فإن أسمى حد من السعادة أمل هجسياس أن يبلغه الرجل الحكيم عند سعيه وراء منافعه الذاتية التي هي عنده ضالة الحكيم، ومنار الحكمة؛ كان التحرر من الآلام، ولذلك رأى أن أقوم سبيل يسلم إلى هذه الغاية، إنما ينحصر في الاستهتار بكل الأشياء الخارجية.
وهنا نقع على مشابهة كبيرة بين الصورة التي أفرغ فيها هجسياس المذهب القوريني وبين المذهب الرواقي من ناحية، وبين المذهب الكلبي من ناحية أخرى.
والأعجب من هذا أنك تجد أن هذا الزعيم الفلسفي الذي حاول أن يضع ناموسا يرمي إلى تهيئة الحياة الفردية بوجه من السلوك بين واضح، قد كني «رسول الموت» واتهم بأنه يغري الناس بالانتحار.
أما أنقريز فقد صبغ المذهب بصبغة أرق، ولو أنه ضحى في سبيل ذلك بأمانته للمذهب الأصلي،
41
فمن الظاهر أن البحث في الهيدونية الفردية، والهيدونية الغيرية - أي لذة الفرد ولذة الغير - كان قد بدأ يتطور إلى سؤال معضل يتطلب حلا فلسفيا مرضيا، لهذا قال أنقريز بأن هنالك أشياء لا تنكر، مثل الصداقة والوطنية، وهي أشياء أنكر هجسياس وجودها البتة.
لهذا قضى أنقريز بأن الرجل الحكيم قد يضحي في سبيل وطنه، وفي سبيل صديقه، ويكون في الوقت ذاته سعيدا، بالرغم من أن لذته من وراء هذه التضحية قد تكون ضئيلة، وبالرغم من أنه لم يطلب من وراء التضحية سوى اللذة، وأن سعادة الغير، إن كانت أقل تلاؤما مع منازع العقل من التضحية للوطن، فإن الرجل الحكيم ينبغي له أن يضحي في سبيل أصدقائه.
42 (14) الكلبيون وتطبيق المذهب
إن روح الاعتدال مشفوعة بالحذر والتحوط والحزم دون التورط في التطرف والمبالغة، مما نلمس في مقررات هذا الفيلسوف الكبير، تزودنا بما نحتاج إليه من مادة لنمضي في مقارنات نتخذ الآثار التي خلفتها فلسفة الكلبيين بينة الطابع في جبين الفلسفة القديمة وسيلة إليها، فإن أوجه العلاقة والصلة بين فلسفة أرسطبس والكلبيين لجلية واضحة، وكفى بأنهما شعبتين تفرعتا من دوحة سقراط.
وليس من شك في أن «أنطيثنيز
نامعلوم صفحہ