فلسفہ علم الحیات: ایک بہت مختصر تعارف
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
الميزة الرئيسية لنظرية الدور السببي هي أنها تفسر النقطة التي أثارت إشكالا بالنسبة للنظرية السببية، وهي أن إسنادات الوظيفة غالبا ما تتم في سياق دراسة آلية عمل نظام حيوي في الوقت الحاضر، لا في سياق دراسة التاريخ التطوري. إن نظرية الدور السببي هي المسئولة عن حقيقة أن علماء الأحياء ما قبل داروين كانوا يعلمون الكثير عن الوظائف، وأن علماء الأحياء المعاصرين يسندون الوظائف في سياقات غير تطورية. وحتى لو خرج إلى الوجود فجأة كائن حي مكتمل البارحة، فهذا لن يحدث فارقا في صحة عبارة تقرير وظيفة أحد صفاته، إذا اعتبرنا الوظيفة دورا سببيا. لكن بالنسبة إلى النظرية السببية ستكون العبارة خاطئة بالضرورة، إذ ليس لذلك الكائن التاريخ التطوري اللازم لإكساب صفاته وظائفها.
رغم ذلك تتفق النظرية السببية ونظرية الدور السببي من الناحية العملية على كيفية تعيين الوظائف، ولهذا غالبا لا يلاحظ الفرق بينهما. لنعد إلى مثال القلب في الثدييات. سبب محاباة الانتخاب الطبيعي للقلب هو أنه يضخ الدم في جميع أنحاء الجسم؛ وصحيح أيضا أن ضخ الدم هو مساهمة القلب في عمل الجهاز القلبي الوعائي، وإلى ذلك تعزى آلية عمل القلب في الحاضر. بالمثل، السبب الذي دفع الانتخاب الطبيعي إلى تطوير شوك الصبار هو أنه يردع آكلات العشب، كذلك ردع آكلات العشب هو الدور السببي الذي يلعبه الشوك اليوم في النظام الدفاعي للصبار. إذن في هاتين الحالتين يتطابق التأثير المنتخب والدور السببي. ولكن هذا لا يحدث بالضرورة في جميع الحالات، وحتى إن حدث، تظل النظريتان مختلفتين حول أسباب «صحة» إسناد وظيفة معينة إلى صفة ما.
أحد الانتقادات لنظرية السببية يقول بأن النظرية في جوهرها تستلزم وجود مصدر للتصميم، وهو إما أن يكون نابعا من مقاصد مصمم أو من الانتخاب الطبيعي. لفهم هذا النقد، لاحظ أننا عندما شرحنا فكرة الدور السببي آنفا، تكلمنا عن «آلية تشغيل» نظام بيولوجي أو كيفية «عمله». لكن أليست تلك طريقة غير مباشرة للحديث عما يفترض أن يفعله النظام؟ عندما نحدد الدور السببي للغدد العرقية في نظام التنظيم الحراري، فنحن نفترض ضمنيا أن النظام يهدف إلى تحقيق هدف معين، ألا وهو الحفاظ على ثبات درجة حرارة الجسم. لكن بحسب هذا الانتقاد، هذا الافتراض غير مبرر إلا إذا كان النظام قد صمم بشكل واع لأجل هذا الهدف، أو كان الانتخاب الطبيعي قد طوره بغرض تحقيقه. باختصار، لا يمكننا الربط بين وظيفة عنصر ما ودوره السببي في نظام أكبر إلا إذا كان هذا النظام هو نتيجة لتصميم واع أو ما ينوب عنه، وهو الانتخاب الطبيعي. إذن في النهاية، تعتمد صحة الإسنادات الوظيفية الصحيحة في علم الأحياء على الانتخاب الطبيعي؛ من ثم فالنظرية السببية هي الرابحة.
