37

فلسفة العلم

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

اصناف

وبيكون بدوره - بتجسيده لروح العصر - يصف الطبيعة بالأم الكبرى للعلوم، أو جذع شجرة المعرفة، ولا أمل في التقدم إلا بأن ترتد إليها العلوم جميعا،

8

وفي وجه آخر من وجوه تجسيداته البارزة لروح العصر، يؤكد أن المعرفة هي قوة الإنسان،

9

وليست ترفا وزينة كما كانت عند الإغريق، أو دوائر نظرية مغلقة وجوفاء كما كانت عند المدرسيين، وإذا كانت المعرفة قوة، فإن الطبيعة - ومنذ الفقرة الأولى في الأورجانون الجديد - هي مملكة المعرفة الإنسانية، والميدان الوحيد المثمر والمأمول لسيطرة الإنسان، وفقط عن طريق المنهج التجريبي، أي ملاحظة الواقع والتفكير في مسار الطبيعة. وإذا تجاوز الإنسان هذا فلن يستطيع أن يعرف أو يفعل شيئا،

10

ويراه بيكون منهج كشف بسيطا للغاية وطبيعيا إلى أقصى الحدود طالما يعتمد على معطيات الحواس، وهو فقط الذي يحقق وعد التوراة بأن يصبح الإنسان سيد الكائنات وتاج الخليقة وبطل الرواية الكونية.

هكذا كان بيكون وهو يقدم الطبيعة بوصفها المملكة البشرية الكبرى التي يستطيع الإنسان غزوها والسيطرة عليها عن طريق التجريب، إنما كان يقدم أقوى تجريد وتجسيد لروح العصر الحديث، وحتى المتغيرات التي أنجبته، وكان أبرزها - كما ذكرنا - اكتشاف العالم الجديد. وكثيرا ما كان بيكون يستشهد بالرحلات إلى العالم الجديد قبل أن يعبر عن أمله في اتساع المعرفة «بحيث تتجاوز أي شيء اكتشفه القدماء أو المدرسيون، اعتمادا على منهج فاسد، وهدف بيكون لأن يكون - كما قال - مثل كولومبوس، أي يكتشف عالما جديدا، وأن يبحر مخترقا أعمدة أروقة هرقل - رمز العالم القديم - مبحرا في المحيط الأطلسي؛ لكي يكتشف جديدا، والآخرون قادرون على تحقيق شيء مشابه لو أنهم تخلوا عن التوقير غير المناسب للقديم واتبعوا الأورجانون الجديد، أو المنهج الاستقرائي».

11

من هنا مثل الاستقراء - المنهج التجريبي - أقوى تجليات الحداثة من حيث هو تمثيل لشريعة العلم الحديث.

نامعلوم صفحہ