فلسفة العلم
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
اصناف
وكما ذكرنا أتت المشاكل من المسلمة الخامسة وهي مسلمة الخطين المتوازيين، وأبسط صورها: الخطان المتوازيان لا يلتقيان مهما امتدا، أو: من نقطة خارج مستقيم معلوم لا يمكن رسم إلا مستقيم واحد يوازيه. فقد شك الرياضيون - ومن بينهم نصير الدين الطوسي والحسن بن الهيثم - في كونها مسلمة، وراودهم الاعتقاد بأنها يمكن أن تكون نظرية مبرهنة نثبتها، فحاولوا إثباتها باستخدام المسلمات الأخرى، ولم ينجح أحد في إثباتها، وبعضهم أسلمته هذه المسلمة للجنون.
وبصفة عامة يمكن القول: إن البراهين المباشرة تعرب عن فشلها للوهلة الأولى، فلم يكن أمام الرياضيين إلا برهان الخلف وهو منهاج أثير لديهم، يعني إثبات صدق القضية عن طريق إثبات كذب نقيضها أو عكسها، فإذا أثبت كذب (لا «أ») فمعنى هذا أننا أثبتنا أن («أ» صادقة)، وبالتالي إذا أثبت الرياضيون خطأ أو كذب القضية: الخطان المتوازيان يلتقيان، كان هذا إثباتا لصدق القضية القائلة إنهما لا يلتقيان مهما امتدا، أي تلك المسلمة المذكورة.
ولكي يفترضوا عكسها، أي إمكان التقاء المتوازيين، افترضوا أن السطح غير مستو، أي غير إقليدي، ومن هنا أدت المسلمة الخامسة إلى الهندسات اللاإقليدية، وهي الأنساق الهندسية التي تختلف عن نسق إقليدس من حيث إنها لا تفترض أن السطح مستو، فلا تسلم بمسلماته، بل بمسلمات مختلفة.
وكان العالم الإيطالي جيرولامو ساكشيري
G. Saccheri
قد أحرز بعض النجاح في الكفاح اليائس ضد المسلمة الخامسة، لكنه لم يصب الهدف، شأن جميع سابقيه ومعاصريه من الرياضيين. ثم جاء الألماني يوهان لامبرت
J. H. Lambert (1667-1733م) من دون أن يعرف شيئا عن أعمال ساكشيري واستخدم شكلا رباعيا مختلفا نوعا ما، به أربع زوايا، ثلاث منها قائمة والرابعة إما أن تكون حادة، وإما أن تكون قائمة أو منفرجة. أما الحادة فقد حار فيها لامبرت - كما حار من قبله ساكشيري - وبين أن فرضية الزاوية القائمة تكافئ مسلمة إقليدس، ودحض - كما فعل ساكشيري - فرضية الزاوية المنفرجة، ولكن لامبرت زاد فبين أنها لا يمكن أن تتحقق إلا على سطح كرة، إذا ما قامت الخطوط المنحنية لدائرة كبيرة بدور الخطوط المستقيمة، فكان لامبرت - بهذا - المبشر الأول بالهندسة اللاإقليدية.
48
وبعد حوالي عشرين عاما من وفاة كانط، أي العام، 1824م، اكتشف رياضي مجري شاب هو جون بولياي
J. Bolyait (1802-1860م) أن مسلمة التوازي ليست عنصرا ضروريا، فشيد هندسة تخلى فيها عنها، وأحل محلها مسلمة جديدة هي القائلة: إن هناك أكثر من مواز واحد لمستقيم معين من نقطة معينة، وفي هذا الوقت كانت فكرة الهندسة اللاإقليدية قد تراءت بوضوح في ذهن العالم الألماني الفذ كارل جاوس
نامعلوم صفحہ