فن معاصر: مقدمہ قصیرہ جدا

مروة عبد فتاح شحاتة d. 1450 AH
9

فن معاصر: مقدمہ قصیرہ جدا

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

اصناف

نظام عالمي جديد

دوريس سالسيدو فنانة كولومبية تصنع تماثيل من قطع أثاث كانت في السابق تنتمي لأشخاص «اختفوا» خلال الحرب الأهلية الطويلة في بلادها. خلال ذلك الصراع المرير، مولت الجبهتان - العصابات والحكومة - الحرب من خلال تجارة المخدرات، فيما مولت الولايات المتحدة الجيش الكولومبي ببذخ، رغم سجله الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان. اختطفت الجماعات شبه العسكرية المتحالفة مع القوات الحكومية تحالفا وثيقا الأشخاص وقتلتهم دونما عقاب. في بعض من أعمال سالسيدو، نجد قطعة من الأثاث معشقة بعناية داخل قطعة أخرى، وفي أعمال أخرى، ما يبدو للوهلة الأولى أنه ألياف خشبية يتضح أنه شعر آدمي، تكون هذه التركيبات مملوءة بالأسمنت، والذي أحيانا يغمر أيضا جزئيا بابا أو طاولة مقلوبة رأسا على عقب. عند النظر إلى تلك القطع يتملكك شعور بالانغمار أو التلاشي البطيء للغاية، وكأنها رسم بياني لذكرى ذبلت نتيجة للعنف داخل الذهن، وقضى عليها الصمت والرقابة، ثم عادت غير مرغوب فيها في الأحلام والأفكار اللاإرادية، وفقدت على نحو قاس بالمثل تعريفها الدقيق مع مرور الوقت، وتراكمت ذكريات جديدة وذكريات عن ذكريات فوق القديمة.

إن كاتدرائية جايلز جيلبرت سكوت الإنجيلية بليفربول عبارة عن مبنى شاسع بجدران جرداء قوطية الطراز، وهي تقليدية في فخامتها وتصميمها المعماري، رغم أنها شيدت أثناء القرن الأخير. يتملكك وأنت تتجول داخلها حس قوي بالغرابة. يفكر الزوار: أين الزخارف التي تحمل الذاكرة التاريخية؟ وأين آثار انمحائها وتآكلها، وكذلك حالة الفوضى المألوفة التي تخلفها القرون؟ إلا أن هذه الكاتدرائية العتيقة جددت مؤخرا وتركت جرداء.

أقيم أول بينالي للفن المعاصر في ليفربول عام 1999، وضم مكونا دوليا، تحت عنوان «اقتفاء الأثر»، وأشرف عليه أنتوني بوند، ووضعت قطع الفن المعاصر في مواقع مختلفة حول المدينة، وظهرت أعمال سالسيدو في الكاتدرائية الإنجيلية. ماذا يمثل هذا الجمع؟ إن السبعين عاما التي مرت على تشييد الكاتدرائية شهدت حربين عالميتين، وظهور الراديكالية السياسية وزوالها في بريطانيا، وتراجع أهمية التصنيع، واكتساح العلمانية للمجتمع؛ فتولد المنتج المكتمل بحجم أكبر من المألوف داخل مدينة ناضبة من العمل والسكان والإيمان. إن عمل سالسيدو الفني - وهو محاولة دقيقة وشاقة لتبجيل الذاكرة - هو النظير المرئي لأعمال إدواردو جاليانو الفذة الخاصة باستعادة الذاكرة السياسية الجماعية في وجه القمع العنيف للاحتجاج كلمة أو فعلا في أغلب بلدان أمريكا اللاتينية. بصورة أكثر تحديدا، كما أوضح تشارلز ميرويزر، ينتقد تجميد الذكرى وكبحها التي يهدف الاختفاء إلى توليدها، فأهل المختفي الحزان ليس لديهم جثمان أو مقبرة أو حتى اليقين بأن حبيبهم توفي. من الناحية البصرية، تلاءمت أعمال سالسيدو الفنية جدا مع المساحات الشاسعة الجرداء بالكاتدرائية، فبدت الخزائن ككراسي اعتراف متحولة أو نعوش عملاقة. إن الغاية من الجمع بين الموقع والعمل الفني في مثل هذه المقاربة هو إثراء أحدهما الآخر، والمقاربة بين الثقافات على نحو مثمر، وتحفيز الفكر، والتزويد بلمحة عن تواريخ وثقافات أخرى. ورغم أن وضع أضرحة داخل كاتدرائية أمر ملائم، فقد بدا الجمع بينهما تضاديا؛ نظرا لأن الأنماط الطقسية للذكرى عند سالسيدو تعارضت مع شبح المذهب الإنجيلي، داخل مبنى شيد وكأن شيئا لم يتغير.

