فلسفہ علم الحیات: ایک بہت مختصر تعارف
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
يؤكد أنصار التطور الثقافي أن هذا قد حدث بالفعل. تأمل على سبيل المثال تطور تخزين الطعام بمرور الزمن. في معظم تاريخنا، كنا صيادين جامعين رحلا. بدأ هذا يتغير منذ نحو 10 آلاف عام، عندما بدأ البشر يزرعون المحاصيل ويستأنسون الحيوانات في عدد من المواقع المختلفة حول العالم. ثم انتشرت تربية الحيوانات والزراعة بسرعة لتحل محل نمط الحياة التقليدي الذي يعتمد على الصيد وجمع الثمار، وفي غضون بضعة آلاف من السنين صارت موجودة في جميع أنحاء العالم. كان هذا يرجع إلى المحاكاة حين رأت الجماعات التي تعتمد على الصيد وجمع الثمار فوائد الزراعة فتحولت إليها، وكذلك إلى الغزو والاستعمار. بالطبع، لطالما عرف العلماء أن انتشار الزراعة أدى إلى تحول جذري في البشرية. لكن الادعاء المميز لنظرية التطور الثقافي هو أنها كانت عملية داروينية في حقيقتها، تفوق فيها تباين ثقافي له الأفضلية (الزراعة) على تباين أقل تفوقا (البحث عن المؤن)، وهو مماثل للطريقة التي تتفوق بها التنوعات الجينية التي لها الأفضلية على أليلاتها في عملية التطور البيولوجي المعتادة.
في حالة التطور الجيني، الأثر التراكمي للانتخاب الطبيعي هو تكيف الجماعات مع بيئتها وخلق التباين، كما رأينا في الفصل الثاني. يجادل أنصار التطور الثقافي بأن الأمر نفسه ينطبق عندما يسري الانتخاب الطبيعي على التباين الثقافي. للتوضيح، تأمل القدرة المذهلة للبشر على التكيف مع بيئتهم المحلية، والتي سمحت للبشر بأن يصبحوا أكثر الأنواع انتشارا ونجاحا على هذا الكوكب. تأمل على سبيل المثال مهارات بناء الأكواخ الجليدية لدى شعب الإنويت، ومهارات الصيد لدى شعب بوشمن في كالاهاري، أو مهارات بناء القوارب لدى شعب الفايكنج، تلك جميعها كانت مهارات ضرورية للبقاء على قيد الحياة في البيئات المعنية. وهي مهارات تنتقل ثقافيا وليس وراثيا. لا يوجد «جين أكواخ جليدية» نقله شعب الإنويت إلى ذريته؛ بل كانوا يعلمون صغارهم تلك المهارة التي صقلت تدريجيا على مدى أجيال عديدة. وينطبق الشيء نفسه على العديد من الممارسات الثقافية الأخرى. وبالتالي فإن التطور الثقافي أمر بالغ الأهمية في تفسير كيفية تكيف المجموعات البشرية مع بيئاتها، وكيف تظهر الاختلافات الثقافية بينها وتستمر.
ما العلاقة بين التطور الثقافي والتطور البيولوجي (أو الجيني)؟ من ناحية، يعتمد الأول على الثاني، لكنهما من ناحية أخرى مستقلان. لإدراك اعتماد التطور الثقافي على التطور البيولوجي، لاحظ أن الممارسات الثقافية لا يمكن أن تنشأ وتنتشر إلا بسبب القدرات الإدراكية للبشر، والتي تطورت هي نفسها عن طريق التطور البيولوجي. على سبيل المثال، ما جعل ابتكار الزراعة وانتشارها اللاحق ممكنا هو امتلاك البشر القدر اللازم من الذكاء والتواصل والقدرة على محاكاة سلوكيات الغير. فلولا أن التطور البيولوجي أدى إلى امتلاك الإنسان الإدراك اللازم لما نشأ التطور الثقافي من الأساس. أما لإدراك استقلالهما، فلاحظ أن التطور الثقافي لا يعتمد على وجود التباين الجيني، ويحدث بمقياس زمني أسرع بكثير من التطور البيولوجي. يمكن للتباينات الثقافية أن تجتاح جماعة بشرية بسرعة أكبر بكثير من التنوعات الجينية، فبينما تنتقل الجينات عموديا فقط (من الآباء إلى الأبناء)، تستطيع الثقافة أن تنتقل أفقيا. من ثم فإن السرعة التي يمكن أن ينتشر بها الجين المتحور يحكمها فترة حياة الجيل، بينما لا يخضع انتشار تباين ثقافي جديد لمثل ذلك القيد.
