فلسفة العلم
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
اصناف
يقول آينشتين:
يمكن وصف عالم الأحداث وصفا ديناميكيا عن طريق تصور يتغير عبر الزمان في إطار خلفية من الفضاء ثلاثي الأبعاد، ولكن يمكن أيضا وصف الأحداث عن طريق تصور إستاتيكي في إطار خلفية من المتصل الزماني/المكاني رباعي الأبعاد. من منظور الفيزياء الكلاسيكية التصوران متكافئان، ولكن من منظور النظرية النسبية التصور الإستاتيكي أكثر ملائمة وأكثر موضوعية، وحتى في إطار نظرية النسبية ما زلنا نستطيع استخدام التصور الديناميكي، إذا كنا نفضل هذا، لكن يجب أن نتذكر أن تلك القسمة التي تفصل بين الزمان والمكان ليس لها أي معنى موضوعي، ما دام الزمان لم يعد مطلقا.
36
في المتصل الزماني/المكاني رباعي الأبعاد قد يصبح الزمان مكانا والمكان زمانا، فلم تعد المسافة هي البعد بين نقطتين مكانيتين بصورة بحتة، بل هي البعد بين نقطتين متحركتين أو حادثتين تفصل بينهما فترة زمانية بالإضافة إلى الفترة المكانية، بحيث تأتي المسافة بجمع مربع الطول مع مربع العرض، ثم مربع الارتفاع، ثم طرح مربع الفاصل الزمني من ذلك، وفي هذا يقول آينشتين إنه يمكن تحديد المسافة ذات الأبعاد الأربعة بتعميم بسيط لنظرية فيثاغورث، وإن هذه المسافة تلعب دورا أساسيا في العلاقات الفيزيائية بين الأحداث الكونية أهم من الدور الذي يلعبه الفاصل الزمني وحده.
37
وأجرى آينشتين من العلاقات الرياضية شديدة التعقيد ما يحافظ على طبيعة البعد الزماني، دامجا المكان والزمان في وحدة واحدة ترسي القانون: «إذا وقع حادثان في المكان نفسه، لكن في لحظتين مختلفتين من وجهة نظر مشاهد، فيمكن اعتبارهما قد وقعا في مكانين مختلفين إذا نظر إليهما مشاهد في حالة حركية أخرى»، وعلى أساس تكافؤ الزمان والمكان الذي يجعل أحدهما دالا على الآخر، يصح العكس، فإذا وقع حادثان في اللحظة نفسها، فيمكن اعتبارهما قد وقعا في لحظتين مختلفتين إذا نظر إليهما مشاهد آخر في حالة حركية أخرى، وأيضا إذا وقع حادثان في اللحظة نفسها من وجهة نظر مشاهد، فإن هذين الحادثين من وجهة نظر مشاهد آخر - في حالة حركية أخرى - يكونان منفصلين عن بعضهما بفترة زمانية معينة.
كل هذه المتغيرات المتحركة في تحديد الزمان، والتي تجعل حادثا بعينه ماضيا لمشاهد ومستقبلا لمشاهد آخر، نجم عنها ما يعرف بمشكلة التآني
Simultaneity ، أي استحالة الحكم بأن حادثا وقع قبل أو بعد الآخر، كما يشترط التحديد العلي للأحداث إلى علة سابقة ومعلول لاحق في خط الزمان الواحد المطلق. لقد تلاشت العلية الكونية، كما سبق أن تلاشت في الكوانتم، لكن النسبية تنفي أيضا خاصية عدم قابلية الزمان والأحداث للارتداد، ويمكن افتراض التتابع الزماني للأحداث في الاتجاه المعاكس. مع النسبية أصبح الذهن البشري يستطيع إدراك نظم مختلفة للترتيب الزماني، النظام الكلاسيكي التسلسلي مجرد واحد منها.
والتوغل بإشكالية الزمان إلى هذا الحد يطرح التناقض بين صورة الكون كما ترسمها الفيزياء في القرن العشرين، وصورة الكون في الخبرة العادية للإنسان في حياته اليومية التي تتفق مع صورة الكون في العلم النيوتني، على أن قوانين الديناميكا الحرارية غير القابلة للارتداد والظواهر التي تعكس اتجاها وترتيبا زمانيا واضحا أبسطها الفيلم السينمائي، وآثار الأقدام على الرمال وقرص العجة الذي لا يمكن أن يعود بيضا ... إلخ، كلها يمكن أن تهب دفاعا عن الزمان غير القابل للارتداد الذي اغتالته النظرية النسبية. وقد تصدى لهذه المشكلة كثيرون، من أبرزهم هانز رايشنباخ الذي أسمى هذه الظواهر أنساقا فرعية: تنشأ عن ظروف أو شروط مبدئية معينة، وليس عن طبيعة الكون الفيزيائي. إنها «أنظمة ثانوية» داخل النظام الكوزمولوجي الكوني الذي لا يعني البتة أن الزمان له اتجاه معين أو ترتيب أوحد، ويمكن أن نأخذ هذه الأنساق الفرعية مأخذا برجماتيا، أي عمليا إجرائيا، ونتصرف على أساسها بغير حاجة للدخول في النظريات الشديدة العمومية كالنظرية النسبية العامة.
38
نامعلوم صفحہ