمع أحد في اجتماعات الخبراء شيئا قط عن المزايا الإستطيقية لرائعة فنية يتجاوز ما هو تعليق بارد وسخيف؟
لقد رأينا الأساتذة في شقاق حول أصلية لوحة في «الجاليري القومي»، يندلع الخلاف حول تفسير علامات معينة في زاوية القماشة، أهي توقيع أم ليست توقيعا؟ وأيا ما يكون الحكم الأخير فاللوحة ستبقى هي اللوحة، غير أنه إن أمكن إثبات أن العلامات هي توقيع التلميذ، ستكون اللوحة عديمة القيمة. إذا تكشف أن «فينوس» لفلاسكويز هي موديل إسبانية من عمل دشل أمازو
Del Mazo
فإني أجزم أن أولئك العظام الذين يرشدوننا ويعلمون الناس أن تحب الفن سوف ينظرون إلى اللوحة باعتبارها قد تدنت إلى منزلة متواضعة تلائم صانعها، إنما هذا التحالف غير المقدس بين «الخبرة»
Expertise
والسلطة الرسمية
نامعلوم صفحہ