وتصبح الأخطار التي تعرض لها الأمم بفعل سلطة العدد المتصاعدة أكثر ظهورا يوما فيوما، فيمكن أن تنشأ حروب طاحنة عن حركة بسيطة في الرأي تشيع بين الجموع بفعل العدوى النفسية.
ولا مراء في أن القوى الاقتصادية التي تصدر عن اختلاط الأمم تسيطر على العزائم الجماعية بالتدريج، بيد أن هذا التطور ليس في غير أوائله. •••
وتكون الجماعات خطرة بنفوذها المحافظ أحيانا أكثر مما بعملها الثوري.
وقد جربت فرنسة ذلك عدة مرات منذ الثورة الفرنسية حتى أيامنا، وعن المحافظة الشعبية نشأت الإمبراطورية الأولى والإمبراطورية الثانية مع نتائجهما المشئومة.
وينطوي عمل الجماعات على هول متساو، سواء أكان هذا العمل ثوريا أم محافظا، وذلك لما يلازم الحركات الشعبية من عنف في كل حين، ولما تصبح به هذه الحركات أشد خطرا في كل يوم بفعل اكتشافات العلم الحديثة، ولو أضحى الكومون سيد باريس في سنة 1871، وكان حائزا لوسائل التخريب الحديثة، لتحولت هذه العاصمة العظيمة إلى ركام من الأنقاض، ولم يتفلت اللوفر وعجائبه الفنية من الحريق الذي قضى على دار البلدية والتويلري وغيرهما من مباني باريس إلا لنقص وسائل التخريب المعروفة في ذلك الحين، ولو سقطت هذه المدينة القديمة بين يدي جماعة ثورية مرة أخرى لخربت تماما على ما يحتمل.
وإذ لم يبال محترفو السياسة بهذه الممكنات، وإذ يحاولون استغلال صولات الشعب، يدلون على جهل نفسي فيهم يلقي الحيرة في مؤرخي المستقبل.
وتجد الجماعات في عناصر الشعب المنورة دعامة استحسان لطلباتها. والواقع أنه ينتصب اليوم ضد الدولة جحفل من الموظفين الذين يجب عليهم أن يؤيدوها وجحفل من المربين الذين يعهد إليهم في تثقيف الجموع.
ولو تم النصر لهؤلاء العصاة في فرنسة لسقطت من فورها في حال منحطة من الفوضى، التي كادت إيطالية تسقط فيها حينما ظهر لإنقاذها من مصيبة نهائية جبار فعال. •••
وتجاوز أوربة دورا من التردد ما انفكت الأوهام الديموقراطية تغذيه أكثر مما تغذيه الحقائق، واليوم يحقق ذلك جميع أقطاب السياسة، وقد أبان ذلك جيدا أحد مشاهيرهم: جورج كليمنسو، في السطور الآتية التي اقتطفناها من كتاب كبير له كثف فيه نتائج ملاحظاته. قال كليمنسو:
ما فتئت نفس المسائل توضع منذ القرون القديمة على شكل مباحث أبدية من غير أن تدنو من حل نهائي. ... وقد أمكن القضاء على الأليغارشيات التاريخية القائمة على الوجاهة والثروة، وهي تبعث من رفاتها ضمن أليغارشيات جديدة من غير ما كانت عليه من نفوذ القدم الذي ينطوي على سر قوتها ... وكل منها يعترف بالشعب حكما، ولكن مع جعله يتكلم. ... وغوستاف لوبون إذ بين لنا بيانا قاطعا كيف أن الأكثريات عاجزة عن القيام بغير أدنى دركات الذهن، أتاح لنا فرصة إيضاح أوضع النتائج للحكومات القائمة على الأكثريات ...
نامعلوم صفحہ