فن معاصر: مقدمہ قصیرہ جدا
الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
إن الموضوع إلى جانب الأسلوب استحضرا عصر ما قبل الثورة، وهنا يكمن تماثل مرئي فعال مع الشعور الذي تملك العديد من أفراد مجتمع ما بعد الاتحاد السوفييتي عن التاريخ والتقدم بعد انتكاسهما، وذلك بعد أن تمخضت الرأسمالية التي كان من المفترض أن تنقلهم إلى حاضر استهلاكي ثري عن تراكم لأطر زمنية، دافعة بذلك أغلبية الشعب نحو الفقر المدقع الذي ساد عصور القياصرة في روسيا.
شكل 2-4: سيرجي بوجايف أفريكا، «إم آي آر: صنع في القرن العشرين».
4
مثل سيرجي بوجايف أفريكا روسيا في بينالي فينيسيا عام 1999 بتجهيز أطلق عليه «إم آي آر: صنع في القرن العشرين». رأيت ذلك العمل الواعد متعدد الوسائط في نيويورك، حيث كانت أرضية المعرض وجدرانه مغطاة ببلاط قصديري يحمل صورا دعائية للحياة أيام الاتحاد السوفييتي، وقد طبعت أيضا لتبدو وكأنها قديمة من عشرات السنين. كانت الأرضية المعدنية تنبعج عند السير فوقها، وكانت الصور الفوتوغرافية تحمل سمة الرسومات الطفولية الموجودة فوق علب البسكويت، وفي منتصف الغرفة توجد كرة معدنية ضخمة تحوي داخلها مقطع فيديو لرجل مقيد بجهاز كهربائي يصرخ ويعض على رباط في ألم. بدا الفيلم أنه مقطع فيديو مكتشف، لكن يمكن تزييفه. كانت ردة فعلي المباشرة على العمل الفني - لأنه في معرض تجاري - أن ظننت أن مقطع الفيديو هو مقطع أدائي، إلا أن الفيديو في حقيقة الأمر نسخ من فيلم وثائقي عن شخص أجبر على خوض علاج بالصدمة الكهربائية، وما كنا نشاهده - نحن جمهورا كيسا نحمل كئوس الخمر بين أيدينا - كان مشهدا حقيقيا لتدمير العقل. سعت قطعة أفريكا الفنية إلى الجمع بين الصدمة النفسية والاجتماعية، في سبيل إماطة اللثام عن القمع المؤلم والوحشي الذي ينطوي عليه النظام الذي صور نفسه بالسماح والبطولة في صوره الفوتوغرافية، وطرح تلك الأوصاف القديمة والحنينية ربما أمام تدمير الذاكرة.
صنع أفريكا بعد ذلك عملا، كان مثارا لجدل أوسع، مستوحى من فيلم وثائقي عن ذبح دورية روسية على يد متمردين شيشان. إن المثالين السابقين يدلان على أهمية فن ما بعد الاتحاد السوفييتي الواقعي في الساحة الفنية الغربية، ربما تجلى في الصور الفوتوغرافية والأفلام، مع تلاشي كافة دروس ما بعد الحداثة القديمة عن التمثيل من الذاكرة، لكن مع ذلك اعتبرت أنها واقعية. وربما نراه في أداء معبر، كما في المشهد الأدائي «الكلب» لأوليغ كوليك، والذي ينقض فيه الفنان العاري على الجمهور محاولا عضهم، وكأنه إنسان تحول إلى كلب، في تمثيل واقعي على ما يبدو لخسة الروس وانحطاطهم.
إن انجذاب الجمهور الغربي لمثل هذه الأعمال الفنية واضح وضوح الشمس؛ فهي مزيج مدهش من الرأسمالية المزدهرة (بارونات لصوص ومدعين ، أو - بعبارة أخرى - محتالين وقتلة على نطاق واسع)، ومن المولد المفاجئ لعالم ثالث أوروبي أبيض، ومن قصة انهيار إمبراطورية «فاسدة» وعدو منهزم (قصة ممتعة لليبراليين والمحافظين على حد سواء)، ومن أيديولوجية أضحت جزءا من الماضي. إن الروسنة التي تنطوي الآن على كل هذا، تظهر على أفضل نحو عندما تعرض على الملأ.