يعد العنوان «اقتفاء الأثر» موضوعا نمطيا لبينالي؛ نظرا لأنه يمكن أن يتسع ليشمل كل شيء تقريبا، ومن ثم لا يعني شيئا تقريبا. إن بينالي ليفربول هو فعالية شاملة تستوعب المعارض السنوية الأقدم، منها معرض نيو كونتمبراريز ومسابقة جون موريس للرسم. إن مدينة ليفربول ملائمة للغاية لمثل هذه الفعالية؛ مدينة تمتلئ بأحواض السفن، اعتمدت ثروتها العظيمة في السابق على التجارة، بما في ذلك تجارة الرق ، مثلت موقعا ملائما لفن يتدبر في أمر العولمة ووقائعها التاريخية. ونسيجها الحضاري المهترئ الآن به الكثير من المساحات الشاسعة الخالية لعرض الأعمال الفنية، ومناطقها المتهالكة، وجذول الأشجار العائمة التي تناسب التصورات الرومانسية، جاهزة للتحسين والتطوير. كل هذا يهيئ لبعض الفرص المثمرة والاستفزازية لعرض الأعمال الفنية، لا سيما أكياس البهارات المنتفخة لإرنستو نيتو المعلقة في معرض تيت، والتي تملأ فضاء المكان الذي كان في السابق مخزنا لتلك السلع بالفعل بالروائح. على نحو مماثل، قدم فيك مونيز في سلسلة «الأثر» أعمالا عاطفية ومعقدة حول أطفال الشوارع في مسقط رأسه ساو باولو، فقدم للأطفال نسخا من لوحات لفان دايك وإل جريكو وفيلاسكويز، وأقنعهم بتمثيل الأوضاع، ثم التقط لهم الصور الفوتوغرافية، ثم استخدم هذه الصور بعد ذلك كأساس لصور مفصلة مكونة من النفايات والقصاصات الملونة من النوع الذي يترك في الشوارع بعد مرور كرنفال، ومنها تظهر صور تخطيطية للأطفال محاطة بالسكر على نحو طيفي، ثم التقط صورا فوتوغرافية لها وعرض الصور الضخمة في المعرض. اكتسبت الصور التي عرضت في متحف تيت، الذي يحمل اسم أحد أقطاب تجارة السكر، بعدا آخر.

شكل 2-1: فيك مونيز، «الأثر» (أنجيلكا).

1

زعمت المقدمة في الكتالوج الخاص بمعرض «اقتفاء الأثر» أن هذا البينالي يعكس «النهضة المدنية الحالية» للمدينة، رغم أنه في عام 1999 كان ذلك مطمحا أكثر منه بيانا للواقع. كتب بوند أن توزيع معارض الفنون حول المدينة «يضمن أن الزوار سيكتشفون الطابع الثري لمدينة ليفربول فيما يشاهدون الأعمال الفنية.» من ثم صرح علانية بارتباط المناسبة بالسياحة، وبالطبع إن مشاهدة زوار المدينة للحدث الفني تتضمن الانتقال من مكان لآخر بوصفهم سياحا، والاستعانة باستمرار بالخرائط. كانت هناك سلسلة محيرة من الأعمال والأماكن، ونقص في المادة السياقية لكلتيهما، وفي ضوء أن مبادئ الحدث كانت مبهمة على أفضل تقدير، أصبحت التجربة بصورة أساسية ممارسة جمالية في رؤية العمل داخل سياق معماري، فيما عدا للأشخاص المطلعين للغاية على بواطن العالم الفني (الذي ربما أقيم لهم الحدث بصورة أساسية).

أدرج الكتالوج رعاة البينالي والمنظمات المساهمة، والتي اشتملت على شركات تجارية ومؤسسات أكاديمية محلية، وهيئات فنية، ومجالس الفنون القومية، والأجهزة الحكومية التي تدعم الثقافة في الخارج، مثل معهد جوته. كشف هذا المزيج عن نوع التحالفات الذي يولده أي بينالي: مؤسسات تجارية، كبيرة وصغيرة، ترغب في تعزيز شهرة علاماتها التجارية، وشعوب تدفع بمنتجاتها الثقافية، وكيانات إقليمية تأمل في تجديد نشاطها، وجامعات ترغب في رفع تقييماتها البحثية.

إن بينالي ليفربول لا يعدو كونه نموذجا واحدا لظاهرة آخذة في الانتشار أكثر فأكثر. وفي حين أن العالم الفني طالما كان أمميا؛ إلا أن نهاية الحرب الباردة - كما شاهدنا - قد تسببت في إعادة تنظيم ممارساته وعاداته. مثلما طاف المسئولون التنفيذيون بالشركات الكرة الأرضية بحثا عن أسواق جديدة، شرعت مجموعة من مشرفي المعارض الفنية الرحالة الدوليين في فعل الأمر نفسه، فيتنقلون من بينالي إلى آخر متعدد الجنسيات، من ساو باولو إلى فينيسيا إلى كوانج جو إلى سيدني وكاسل وهافانا. من بين تلك الأحداث الفنية في الدول النامية والشيوعية، كان بعضها يقام منذ مدة طويلة (على غرار بينالي ساو باولو الذي انطلق عام 1951، رغم أنه جرى تجديده وتمويله مؤخرا على نطاق أوسع) فيما كانت أحداث أخرى حديثة تماما. إليك بعضا من الأحداث الفنية الجديدة إلى جانب تواريخ انطلاقها: بينالي هافانا (1984)، بينالي الشارقة، الإمارات العربية المتحدة (1993)، معرض كوانج جو، كوريا الجنوبية (1995)، بينالي جوهانسبرج (1995)، بينالي شنغهاي (انطلق عام 1996، وفتح أبوابه أمام الفنانين الدوليين عام 2000)، وبينالي ميركوسور الذي يقام في بورتو أليجري بالبرازيل (1997)، معرض داكار، السنغال (1998)، بينالي بوسان، كوريا (1998)، بينالي برلين (1998)، وترينالي يوكوهاما (2001)، ومعرض براغ (2003).

نامعلوم صفحہ