فن معاصر: مقدمہ قصیرہ جدا
الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
إنه قلق قديم، وجد في الحداثة وأيضا ما بعد الحداثة، وإن كان في أشكال مختلفة . وقف فرنان ليجيه أمام المعروضات من الآلات «بمعرض باريس» عام 1924، مندهشا من الحد الذي غطت فيه هذه المنتجات الخالية من العيوب على الجهود المتواضعة الخجولة للفنانين. إن الحجة القائلة بأن الفن لم يعد ممكنا نظرا لأن عالم المنتجات مشبع بالجماليات هي الصورة المختلفة بعد الحداثية للقلق نفسه؛ حلم حداثي بدمج الفن والحياة يبدو أنه قد تحقق، وإن كان باستسلام الطرف الأضعف أكثر منه بالتوليف بينهما.
وفي حين أن قضية انفصال الفن عن الثقافة السلعية أو دمجه معها لها تاريخ طويل، إبان التسعينيات كان هناك تكثيف للقوى المعنية، كثير منها سمات قديمة للرأسمالية، ساهمت في غلبة الثقافة الاستهلاكية المنتصرة ليس على الفن فقط بل أيضا على كافة أنماط الإنتاج الثقافي الأخرى. بدت السلع أنها تصير أقل تشابها مع الأشياء الوظيفية وأكثر تشابها مع حركات ثقافية زائلة في نطاق لعبة معقدة وذاتية المرجع. انتقلت العلامات التجارية بين منتجات غير متصلة، فيما دار الإعلان بين المرجع، والمرجع الذاتي، والمرجع الوصفي في التهام متسارع للارتباطات الثقافية قديمها وجديدها. أما الأرباح الكبرى فقد تواصل تحقيقها ليس في مجال الصناعة بل في مجال الخدمات، ومعالجة البيانات، والموارد المالية؛ وكان نجاح هذه القطاعات مرتبطا إلى أبعد حد بالاقتصاديات النيوليبرالية، لا سيما في الولايات المتحدة. أما في الغرب، فقد استشعر هذا التغيير في وقت مبكر منذ منتصف السبعينيات، إلا أن التسعينيات شهدت انهيار النماذج البديلة، ليس فقط في أوروبا الشرقية، بل أيضا في الاقتصاديات الصناعية العظمى كألمانيا واليابان اللتين عانتا الركود والتراجع. اتجهت أوروبا القارية نحو تبني النموذج النيوليبرالي الذي كان جذابا للغاية خلال أغلب منتصف وأواخر التسعينيات بحوكمة اشتراكية ديمقراطية اسمية. وسع النموذج النيوليبرالي من نطاقه وعمق من سطوته، شأنه شأن التسليع نفسه.
لقد شاهدنا أنه في بعض من هذه المناطق (بما فيها الدول الإسكندنافية) التي أدى الركود إلى فتحها مؤخرا أمام قوى السوق الجامحة والمدمرة، قام الفن بدور أداة للنيوليبرالية، ساحقا المحاسن المريحة وإن كانت خانقة للديمقراطية الاشتراكية، وعبر عن المخاوف المحررة من سياسات الهوية ، والنزعة الاستهلاكية، والابتذال، والاستمتاع بالانحطاط الأخلاقي. وكانت مثل هذه الأعمال حليفا نافعا، وإن كان بصورة ضئيلة، للخصخصة والقوى الاستعمارية للتسليع، وكثيرا ما نوقشت التشابهات بين تقاليد ما بعد الحداثة وروح السوق الحرة تفصيلا. عبر مايكل هارت وأنطونيو نيجري، في كتابهما بالغ الأثر «الإمبراطورية» عن هذا الأمر جيدا:
إن أيديولوجية السوق العالمية لطالما كانت الخطاب اللاتأسيسي واللاجوهري بلا جدال؛ فالتداول والحراك والتنوع والخلط هي شروطها الفعلية للإمكان. إن التجارة تجمع الاختلافات، وكلما كانت أكثر كانت أفضل! والاختلافات (اختلافات السلع والشعوب والثقافات وما إلى ذلك) يبدو أنها تتضاعف إلى ما لا نهاية في السوق العالمية التي تشن أعنف الهجوم على الحدود الثابتة، وتقهر أي تقسيم ثنائي بتعددياته اللانهائية.
إن هذا الأمر ليس بتشابه وقع من قبيل المصادفة، بل بالأحرى (كما أشار فريدريك جيمسون في مقالته التأسيسية عن حركة ما بعد الحداثة) علاقة وظيفية: عنصر جمالي أدمج داخل الإنتاج العام للبضائع الاستهلاكية، والتي تتغير مع الإيقاع المتزايد دائما للموضة. كما أن الشركات التي تنتج مثل هذه السلع تقدم الدعم المالي لسلاحها البحثي والتدويري: الفنون. تصف مارثا روسلر الموقف في كتابتها عن النزعة الراهنة والباهظة في فن الفيديو ذي الإنتاجية العالية: «لا شيء أكثر ملاءمة لصناعة الوعي من وجود فنانين يلهون عند حدوده، يزينون أنماطه ويصيغون حرفيا إلى حد بعيد استراتيجيات جديدة للإعلانات والجرافيك.»
