و«الفلوپونيز»
4
و«الققلاد»،
5
والكل مستهين بدمه في سبيل أن يرد عن المدينة هجمات قبائل البربر التي تكتنفها مواطنهم التاريخية، بل ليدفعوا عن جمال الطبيعة وعن آثار الفن الذي تفرد به إذ ذاك أبناء اليونان، وعلى الأخص في المائيات، وتخطيط الطرق وتعبيدها، فإن هذه القدرة كانت قد بلغت في قورينة أقصى مبالغها، وأرفع منازلها، فإن السفوح المنحدرة التي كانت تترامى تحت قدمي قورينة قد ردت طرقا معبدة مذللة المسالك، تتعرج ثم تمتد، وتمتد ثم تتعرج، وتلتوي ثم تدور من حول القمم في وضع حلزوني، حتى تبلغ الذروة التي استوت عليها المدينة مطلة على البحر، وكأنها «نرجس» في أساطير اليونان الأقدمين.
6
وترى الجبال وقد قطعت صخورها بيد الطبيعة فجاءة، فكأنها الجدران المشمخرة، شامخة بأنوفها الشم نحو السماء، ولكن يد اليونان لا تترك هذه القطوع الرأسية من غير أن تمتد إليها، ومن غير أن يتعهدها الفن بزخرف جميل تبتكره عبقرية الفنان، أو نقش رائع يحفره إزميل المثال، أو صورة تخطها ريشة المصور على الصخر الجلمد، فتلقي عليك ظلالا من مختلف ما ترى في الحياة من صور وألوان.
وقد استغلت المياه المنحدرة من ينابيع الصخور، استغلالا منع على الشمس أن تبخر منها، إلا القدر الذي تعجز المهارة البشرية عن أن تغالب فيه فعل الطبيعة، فاخضوضرت من حول قورينة الحقول، وترنحت في سفوح جبالها أشجار الصرو والصنوبر والحور، نشوانة متمايلة كأنها القدود الهيفاء، وفي المروج رتعت قطعان من الماشية والأغنام زودت الدنيا القديمة بأثمن أنواع الصوف، وولدت سلائل من الخيل عرفت في ملاعب أثينا بأنها لا يشق لها غبار.
وفي هذه البيئة نشأ الفيلسوف أرسطبس صاحب الفلسفة المنسوبة إلى تلك المدينة المهجورة التي تركتها يد الحدثان في وحدتها الأليمة: «تبكي في الليل بكاء، ودموعها على خديها».
7
نامعلوم صفحہ