هذا وجه انتقاد قوي لنظرية الدور السببي، لكنه ليس حاسما بالكلية. إذ ترى وجهة نظر بديلة أنه ينبغي لنا ببساطة أن نقر مفهومي الوظيفة كليهما، أو نكون «تعدديين» باصطلاح الفلاسفة. من المنظور التعددي، التأثير المنتخب والدور السببي مفهومان صحيحان للوظيفة البيولوجية، لكن كلا منهما مصمم لنوع مختلف من البحث. الأول له أهمية في السياقات التطورية التي تحاول الإجابة عن الأسئلة المطلقة المتعلقة بأسباب تطور السمات؛ والثاني له أهمية عندما نحاول الإجابة عن الأسئلة المباشرة المتعلقة بكيفية عمل الكائنات الحية. باعتبار أن هذين النوعين من الاستقصاء مختلفان جوهريا، يجادل التعدديون بأنه من الخطأ محاولة دمج مفهومي الوظيفة أو محاولة الاختيار بينهما؛ بل ينبغي أن نقبل الاثنين وأن نأمل أن يرشدنا السياق إلى الاختيار من بينهما. على الرغم من جاذبيتها، فإن وجهة النظر التعددية تثير العديد من الأسئلة المربكة، مثل لماذا نقبل استخدام كلمة واحدة لوصف مفهومين مختلفين تماما.
على الرغم من أن الجدال حول مسألة الوظيفة يدور في الأساس بين الفلاسفة، فإنه ذو صلة بالممارسة العملية لعلم الأحياء. أحد الأمثلة التي تشرح هذا مصدره الجدل الأخير في علم الأحياء حول «خردة الحمض النووي». تذكر أن الحمض النووي هو الجزيء الكبير الذي تتكون منه الجينات. ولكن في معظم الأنواع، بما فيها البشر، تشكل الجينات نسبة ضئيلة فقط من إجمالي محتوى الحمض النووي في الخلية. على مدى عقود كان العلماء مجمعين على أن الجزء الأكبر من الحمض النووي في الجينوم البشري لا وظيفة له. لكن في عام 2012 طعن باحثون من مشروع «إنكود» ليدحضوا هذا الإجماع. بناء على كمية ضخمة من البيانات التجريبية، ذهب الباحثون إلى أن معظم ما يطلق عليه خردة الحمض النووي له وظيفة كيميائية حيوية؛ إذ يلعب دورا حاسما في سلوك الخلايا والأنسجة. ولكن عالم الأحياء الكندي المرموق دبليو. فورد دوليتل شكك في هذا التفسير للبيانات. إذ جادل بأن باحثي مشروع «إنكود» يستخدمون ضمنيا معيارا متحررا للوظيفة، ألا وهو وجود أي تأثير كيميائي حيوي، وهذا من شأنه أن يخلط بين الوظيفة والأثر الجانبي. يذهب دوليتل إلى أنه إذا عرفنا الوظيفة بالأثر المحدد، كما يقترح، فسيظل من الممكن المحاججة لصالح تفسير «الخردة» التقليدي. أيا كان من يتبين أنه على حق، فإن هذا المثال يوضح كيف يمكن أن يكون لجدال علمي بعد فلسفي خفي.
الوظائف والبرنامج التكيفي
بافتراض أننا نقبل تفسير النظرية السببية لمعنى عبارات إسناد الوظيفة في علم الأحياء. هناك سؤال أبعد؛ ألا وهو كيف يمكننا التأكد من صحة تلك العبارات. باعتبار أن معرفتنا بالتاريخ التطوري غير كاملة، كيف يمكننا أن نعرف يقينا وظيفة السمة، أو أن لها وظيفة من الأساس؟ الإجابة الموجزة هي أنه لا يسعنا التيقن، لكن يمكننا في الغالب أن نصل إلى ما يشبه اليقين العملي. إذ في كثير من الأحيان، تكون البيئة التي تطور فيها نوع ما مماثلة لتلك التي يسكنها هذا النوع في الوقت الحاضر؛ لذا إذا كانت السمة لها أهمية تكيفية واضحة في بيئتها الحاضرة، فغالبا ما يكون من السهل إلى حد كبير تحديد سبب تطورها في الأساس، لا سيما إذا استطعنا إجراء مقارنات ذات صلة بين الأنواع. على سبيل المثال، يوفر فراء الدب القطبي الأبيض فائدة واضحة له أثناء الصيد في القطب الشمالي اليوم؛ ونحن نعلم أن الدببة القطبية تطورت حديثا من الدببة البنية التي تفوقها في الانتشار الجغرافي بكثير. إذن لا يوجد شك فعلي في أن التمويه هو السبب الذي دفع الانتخاب الطبيعي لأن يطور للدب القطبي فروه الأبيض. ليس هذا مثالا فريدا؛ مع ذلك يجب الإقرار بأنه في حالات يكون تمييز الوظائف، بمعنى التأثيرات المنتخبة، أكثر صعوبة.