ربما يمكن تخيل الفن كنزعة استهلاكية تسبح في الأحلام، وتجمع من جديد على نحو لعوب عناصر الثقافة الجماهيرية في تركيبات مضطربة، وفي غضون ذلك، تصادف أشياء نافعة. وفي إعادة مزج ما لم يعد مستخدما وتخزينه، ربما يخدم الفن غاية مشابهة للحمض النووي «المهمل»، الذي يعتقد أنه يدخر التسلسلات العتيقة في حال الاحتياج إليها ثانية.
استوعبت ثقافة المؤسسات تماما الخطاب الملطف لحركة ما بعد الحداثة. وكما في الثقافة الجماهيرية، أصبح افتقار الفن الفعلي للعرف هو الأمر المتعارف عليه تماما. أصوات ملحة توجد في كل مكان تحث المستهلكين على التعبير عن أنفسهم، وعلى أن يكونوا مبدعين، ومختلفين، وعلى كسر القواعد، والتميز عن الحشود ، بل والتمرد، لكنها لم تعد كلمات نابعة من مثيري الفتنة الراديكاليين، بل من رجال الأعمال. إن الكتاب في مجلة التحليل الثقافي الأمريكية «ذا بافلر» يصفون وصفا حيا مدى هذه الإيعازات والتوحيد القياسي لها، ونجد المثال الموجز على نحو رائع الذي أوردوه لهذا الإلزام هو ظهور ويليام بوروز في إعلان لنايك. إن قدرا كبيرا من المجال الفني منذ عام 1990 قدم تمثيلا واعيا من منطلق هذه الفضائل الراديكالية التي اختلستها ثقافة المؤسسات.
إن نظرية ما بعد الحداثة نفسها، في انتقالها من كونها قصة ليوتوبيا أو ديستوبيا ممكنة إلى وصف سطحي لواقع قائم، فقدت قوتها النقدية والأخلاقية. وفي حالتها المختزلة، حظيت النزعة الاستهلاكية والتمكين المزعوم للمتسوق على أهمية في خطاب ما بعد الحداثة، في حين أنه إبان التسعينيات تعرضت نظرية ما بعد الحداثة لوابل من الانتقادات على سخافاتها الداخلية وإرهابها للقراء بلغة اصطلاحية علمية لا معنى لها (برزت في قضية سوكال)، فلم تستبدل بقدر ما توارت في جزء كبير من عالم الفن الأكاديمي على الأقل، بقبولها كخلفية لا جدال فيها تخرج منها تصريحات بشأن الفن.
معظم ما ورد في نظرية ما بعد الحداثة أكد على أن المحاكاة قد أشبعت العالم بصورة كاملة، ورأى أنه ليس هناك إفادة في بيان الموضع الذي ينتهي فيه التمثيل وتبدأ الحقيقة. مع ذلك، سارت السمة الطيفية للسلعة العصرية، غير المادية على ما يبدو، جنبا إلى جنب مع ظهور النيوليبرالية. إن هذا النمط العدواني للرأسمالية أضحى ممكنا من خلال التغيرات التكنولوجية بالغة الأثر، لا سيما في مجال اتصالات الكمبيوتر الذي جعل تبادل المعلومات زهيدا وسريعا وسهلا. وكما وصف دان شيلر في كتاب «الرأسمالية الرقمية»، كان تأسيس البنى التحتية الهائلة لشبكات الكمبيوتر مدفوعا باستغلال خصخصة صناعات وسائل الاتصال المملوكة للدولة، كذلك حول ترقيم البيانات المعلومات المجانية في السابق (على سبيل المثال، في المكتبات) إلى سلع، في تطويق لمشاعات البيانات.
ساهم تطور بارز آخر في إظهار السلعة في صورة أقل مادية، وهو: تحقيق التمييز بعلامة تجارية أهمية أكبر على مدار التسعينيات مع إنفاق الشركات المال الذي ادخرته من تعهيد الإنتاج على تحسين صورتها الخاصة. تؤكد ناعومي كلاين في كتابها الشهير عن استحقاق «بلا شعار» أنه مع تصدير الإنتاج إلى الاقتصاديات منخفضة الأجور، انقطعت الصلة بين مستهلكي منتج ما وصانعيه. وفي المقابل ترقت العلامة التجارية، وتحررت من المنتجات المجردة لتصبح شخصية مجازية، وتجسيدا موثوقا لتركيبات بعينها من الفضائل أو الرذائل المحببة. في بعض الأحيان، كما في حالة رونالد ماكدونالد، تجسدت داخل شخصية رسوم متحركة. كنتيجة لذلك، أخذ الفن والتجارة يقتربان أحدهما من الآخر.
نامعلوم صفحہ