فلسفة كارل بوبر

یمنی طریف الخولی d. 1450 AH
146

فلسفة كارل بوبر

فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم

اصناف

رسالة بيكون عظيمة؛ لأنها تلخصت في غرضين هما: تحويل العلم إلى منفعة الناس، وإقامته على أساس الاستقراء، بعد قيامه زمنا طويلا على أساس التقدير والقياس.

57

بالنسبة للغرض الأول، حقا كان قد بدأ قبل بيكون بعهد طويل، فقد فصل أرسطو مثلا بين العلوم النظرية والعلوم العملية، وسطعت الفائدة العملية للعلم مع بدايات العصر الحديث، لكن بيكون هو الذي أكد عليها، وقد كان الناس يحتقرون الانتفاع بالعلم لاعتقادهم أن الآخرة هي محور كل علم، وأن الزهد في الدنيا هو صبغة العلماء،

58

كما أكد فيثاغورث مثلا الداعي إلى السعادة القصوى القائمة على التأمل الصرف.

وإذا كان بيكون لا يزال واقعا تحت شوائب ميتافيزيقية، بحكم المرحلة الزمانية التي جاء فيها والتي تقع على أعتاب العصور الوسطى، فرسل يقول: إن الفيلسوف صنيعة عصره، وقد أثبت هذا في مجلده الضخم «تاريخ الفلسفة الغربية»؛ لذا فليس من العدل أن نطالب بيكون بالتخلص من أدنى شوائب العصور الميتافيزيقية السابقة عليه، لقد شهدت العصور الوسطى انصرافا بعيدا عن التجريب، حكم على العلم الطبيعي أن يظل في مكانه لا يتقدم ولا يتأخر، بل حتى لا يلتفت يمينا ولا يسارا، ولم يوقظ العلم الطبيعي من سباته العميق إلا الالتفات إلى أهمية التجريب، وهذا ما لا يمكن أن يجادل فيه أحد وبالذات بوبر، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يسحب فضل بيكون العظيم في التنويه إلى أهمية التجريب، حتى وإن كان فضلا مشوبا بالكثير الجم من الأخطاء الميتافيزيقية والاستقرائية التي أوضحناها في الفصل الأول.

خاتمة (1) الملاحظة الهامة التي نبديها في الخاتمة، هي أن بوبر التجريبي بإنكاره للدور الاستقرائي للملاحظة يحفظ كيان العقل والقوى الخلاقة، ويرفض أن يحيل الإنسان إلى آلة صماء، تقصر عملها على تسجيل انطباعات التجريب، وتعمم نتائجها لتصل إلى القانون، وكأن الإنسان حس فحسب وليس حسا وعقلا وقدرات على الابتكار العلمي والخلق الفني ... وسائر مكونات العالم 3، هذا درس عميق للتجريبيين، وقد نصت كتابات بوبر على أنه يناصبهم العداء، أولئك الذين ينصحون بالاحتفاظ بالمدركات الحسية خالصة صافية بقدر الإمكان، بلا إضافة أو نقصان، فتكون بهذا المعرفة اليقينية، حتى جاء كانط ليقول لهم: المعطيات الحسية لا تشكل إلا المادة الخام.

59 (2) على هذا فبوبر بإنكاره للدور الاستقرائي للملاحظة لم يأت بجديد تماما، فقد سبقه إلى هذا كثيرون، وهو يواصل مسار فكرة فلسفية أخذوا بها، مثل أكد ويويل في كتابه «فلسفة العلوم الاستقرائية» أن العلم لا يمكن أن يكون بهذه الصورة، بل لا بد من اختراع النظرية اختراعا، أي لا بد من عنصر الخلق،

60

ودارون الذي قال: من الغريب حقا أن أحدا لم ير أن أية ملاحظة يجب أن تكون من أجل أو ضد وجهة نظر معينة،

نامعلوم صفحہ