Altruistic Emotions
باعتبارها آثارا ثانوية، إنما يرجع إلى مجرد النفع خالصا لوجه النفع، فإن الصداقة عنده لا تقوم على مجرد المنافع التي تجنى منها؛ فحسن النية وحده مفصولا عن كل مظهر من المظاهر العملية التي قد تصحبه؛ يمكن أن يصبح للصداقة أساسا كافيا.
وفضلا عن هذا فإنه أنصف كل الإنصاف عند الكلام في تلك الحقيقة السيكولوجية التي محصلها أن مشاعر الغيرية - مهما كانت مصادرها وأصولها - تحرز، تدرجا، قوة مستقلة خاصة بها، وأن هذه المشاعر تحتفظ بتلك القوة حتى ولو لم تتزن مع اللذة، وهذا تفسير رائع لحقيقة الأفعال العكسية المتحولة، وهو المذهب النفسي الذي أدخله پافلوف الروسي في حيز العلم ببحوثه وتجاريبه، والفارق بينه وبين أنقريز ثلاثة وعشرون قرنا من الزمان، وليس هنا موضع شرح هذا المبدأ، ولسوف نشرحه بعد.
بيد أن أنقريز لم يأخذ هذه الظاهرة على أنها حقيقة لا غير، بل إنه برر تضحية الذات باعتبارها أسمى مراتب الغيرية، مثبتا أن الحكيم وإن كان يستمسك باللذة على أنها الغرض الأسمى ويتأفف من كل ما ينتقصها؛ فإنه يرضى قانعا بما ينتقص ملذاته في سبيل الحب لصديقه، على أنه لم يصلنا - مع أشد الأسف - شيء من البراهين التي أقامها على تأييد موقفه وتبرير مذهبه هذا.
ومما يدل أوضح دلالة على أن أنقريز وضع فكرته هذه موضع التنفيذ أن أفلاطون أسر عندما كان عائدا من رحلته في «صقلية
Sicily »؛ فإن مدينة «أجينا
Aegina » كانت في حرب مع أثينا، فلما هبطها أفلاطون أخذ أسير حرب وسيق إلى سوق الرقيق، غير أن أنقريز - وكان من أصدقائه - افتداه بمال وفك إساره، ولما أراد أفلاطون أن يرد المال لصديقه رفض أنقريز أن يسترد المال، فاشتريت بالمال حديقة بجوار مدفن البطل «أكاديموس
Academus » حيث أسس أفلاطون سنة 387ق.م مدرسته التي سماها «الأكاديمي» نسبة إلى البطل اليوناني.
7
وعلى الرغم من أن أنقريز وتلاميذه قد حاولوا أن يجعلوا مراعاة القيام بالواجبات المدنية والاجتماعية، التي يصح أن تتخذ حادثة أفلاطون مثلا عليها من بين الأشياء التي تحدث اللذة، فإنهم قد اعترفوا بأن الأعمال الإنسانية التي تؤتى في سبيل الغير لا يمكن أن تتحرر من دوافع الأنانية وحب الذات.
نامعلوم صفحہ