فقد قال المعترضون: «من ذا الذي ينبئنا أن في حالات أخر قد ينعدم ذلك التعاون بين الحسوس المختلفة، فتنشأ الأكاذيب الحسية؟» أضف إلى ذلك أن ديمقريطس قد قرر من قبل أن تمييز الحق من الباطل لا يتوقف على العدد - أي عدد المؤيدين والمعارضين - ولا على الأغلبية أو الأقلية، سواء أمن الأشخاص أم من الحالات.
كذلك لا ينبغي أن ننسى أن الإلياويين
Eleatics
قد حملوا من قبل حملات صادقة على ما يمكن أن يعزى من إدراك الحقائق بشهادة الحس، ذلك بأن مذهب الإلياويين لم يكن قد قضي عليه بالزوال من عقول المفكرين في عصر أرسطبس وعصر شيعته الذين درجوا على مذهبه من بعده، فإن مذهبهم قد عاش من بعدهم في «ميغارة
Megara » وقد نعرفه باسم المذهب «الميغاري» نسبة إلى المدينة التي نما وانتعش فيها بعد «زيون» رأس ذلك المذهب، حتى إن بعض ثقات الباحثين المحدثين يطلقون على «المذهب الميغاري» اسم الإلياوية الجديدة
Neo-Eleaticism
إشارة إلى العلاقة بين المذهب الإلياوي الأول وبين المذهب الميغاري.
ولا ريب في أن الصيحة التي أرسلها القدماء بقولهم: «إن الحسوس كواذب فلا نؤمن بها، وإن الحقيقة إنما تكون في عالم خارج عن عالم الحس» - لم ترتفع بها أصوات الفلاسفة بأكثر مما ارتفعت في ذلك العصر، ولقد كان لها صدى كبيرا في عقل أفلاطون الآلهي.
غير أنه لا ينبغي أن يغيب عنا أن الإلياويين كان لهم نظراء يناظرونهم، فإن بروطاغوراس كان له أنصار وشيعة، كما كان للإلياويين أنصار وشيعة، ولا شك في أن الحرب الفكرية بين الشيعتين كانت سجالا، ولكن بأية أسلحة قامت الحرب؟ ذلك ما يجب أن نعرفه، لنعرف شيئا من طبيعة ذلك السجال.
كان للقول «بأن كل ما يدرك حقيقي» - صبغة ذاتية
نامعلوم صفحہ