وكان اكتشاف قوة الولايات المتحدة الحربية إلهاما نافعا لأوربة وأمريكة معا، فاسمع قول مستر كولدج: «لا تجد بلدا في موضوع القوة وموضوع وحدة بلدنا أبدى روحا أروع مما أبدينا، وأظهر شعورا وطنيا أرفع مما أظهرنا، فما اتصف به أرباب صناعتنا من قدرة كبيرة على التنظيم وما تنطوي عليه وسائلنا المالية من طاقة لا ريب فيها، وما بذله الجميع من مساعدة حول الخدمة العسكرية الإلزامية، والزراعة، والصناعة والخطوط الحديدية، والبنوك، وما كان من وجود أربعة ملايين رجل تحت السلاح ووجود ستة ملايين رجل احتياطي، أمور أسفرت عن قدرة صائلة لمواصلة الحرب، وقد تألف من هذا المجموع قوة أعظم مما قدرت على جمعه أية أمة كانت.»
ومما لا مراء فيه أن نفقات أمريكة في سبيل الحرب كانت ضخمة كما ذكر مستر كولدج، فقد مثلت «نصف مجموع ثروة البلد حين اشتراكه في الصراع».
وفي الخطبة نفسها أسهب رئيس الولايات المتحدة على الرغم من تحفظه السياسي في بيان اختلاف وجهات النظر بين أوربة وأمريكة، ومع ذلك فإن مبادئ الحكومة الأمريكية حول نزع السلاح تختلف كثيرا عن المبادئ التي يجادل فيها في جمعية الأمم.
قال مستر كولدج: «تثبت تجارب الإنسان كما يلوح أن البلد الذي يعد دفاعه إعدادا معقولا يعرض قليلا لهجوم معاد، كما يقل تعرض حقوقه لانتهاك مؤد إلى حرب. ... وتقتضي سنة التقدم الأولى أن يواجه العالم الحقيقة، ومن الواضح أيضا كون العقل والوجدان لم يسيطرا على أمور البشر حتى الآن، ومن البعيد جدا أن تلغى غريزة الأثرة الموروثة عن الأجداد، فقوى الشر بالغة القدرة.»
وحول أوربة وحدها يصرح عين الخطيب بأن من المفيد تحديد التسلح، فقد قال: «إننا نتمنى السلم عن اعتقاد صوابها فضلا عن أن الحرب تعوق تقدمنا، وقد بلغت مصالحنا في كل مكان من العالم ما يضر بها ضررا بالغا كل صراع ساطع حيثما يقع، ولو لم نشترك في الحرب العالمية - على الرغم من بعض الفوائد التي نلناها منها بالإصدار - لأصابنا خسر كبير، وذلك بقطع النظر عن الفريق الغالب في نهاية الأمر.»
وهذا التصريح يوضح السبب في انضمام الولايات المتحدة إلى الحلفاء في الحرب الأخيرة، ومن السذاجة أن افترضنا اشتراكها في الصراع العالمي دفاعا عن النظريات اللاتينية الموصوفة بالحق والحرية. والواقع أن أمريكة ترددت حينا من الزمن حول معرفة فريق المحاربين الذي تنحاز إليه، فإذا كانت قد انضمت إلى الحلفاء نهائيا؛ فذلك لأن مبدأ المنفعة - أي: الدفاع عن مصالحها الخاصة - قد أملى عليها هذا الخيار.
ونشأ دخول أمريكة في الحرب عن اضطرارها إليه كما اعترف بذلك الرئيس كولدج نفسه، غير أن هذا القطب السياسي أخطأ في توكيده في قسم من خطبته أن أمريكة لم تفز بغير فائدة قليلة من وراء ذلك.
ومن فورها أصبحت هذه الأمة الصناعية والتجارية - المحمية بمليشيا ضعيفة حتى ذلك الحين، والمهددة من قبل المكسيك، ولا سيما اليابان الراغبة أن تصب عليها ما يفيض من سكانها - أولى دول العالم الحربية ببحريتها وجيشها، وذلك في مقابل نفقاتها التي عادت لا تعوقها اليوم، فصارت اليابان، التي كانت تخشاها كثيرا فيما مضى، لا تبدو لها غير عدوة صغيرة، ولم يبق على أمريكة إلا أن تبسط يدها للاستيلاء على ثروات المكسيك الضخمة، وتخاطب أمريكة العالم بلهجة السيد، وأصبحت لا تخاف أحدا مع أن جميع العالم يخافها.
وإذا نظر إلى الأمر من الوجهة التجارية حصرا وعد التفوق العالمي قدرا تجاريا، أمكن الولايات المتحدة أن تقول إنها حققت، بنيلها مثل هذا التفوق، فائدة واسعة غير منتظرة.
وعلى العكس خربت أوربة بالحرب، واجتيحت أغنى ولايات فرنسة فتعيش اليوم بالقروض، وسيتم خرابها إذا ما دفعت إلى أمريكة ما هي مدينة به من المبالغ تجاريا، ولكن مع كون استخدامها أوجب قدرة هذا البلد العظيم الحاضرة على الخصوص.
نامعلوم صفحہ