ولا ينبغي لتقدم العقل أن يحمل على نسيان شأن الأوهام البالغ في حياة الأمم، فالأوهام قد أوجدت آمالا معزية ومنحت الإنسان قوة سير لم يؤد إليها أي عامل عقلي، وهكذا ظهر غير الحقيقي موجبا كبيرا للحقيقي. •••
وإذا لم تكن فلسفة التاريخ غير آخر فصل لفلسفة الكون العامة فإننا انتهينا إلى عرض سريع لبعض المبادئ الجديدة التي يسمح تقدم العلوم بصوغها.
وإننا، بدلا من عزل الإنسان عن الماضي العظيم الذي هو إزهار له، ربطناه بمجموع الموجودات التي سبقته في سيارتنا، فأظهرنا أن العالم المعدني والعالم النباتي والعالم الحيواني مراحل متعاقبة لمجموع واسع، فمادة الأزمنة الأولى الجامدة، التي هي تكاثف بسيط للطاقة، تحولت تحولا بطيئا، وبانتقالات غير محسوسة، إلى مادة حية، وإلى مادة مفكرة في آخر الأمر.
وبيان مثل هذا كان ضروريا لعرض التحولات العميقة التي تتم في الفكر البشري حول مبادئ عدت خالدة فيما مضى، فكانت تصلح أسسا لتفسير التاريخ.
وربما أنني لا أستطيع أن أبين في هذا الكتاب جميع عناصر فلسفة التاريخ فإنني أرد دراسته إلى الأقسام الأربعة الآتية، وهي: (1)
مباحث علمية مؤدية إلى تغيير الأفكار القديمة، حول حوادث الحياة وأصل الإنسان وتطور العناصر التي تكون منها، تغييرا تاما. (2)
مبادئ متعاقبة للمؤرخين حول مختلف وقائع التاريخ. (3)
مناهج تصلح لتمثل حوادث الماضي وعللها. (4)
مباحث في شأن عوامل التاريخ العظيمة، كالمعتقدات الدينية والسياسية والمؤثرات الاقتصادية، إلخ، وحول تقلبات الذاتية.
وإنا إذ ندرس الفرضيات التي يسوغ العلم صوغها حول القوى المبدعة للكون وحول أصل العالم وعدم ثباته، وطبيعة الإنسان وحوادث الحياة، وأصل نشاط الموجودات والحياة الغريزية، إلخ، نبصر المذاهب القديمة التي عاشت الروح بها حتى الآن فازدهرت مناوبة، ثم استبدلت بها مبادئ جديدة تماما.
نامعلوم صفحہ