فلسفة كارل بوبر

یمنی طریف الخولی d. 1450 AH
148

فلسفة كارل بوبر

فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم

اصناف

64

لقد رأى كانط في النظرية العلمية شيئا أعظم بكثير من مجرد نتيجة لتراكم الملاحظة، إنها نتيجة لأسلوبنا نحن في التفكير ولمحاولتنا لتنظيم المعطيات الحسية، وفهمها على ضوء المقولات المفطورة في طبيعة العقل، وقد عبر كانط عن هذا بقوله الثوري: «عقولنا لا تأخذ القوانين من الطبيعة، ولكن تفرضها على الطبيعة.»

65

فأحدث ثورته الكوبرنيقوسية، حينما قلب مركز المعرفة وجعله في عقل الإنسان، بدلا من أن يكون مفارقا في عالم المثل أو في الجوهر إن كانت المعرفة مثالية، أو في الطبيعة، إن كانت المعرفة تجريبية، ثم علمنا الاستقراء كيف نستجدي الطبيعة لتكشف لنا عنها، حتى قلب كانط مركز المعرفة، وجعله العقل الذي يتوصل إلى القوانين بواسطة مقولاته الخاصة المجبولة في طبيعته.

66 ⋆

بوبر إذن لم يأت ببدعة، والتوقعات الفطرية ثم الفروض العلمية، تلعب في فلسفته دورا شبيها بدور المقولات في فلسفة كانط؛ مما حدا بالمؤرخين إلى الحكم بأن بوبر متأثر بكانط، وهذا ما يؤكده بوبر نفسه في كل مناسبة، لكن مقولات كانط فكرة مثالية ميتافيزيقية، بينما توقعات بوبر فكرة علمية سيكولوجية، خول لها دورا منطقيا ميثودولوجيا، ويظل على تمام الحفاظ على بعده عن أية نزعة سيكولوجية، حينما يوضح أن التعامل معها بعد ذلك منطقي صرف، وهو الذي يميزها، وأن أصل النظرية لا صلة له البتة بمنزلتها العلمية.

ثم إن كانط كان واثقا في المعرفة الإنسانية أكثر مما ينبغي، كان يتفلسف واضعا نصب عينيه نظرية نيوتن بوصفها أنموذجا للعلم، وكان كسائر معاصريه يعتبرها مطلقة الصدق، واعتبر قوانينها - أي قوانين العلم - بعدية تركيبية، ولكنها في الآن نفسه ضرورية الصدق، فالعقل يحاول أن يفرض القوانين التي يخترعها على الطبيعة، وهو لا بد حتما أن ينجح في هذه المحاولة.

على هذا تبدو محاولة بوبر صورة متطورة متواضعة من محاولة كانط المغرورة، ولا غرو فالتواضع المعرفي إحدى دعاوى بوبر الهامة، فلا ندعي اليقين أبدا، ولا نترفع على أي نمط معرفي.

محاولة كانط - بلا شك - رؤية عميقة ورصينة ، من فيلسوف عميق ورصين، أوشكت أن تروح في طي النسيان بسبب خطأ كانط الكبير في اعتبار نظرية نيوتن مطلقة الصدق، لكن - كما وضح آنفا - لم يكن أمام كانط العظيم الذي عاش في مجد نظرية نيوتن، أي مناص من الوقوع في هذا الخطأ. (3) وبعد كل هذا يستحيل الآن أن نأخذ في الاعتبار شيئا اسمه الاستقراء، إنه خرافة فكيف له أن يميز العلم، لكن العلم بدا الآن غريبا عن الدار، فما كنا نظنه، بل ونسلم بأنه منهج العلم في الفصل الأول اتضح كخرافة جوفاء حين انتهينا من الفصل الرابع، فلا بد وأن نسأل بوبر، وما هو المنهج العلمي إذن؟

الفصل الخامس

نامعلوم صفحہ