في بعض الحالات، يحدث تفاعل مثير للاهتمام بين التطور الثقافي والبيولوجي. المثال التقليدي هو انتشار مزارع الألبان. بدأ استئناس الماشية بغرض استهلاك حليبها الغني بالمغذيات منذ آلاف السنين، وانتشر عن طريق التطور الثقافي. ولكن نجاح هذه الممارسة الثقافية كان محدودا بسبب حقيقة أن معظم البشر يفتقرون إلى القدرة على هضم اللاكتوز. أدى ظهور مزارع الألبان إلى ضغط انتخابي ملح لإيجاد جين من شأنه أن يساعد في هضم اللاكتوز. في النهاية ظهر مثل هذا الجين وانتشر عن طريق التطور «البيولوجي» عبر شمال أوروبا والشرق الأوسط، حيث يوجد اليوم بنسب عالية. في المقابل، لم ينتشر جين إنزيم اللاكتيز في المناطق التي لم تتبن مزارع الألبان، ولا يزال موجودا بنسب منخفضة لدى معظم السكان اليوم في آسيا على سبيل المثال. أي إننا وجدنا ارتباطا وثيقا بين وجود منطقة لها تاريخ في إنشاء مزارع الألبان ووجود الجين لهضم اللاكتوز. النقطة المهمة التي تجب ملاحظتها هنا هي التفاعل بين التطور البيولوجي والثقافي. فقد أدى انتشار ممارسة ثقافية - مزارع الألبان - إلى خلق الظروف اللازمة لعملية التطور البيولوجي لتغيير التكوين الجيني للمجموعة التي انتشرت فيها هذه الممارسة الثقافية، مما سمح لهذه المجموعة بعد ذلك بتحصيل الفوائد الكاملة لهذه الممارسة. يعرف هذا التفاعل باسم «التطور الجيني-الثقافي المشترك».
قدم ريتشارد دوكينز نظرية مهمة في التطور الثقافي في كتابه «الجين الأناني». وصف دوكينز عملية تطورية ينفرد بها جنسنا البشري، تتنافس فيها كيانات تدعى «الميمات» على موضع في العقل البشري. يقصد بالميم وحدة معلومات ثقافية، مثل أغنية أو طقس ديني، مثلما يعد الجين وحدة للمعلومات الوراثية. رأى دوكينز أن الميمات، على غرار الجينات، «مستنسخات»، أي كيانات تصنع منها نسخ.
بفضل نزعة الإنسان إلى المحاكاة، تنتقل الميمات من عقل شخص إلى آخر، ومن حين لآخر تحدث أخطاء في النسخ. رأى دوكينز أن انتشار الميمات يخضع للمبادئ الداروينية بصفة عامة. الميمات الأصلح للنسخ لأي سبب كان، ستسود «تجميعة الميمات». وهذا هو السبب في وجود أغاني البوب الجذابة والديانات التي تحث أتباعها على الدعوة لاعتناقها؛ فتلك هي الاستراتيجيات التي تساعد الميمات المعنية (الأغنية والدين) على الانتشار. تصور دوكينز نشأة علم مستقبلي للميمات، يناظر علم الوراثة، يدرس المبادئ التي تنتشر بها الميمات في جماعة.
على الرغم من أن طرح دوكينز كان ثاقبا، لم يؤت علم الميمات ثماره وتحاشى معظم أنصار التطور الثقافي الحديث مفهوم الميم. يرجع هذا جزئيا إلى عدم وجود تعريف واضح لما يعد ميما أو لكيفية تحديده. فيبدو أنه لا توجد طريقة واضحة ل «تجزئة» ممارسة ثقافية معقدة إلى وحدات متمايزة. فهل نعتبر الدين المسيحي ميما واحدا أم عدة ميمات، على سبيل المثال؟ علاوة على ذلك، ارتبط مفهوم دوكينز للميم باعتقادات فكرية معينة ليست من جوهر نظرية التطور الثقافي، مثل الادعاء المثير للجدل بأن الميمات «تطفلت» على العقل البشري لمصلحتها الخاصة. وأخيرا، أدى مفهوم الميم بالنقاد إلى الاستعجال في صرف نظرهم عن أهمية التطور الثقافي، على أساس أن التشابه بين الجينات والميمات متخيل ولا أساس له من الصحة. لهذه الأسباب، لا ينبغي ربط نظرية التطور الثقافي بمفهوم الميم.
