وضع روسية: من العبث أن تفصل حال البؤس التي غرقت فيها هذه الإمبراطورية الواسعة بفعل الثورة البلشفية، وتجعل حكومتها الشرطية القائمة على الهول فقط أمر الحياة قاسيا جدا لدى جميع المواطنين، فقد قامت اشتراكية حكومية مبالغة في التدقيق مقام الصناعة الخاصة، وزادت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تعقب أدوار السلب والقتل. وقد وقفت مصادر بيت المال على إيجاد جيش يقوده متعصبون يمكن عقائدهم السياسية ذات الشكل الديني أن تكون بالغة الخطر على سلم أوربة، وعلى سلام العالم أيضا. •••
وضع آسية: آسية فريسة مصاعب أعظم من التي تقلب أوربة، والصين على الرغم من قدم نظمها، وبسبب هذا القدم البالغ على ما يحتمل تذهب منذ سنين كثيرة ضحية الحروب الأهلية التي تهدد بتخريبها.
وإذا عدوت الحقد على الأجنبي المشترك بين جميع الأحزاب، لم تجد بعد ظهور أي مبدأ جديد في هذه الإمبراطورية الضخمة قادر على تأليف ما بين النفوس. •••
وضع اليابان: لا يزال الدور الذي ستمثله اليابان في العالم الآسيوي مشكوكا فيه بعد، ففي الشرق الأقصى على الخصوص قد أصبحت معضلة السكان هائلة، ومما ذكرته في كتاب سابق كون زيادة السكان في ذلك الطرف الأقصى من العالم ستودي إلى حروب جديدة حتما.
وترى اليابان الزاخرة بالأهلين سكانها يزيدون مليونا في كل عام باستمرار، فعادت لا تدري ما تصنع لإعاشتهم، ومن المتعذر إرسالهم - كما كانت تحلم - إلى الولايات المتحدة التي استطاعت بفعل الحرب الأوربية أن تبني أسطولا وتنشئ جيشا يجعلانها في مأمن من جميع الغارات. وبما أن الصين نفسها أكثر زخرا بالسكان ولا تستطيع أن تتقبل فائضا من الأهلين، فإن اليابان ستوجه جهودها إلى جهة منشورية على الأرجح.
ولا يوجد ما يخشى كثيرا من معارضة الروس لذلك، فقد أصبحت حضارة اليابان وقوتها العسكرية أعلى مما عند روسية. •••
وضع الجمهوريات اللاتينية في جنوب أمريكة: أوضحت في كتاب قديم بعض القدم كون الجمهوريات اللاتينية الأمريكية عرضة لفوضى دائمة، بسبب توالد العروق الأهلية الأصلية بعرق الفاتحين من الإسبان.
وما انفكت هذه النبوءة تتحقق، فقد رأينا في سنين قليلة أن البيرو وبوليفية والأرجنتين والبرازيل، دع المكسيك، فريسة الحروب الأهلية وصولا إلى تغيير حكوماتها مرة أخرى، ومع ذلك فإن هذه الحكومات ليست غير دكتاتوريات بسيطة على أشكال مختلفة، وإن اتخذت نظم الولايات المتحدة نماذج لها، وما كان ليوجد مثال أصلح من هذا لإثبات مقدار اتباع النظم السياسية لنفسية الأمم التي تدعوها إلى الحكم، لا للأوهام التي يتصورها النظريون البالغو الجهل للضرورات التي تسير الناس في الحقيقة.
ومع ذلك فإن تدخل حكومة الولايات المتحدة بالتدريج أمر لا مفر منه إزاء انحطاط الجمهوريات اللاتينية الزائد، وذلك كما صنعت تجاه كوبا وهايتي، إلخ.
وقد بدأ نفوذ الشمال الأمريكي بالتحكيم، وسينتهي بالاستعمار لا ريب. •••
نامعلوم صفحہ