conception ، ذلك الشيء الذي نذر شكسبير نفسه لتحقيقه، لم يكن تمثيلا طبق الأصل للحياة، لا لم يكن خلق الإيهام
illusion
هو المشكلة التي اتخذها شكسبير قناة لانفعاله وبؤرة لطاقاته، لم يكن عالم مسرحيات شكسبير بأي حال من الأحوال شبيها بالحياة قدر عالم السيد جولزورثي
Galsworthy ؛ ومن ثم يحق لأولئك الذين تخيلوا أن مشكلة الفنان يجب أن تكون دائما هي تحقيق تطابق بين الكلمات المطبوعة أو الأشكال المرسومة وبين العالم كما يعرفونه - يحق لهم أن يحكموا بأن مسرحيات شكسبير أدنى مستوى من مسرحيات السيد جولزورثي، حقيقة الأمر أن تحقيق الصدق الواقعي، وهو ليس المشكلة الوحيدة الممكنة بأية حال، يتنازع هو وتحقيق الجمال (الملاحة) على نيل لقب أسوأ المشكلات الممكنة. إن التشبه بالحياة أمر سهل؛ بحيث إن الاكتفاء به يترك أعلى قوى الفنان الانفعالية والفكرية عاطلة ولا يستنفرها أبدا أو يهيب بها، وبالضبط كما أن المشكلة الإستطيقية شديدة الغموض فإن المشكلة التمثيلية شديدة البساطة.
على كل فنان أن يختار «مشكلته» الخاصة، وله أن يستمدها من حيثما شاء ما دام قادرا على أن يجعلها البؤرة لتلك الانفعالات الفنية التي شرع في التعبير عنها، والحافز لتلك الطاقات التي سيحتاج إلى التعبير عنها، وما يجب علينا أن نتذكره هو أن المشكلة (موضوع اللوحة في حالة فن التصوير بعامة) أمر غير ذي بال في حد ذاته. إنها لا تعدو أن تكون إحدى وسائل الفنان للتعبير أو الإبداع، وفي أي حالة خاصة قد تكون إحدى المشكلات خيرا من الأخرى كوسيلة، تماما كما أن قماشة لوحة أو صنفا من الألوان قد يكون أفضل من غيره، فذاك أمر سيتوقف على مزاج الفنان وقد لا ننازعه فيه، ليس «للمشكلة» قيمة بالنسبة إلينا، أما بالنسبة إلى الفنان «فالمشكلة» هي الاختبار العامل «للصواب» المطلق، إنها المقياس الذي يقيس ضغط البخار. إن الفنان يذكي ناره لكي يجعل المقبض الصغير يدور، وهو يدور أن آلته لن تتحرك حتى يجعل المؤشر يبلغ العلامة. إنه يتقدم تدريجيا إليها وبواسطتها، غير أنها لا تدير المحرك.
ما هي إذن زبدة القول في هذا الأمر كله؟ إنها في اعتقادي لا تزيد على هذا: يؤدي تأمل الشكل الخالص إلى حالة من النشوة العالية غير العادية وإلى انسلاخ تام عن هموم الحياة، عن هموم أثق أنها (وإنني لأتحدث عن نفسي) كثيرة جدا. إن من المغري أن نفترض أن الانفعال الذي يطرب هو شيء يوصله إلينا من خلال الأشكال التي نتأملها ذلك الفنان الذي أبدع الأشكال، فإذا صح هذا فإن الانفعال الموصل، أيا ما كان هذا الانفعال، لا بد أن يكون من ذلك الصنف الذي يمكن أن يعبر عنه في أي ضرب من ضروب الشكل؛ في لوحات، منحوتات، مبان، آنية، نسيج ... إلخ، الانفعال الذي يعبر عنه الفنان إذن يحل في بعض هذه الأشكال؛ ومن ثم فهي تؤثر فينا من خلال فهم الدلالة الشكلية للأشياء المادية، وما الدلالة الشكلية لأي شيء مادي سوى دلالة ذلك الشيء معتبرا كغاية في ذاته ، ولكن إذا كان من شأن موضوع ما إذ ينظر إليه كغاية في ذاته أن يهزنا بعمق أكبر (أي تكون له دلالة أكبر) مما لو نظرنا إليه هو نفسه بوصفه وسيلة إلى غايات عملية أو كشيء متصل بالاهتمامات البشرية - وهو وجه الأمر بلا شك - فلا يسعنا إلا أن نفترض أننا متى نتأمل أي شيء كغاية في ذاته نصبح على وعي بتلك الخاصة الأبقى في ذلك الشيء من أي خاصة يمكن أن يكون قد اكتسبها من دوام صحبته ببني الإنسان، وبدلا من أن نميز أهميته العرضية والمشروطة، فنحن نغدو على وعي بواقعه الجوهري، وعلى وعي بالإله في كل شيء، بالكلي في الجزئي، بالإيقاع الذي يغمر الكل، فلتطلق عليه ما شئت من أسماء؛ فالشيء الذي أتحدث عنه هو ذلك الذي يقبع وراء المظهر من جميع الأشياء، ذلك الذي يضفي على جميع الأشياء دلالتها الفردية، الشيء في ذاته، الواقع النهائي. وإذا كان إدراك معين (لا شعوري تقريبا) لهذا الواقع الكامن للأشياء المادية هو حقا سبب ذلك الانفعال الغريب، ذلك الولوع بالتعبير الذي هو إلهام كثير من الفنانين، فمن المعقول أن نفترض أن أولئك الذين يخبرون نفس الانفعال دون عون من الأشياء المادية، قد وصلوا من طريق آخر إلى البلد نفسه.
تلك هي الفرضية الميتافيزيقية، هل علينا أن نبتلعها كاملة، أو نقبل بعضها، أو نرفضها كليا؟ على كل شخص أن يقرر ذلك بنفسه؛ فأنا لست مصرا إلا على صحة فرضيتي الإستطيقية، كما أنني متيقن من شيء واحد آخر؛ أن أولئك الذين يبلغون النشوة «الوجد»، وليكونوا فنانين أو عاشقين أو متصوفة أو رياضيين، هم أولئك الذين حرروا أنفسهم من الكبر والغطرسة البشريين، فمن شاء أن يحس دلالة الفن فعليه أن يتضع أمامه. أما أولئك الذين يرون الأهمية الأولى للفن أو الفلسفة هي في علاقتهما بالسلوك أو بالنفع العملي، أولئك الذين لا يستطيعون أن يقدروا الأشياء كغايات في ذاتها، أو كسبيل مباشر إلى الانفعال على أية حال، فما يكون لهم أن يظفروا من أي شيء بخير ما يمكن أن يمنحه، وأيا ما كان عالم التأمل الإستطيقي فما هو بعالم المشاغل والأهواء البشرية، إنه عالم لا تسمع فيه لغو الوجود المادي وصخبه، أو تسمعه كمجرد صدى لتوافق آخر أكثر جوهرية.
الفصل الثاني
الفن والحياة
(1) الفن والدين
نامعلوم صفحہ