فلسفة كارل بوبر
فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم
اصناف
أي إن إنكار دور الملاحظة في التوصل إلى الفرض العلمي، لا يقصره بوبر على مراحل العلم البحت المتقدمة فحسب، بل ويسحب بوبر هذا الإنكار على البحث المعرفي في سائر مراحله حتى أشدها بدائية، فضلا عن مراحل العلم الوصفي.
ويخرج بوبر من هذا إلى استئناف هذا الإنكار بعيدا عن نطاق العلم في الحياة اليومية، وفي تعرف الكائن الحي على بيئته، وعلى البيئة الطبيعية من حوله، فليس عن طريق الملاحظة الحسية الخالصة، بل عن طريق المحاولة والخطأ.
ويجمل بنا أن نشير مرة أخرى إلى نقد هيوم المطروح في الفصل السابق، سنجد فيه تفنيدا لأي ادعاء بأن ملاحظة التكرارات لها أي أثر على الحياة السيكولوجية، ونشير إلى حله لمشكلتي الاستقراء السيكولوجية والبراجماتية، فقد انطوى حلهما على استبعاد أي دور للملاحظة الاستقرائية في الحياة السيكولوجية وفي التصرفات العملية، وهذا يعني إثبات ما نعنيه في هذه الفقرة؛ دور الملاحظة الاستقرائي لا وجود له في الحياة اليومية أيضا، وليس في العلم فحسب، هكذا أفكار بوبر دائما متشابكة ومترابطة ، الفصل التصنيفي بينها لا بد وأن يكون تعسفيا.
إن بوبر يتمادى في إنكار دور الملاحظة بالمفهوم الاستقرائي، أي بوصفها أولى الخطوات التي نبدأ بها من لا شيء، لا في العلم، ولا حتى في الحياة اليومية، ولا في سلوك الحيوان، فسلوك أي كائن حي لا يعدو أن يكون محاولة حل مشكلة للتكيف مع البيئة هي «م1
ح ح
أ أ
م2»، تبدأ بمشكلة وبافتراض لحلها ثم نخرج إلى التجريب لبحث هذا الحل، بهذا لا يكذب افتراض الملاحظة الاستقرائية كمقدمة للعمل في البحث العلمي فقط، بل وفي الحياة على كوكب الأرض بأسرها. (2) البرهان المنطقي (1) غير أن هذا الجدل الفلسفي قد لا ينتهي أبدا، فلنحسم الأمر بإثبات منطقي، إثبات استحالة أن تكون النظرية العلمية مشتقة من مجموعة من الملاحظات الحسية، وقد وضع بوبر هذا البرهان المنطقي وهو بصدد إثبات استحالة أن تكون نظرية نيوتن بالذات استقرائية، لكن بالطبع يمكن أن يعمم هذا الدليل على أية نظرية تدعي أنها استقرائية، لا سيما وأن نظرية نيوتن هي قمة العلم الاستقرائي كما يزعم الاستقرائيون. (2) هاك الدليل المنطقي: «ك»: فئة تتكون من أي عدد من عبارات الملاحظة الصادقة، فأية عبارة من الفئة «ك» تصف ملاحظة فعلية، أي حدثت في الماضي، وطالما أن كل العبارات «صادقة»، فهي متسقة
Consistent ، ومتفقة مع بعضها
Compatible . «ب» عبارة ملاحظة، تصف ملاحظة مستقبلة ممكنة منطقيا، مثلا: «سوف يحدد كسوف الشمس غدا.» وطالما أننا قد لاحظنا بالفعل كسوف الشمس، فيمكن أن نجزم على أسس منطقية خالصة بأن هذه العبارة ممكنة، أي متسقة ذاتيا، متسقة مع نفسها طالما أنها ليست مستحيلة منطقيا.
وقد أوضح هيوم أن «ب» يمكن دائما أن ترتبط مع «ك»، بلا أدنى تناقض منطقي، طالما أن «ب» عبارة ممكنة تجريبيا ومتسقة ذاتيا، و«ك» فئة من العبارات الصادقة، ويمكن أن نصوغ هذا الكشف الهيومي على النحو التالي: «ليست هناك عبارة ملاحظة ممكنة منطقيا يمكن أن تتناقض مع فئة من عبارات الملاحظة الماضية.»
نامعلوم صفحہ