لكن ما قد يصعب على الجمهور الغربي استيعابه هو كيف أن تلك الأعمال الفنية لا تصور بالضرورة الاختلاف الغريب للروح السلافية، أو حتى التاريخ السوفييتي، لكنها تشير بالأحرى إلى الحاضر الرأسمالي. إن عمل ميخايلوف الفني هو عن نتائج الرأسمالية الجامحة التي أضحى فيها كل شيء للبيع ليس إلا، وعمل كوليك «الكلب» هو بالتأكيد نسخة محدثة لقصة بولجاكوف «قلب كلب»، والتي يخضع فيها كلب لعملية جراحية بحيث يأخذ هيئة بشرية، وينجح في العيش بفضل غرائزه الأساسية في المجتمع السوفييتي في عشرينيات القرن العشرين. إلا أن المجتمع الذي تفحصه بولجاكوف تفحصا دقيقا كان يمر بتراجع منهجي من محاولة لإثارة شيوعية ثورية كلية، وكان يستخدم معايير السوق الحرة لتحفيز الاقتصاد مؤقتا؛ إذ ظهرت في فترة «السياسة الاقتصادية الجديدة» طبقة من الأثرياء الجدد ممن يتباهون بثرواتهم التي اكتسبوها بطرق مشبوهة في الغالب. بعبارة أخرى، كان صورة أكثر اعتدالا لروسيا اليوم.
على النقيض من ذلك اضطرت الاقتصاديات الديمقراطية الاشتراكية الفاعلة للدول الإسكندنافية فجأة إلى أن تسلك اتجاها نيوليبراليا خلال التسعينيات عن طريق إلغاء تنظيم الأسواق المالية والتخلي عن ضوابط سوق صرف العملات. ساءت الأوضاع أكثر مع ركود أوائل التسعينيات، وهو الأمر الذي أجبر الحكومات الإسكندنافية جزئيا على تفكيك البرامج الاجتماعية الخاصة بالصحة والرعاية الاجتماعية، والتي طالما اعتبرها المواطنون أمرا مسلما به. ارتفعت البطالة - التي كانت شيئا مستجدا غير مرحب به - مع انهيار النشاط التصنيعي. بدأت الهجرة الجماعية في تغيير ما كان في السابق مجتمعات منغلقة ومتجانسة تماما.
كانت الحداثة والديمقراطية الاشتراكية في الدول الإسكندنافية، كما في غيرها، مرتبطتين بقوة. ومثلما تخطت الديمقراطية الاشتراكية على مدى طويل القوى النيوليبرالية واليمينية والتي ألقت بظلالها على كثير من باقي دول العالم منذ أواخر السبعينيات فصاعدا، نجحت حداثة بنيوية ونقية في البقاء على الساحة الفنية الإسكندنافية. أدى الركود وتبعاته إلى تحول في دور الفن من التصميم المنفعي وتأسيس مشروعات بنيوية مثالية إلى النقد الصريح. قدمت الحكومات الديمقراطية الاشتراكية الدعم المالي للفنون، وجعلت الفنانين أشخاصا مطلعين ذوي نفوذ، بطريقة من الصعب إنكارها، مثلما فعل الكثير في بلدان أخرى. استمر هذا التوجه حتى في الفترات النيوليبرالية، حتى مع شروع الفنانين في أعمال معادية للمجتمع. ضمت مجموعة من كتابات الفنانين الإسكندنافيين - حملت العنوان اللاذع «كلنا عاديون (ونريد حريتنا)» - فقرة عبرت عن الأمر جيدا: «يبدو أن الفنان يؤدي دور المؤشر على قدر الحرية في المجتمع الإسكندنافي، وبقدر رفض الفنان للمجتمع - كما هو الدور التقليدي للفنان - يتأكد هذا الدور.»
إن ذلك النقد، الذي تطلبه النظام الجديد، يتوافق عن كثب مع الخطاب الليبرالي الذي صاحب النيوليبرالية. لا تحقق المقاومة المحلية أو القومية للاقتصاد والمجتمع النيوليبرالي سوى القليل من التعبير الثقافي في المجال الفني العالمي، وهذا من شأنه زيادة الشكوك حول احتمال أن الفن قد لعب دورا (ثانويا على نحو لا يمكن إنكاره) في الدعاية، ليس لسياسات الهوية فحسب، بل أيضا للنيوليبرالية نفسها.
نامعلوم صفحہ