إحدى القضايا الفلسفية المثيرة للاهتمام هي ما إذا كان ينبغي اعتبار التطور الثقافي والتطور البيولوجي نوعين متشابهين من التطور. هل كلاهما تجسيد لنفس المنطق الدارويني المجرد؟ يرى أنصار التطور الثقافي أنهما كذلك، لكن النقاد يشيرون إلى اختلافات شتى. أحدها هو أن الثقافة يمكن أن تنتقل أفقيا ورأسيا. على الرغم من صحة ذلك، يمكن القول إن هذا لا يجعل التطور الثقافي مختلفا جوهريا عن نظيره البيولوجي. على الرغم من أن الانتقال الأفقي للجينات لا يحدث في البشر، إلا أنه ليس مستحيلا بيولوجيا، بل إنه شائع جدا في البكتيريا. هناك فارق أكبر وهو أن المتغيرات الثقافية الجديدة لا تنشأ عادة عن طريق الصدفة، كما تفعل المتغيرات الجينية الجديدة، بل هي اختراعات بشرية متعمدة. على سبيل المثال، من الأرجح استبعاد أن يكون تحسين معين أدخل على تصميم القارب الطويل ناتجا عن حدث عشوائي، بل هو صادر عن صانع قوارب ذكي من شعب الفايكنج أدرك أن التصميم الحالي يمكن تحسينه. الاختلاف الأخير في هذا الشأن هو أن الوراثة الثقافية «لاماركية»، بمعنى أن التعديلات التي تجرى على صفة ثقافية معينة أثناء حياة الفرد يمكن أن تنتقل لذريته. على النقيض من ذلك، فإن الوراثة البيولوجية ليست لاماركية في العادة، إذ لا تنتقل التغييرات التي تتسبب بها البيئة للكائن الحي عموما إلى ذريته.
هذان الاختلافان الأخيران مهمان، لكن لا ينبغي إعطاؤهما أكبر من حجمهما. حقيقة أن تباينا ثقافيا جديدا نشأ بشكل متعمد، ولم يظهر بشكل عشوائي، تتوافق تماما مع «انتشاره» بعد ذلك بنمط دارويني، أي إن انتشاره يرجع إلى الميزة التكيفية التي يمنحها ذلك التباين لمستخدميه. وبالمثل، فإن حقيقة أن الوراثة الثقافية لاماركية تتوافق مع التعامل مع انتشار الثقافة باعتباره عملية داروينية. من ناحية، كان داروين نفسه يؤمن بانتقال السمات المكتسبة بالوراثة؛ وكان الداروينيون الجدد هم من رفضوا الوراثة اللاماركية. علاوة على ذلك، أظهرت اكتشافات حديثة في مجال علم الوراثة فوق الجينية أنه في حالات معينة، تكون الوراثة البيولوجية في حد ذاتها لاماركية، إذ يمكن أن تنتقل التغيرات المكتسبة الموجودة في «علامات الوراثة فوق الجينية»، ولكنها غير موجودة في تسلسل الحمض النووي إلى الجيل التالي. لهذا السبب أيضا، لا ينبغي أن نستبعد فكرة أن التطور الثقافي هو عملية داروينية حقيقية.
أخيرا، هناك علاقة مثيرة للاهتمام بين التطور الثقافي ومسألة مستويات الانتخاب التي نوقشت في الفصل الخامس. لقد رأينا أنه بينما تتطور معظم الصفات البيولوجية بسبب الميزة التي تمنحها الكائن الحي، فإن هذا لا يحدث في جميع الحالات. بل هناك احتمال آخر وهو أن الصفة تتطور لأنها مفيدة للجماعة، أي نتيجة للانتخاب على مستوى الجماعة. ينطبق ذلك أيضا على الصفات الثقافية. من المفترض أن يعود أسلوب زراعة محسن ينتشر بين المجموعة بالفائدة على كل مزارع يستخدمه. لكن بعض الممارسات الثقافية الأخرى قد تتطور عن طريق الانتخاب الجماعي. على سبيل المثال، لدى العديد من المجتمعات التقليدية أنظمة معقدة من القواعد الاجتماعية التي تنظم سلوك أفرادها. تلك القواعد يفرضها أفراد يعاقبون أي فرد ينتهكها. معاقبة المخالف للقواعد عمل إيثاري، لأنه مكلف على المستوى الفردي ولكنه مفيد للمجموعة. ومن ثم، فإنه من المرجح أن تكون الأعراف الاجتماعية قد تطورت عن طريق انتخاب جماعي ثقافي.
نامعلوم صفحہ