إن مسألة كيفية تحديدنا بمصداقية وظائف الصفات كانت محل جدل كبير في علم الأحياء التطوري في القرن العشرين. في ورقة علمية شهيرة نشرت عام 1979، شن عالما الأحياء ستيفن جاي جولد وريتشارد لونتين هجوما على ما أطلقوا عليه البرنامج التكيفي في علم الأحياء. يشتمل هذا البرنامج على دراسة الكائنات الحية باعتبار أنها وصلت إلى درجة عالية من التكيف في المجمل، وأن سماتها لها وظائف قابلة للتحديد. عادة يعد المنطق التكيفي ناجحا، إذ إن العديد من الكائنات الحية قد وصلت بالفعل إلى درجة عالية من التكيف مع بيئتها بفضل الانتخاب الطبيعي. لم ينكر جولد ولونتين هذا، لكنهم اتهموا مناصري التكيفية بالخروج عن المنهج العلمي. إذ جادلا بأن التكيفيين يفترضون دون أي دليل أن لكل صفة وظيفة، وأنهم ببساطة يؤلفون قصصا عن ماهية هذه الوظائف المزعومة بدون أدلة كافية. (وأطلقوا عليها «قصص صادقة»، على اسم كتاب قصص رديارد كيبلينج للأطفال.) يرى جولد ولونتين إذن أن التكيفيين ارتكبوا نوعا من الانحياز المعرفي؛ ألا وهو تحفزهم لإيجاد وظيفة لأي شيء يبحثونه متجاهلين احتمال وجود صفات قد لا يكون لها أي تفسير وظيفي أو تكيفي على الإطلاق.
اقترح جولد ولونتين عدة أسباب لعدم وجود وظيفة لصفة ما في الكائن الحي، ومن ثم الأسباب التي قد تجعل المنطق التكيفي مضللا. وبنيا أول تلك الأسباب على تشبيه معماري لا ينسى. يشير مصطلح «عروة العقد» إلى المساحة المثلثية التي تتوسط أحد جانبي قوس منحن وإطار مستطيل أو قبة (شكل
3-1 ). في كاتدرائية سانت مارك في البندقية، زينت عروة العقد بلوحات أنيقة لتلاميذ المسيح الاثني عشر. لكن الاعتقاد بأن عروة العقد لها «غرض» سيكون اعتقادا خاطئا حتما؛ إذ لم يصنعها المهندس المعماري بغرض تزيينها. إنما عروة العقد ما هي إلا منتج ثانوي حتمي لبناء سقف مقبب. بالمثل، ذهب جولد ولونتين إلى أن العديد من صفات الكائنات الحية قد تكون منتجات ثانوية ليس لها وظيفة في حد ذاتها. أحد الأمثلة المحتملة لذلك هي الذقن البشرية. نظرا لأن القردة العليا لم يكن لها ذقون، فنحن نعلم أن الذقن تطور في وقت ما في سلالة أشباه البشر. لكن لماذا؟ على الرغم من أنه تم اقتراح ميزات تكيفية للذقن، مثل المساعدة في تخويف الأعداء في الشجارات، يعتقد الكثير من علماء الأحياء أن الذقن ليس إلا منتجا ثانويا للكيفية التي تنمو بها الجمجمة وعظام الفك في البشر. لو صح ذلك، فالذقن إذن بمثابة عروة عقد، ومن ثم لا يمكن إسناد تفسير وظيفي له. بالمثل، يرى البعض أن بعض جوانب العقل البشري كالوعي، هي بمثابة عروة عقد نشأت باعتبارها نتيجة ثانوية لزيادة حجم المخ.
نامعلوم صفحہ