يرى مقدار عدم الصحة في الأفكار التي استقرت وفق تعميمات تقليدية عن بعض أدوار التاريخ، ويلاحظ هذا أيضا في مسائل أكثر جدة من تلك بمراحل، ومن ذلك أن عد لويس الثالث عشر لزمن طويل صاحب نفس ضعيفة يسيطر عليها ريشليو سيطرة تامة.
وعلى العكس يظهره نشر رسائله مشتملا على نفس صافية حازمة مشيرة على ريشليو أكثر من أن توجه بهذا الأخير، مدبر بها مملكته تدبيرا صحيحا بين حروب كثيرة ودسائس ومؤامرات يومية كان يشترك فيها أخوه والأم الملكة والبرلمان. وأخيرا ترك هذا الملك لوارثه لويس الرابع عشر فرنسة قوية موحدة بفضل صرامته، وكان قد تلقاها غارقة في الفوضى.
ومن السهل أن يطلع على أمثلة أخرى عن التعميمات التاريخية غير الصحيحة، حتى إنه يمكن أن يسأل عما يبقى من التاريخ الكلاسي إذا ما وضع على محك النقد بأسره، فمن المحتمل حينئذ أن يتحول تحولا تاما ما يدور من مبادئ حول الأزمنة - حتى الحديثة - التي يلوح أنها درست درسا خيرا من غيرها كدور الثورة الفرنسية.
ولا يكتسب التاريخ صحة ظاهرة إلا بارتداده إلى الماضي مقدارا فمقدارا، وبما أن مفسري الوقائع القديمة قليلو العدد فيه إلى الغاية، فإنه لا مناص من قبول ما يقصون، ولا يمكن أن يجادل في بعض الأحاديث، كالتي دارت حول البلوبونيز مثلا، ما كان لهذا الدور مؤرخ واحد فقط: توسيديد.
ويجب لتفسير الحوادث التي يتألف منها التاريخ، ولا سيما تكوين الأحوال التي تنشأ عنها، أن يستعان بمناهج الاستقصاء التي تختلف اختلافا كبيرا عن المناهج التي اقتصر عليها المؤرخون زمنا طويلا، وقد خصصنا فصولا كثيرة من هذا الكتاب للبحث في هذه المناهج.
الفصل الثالث
مصادر الخطأ في التاريخ
ما يمكن تبصره وما لا يمكن
اليوم يعترف المؤرخون - على العموم - بما لمناهج البحث القديمة من قيمة ضعيفة، ومن ذلك ما قاله مسو سنيوبوس في كتاب لخص فيه دروسه التي ألقاها في السربون: «تقوم مبادئ التاريخ على ما لم نشاهد من وقائع موصوفة بعبارات لا تدع لنا عرضها عرضا دقيقا.»
وما كان الأمر ليظهر غير هذا، فبما أن الملاحظات التي انتفع بها في الماضي مجردة من قواعد قويمة فإنها لا تدل على غير آراء مؤلفيها.
نامعلوم صفحہ