مباحث فی فلسفہ اخلاق
مباحث في فلسفة الأخلاق
اصناف
وكأننا بهؤلاء الفلاسفة ومن لف لفهم يذهبون إلى أن الوراثة ضربة لازب، وأن المرء ينشأ على ما أمدته به الوراثة من صفات الآباء والأجداد، فهي إما أن تسمو به للخير والفضيلة وإما أن تنحدر به نحو مهاوي الرذيلة. على أن من الحق علينا أن نقول بأن هذا الرأي الذي يقرر عدم غناء دراسة الأخلاق مهما كان أساسه وسنده متطرف غاية التطرف، فهو يهدر جميع التعاليم الأدبية، ولا يجعل قيمة للمواعظ والنصائح الأخلاقية!
حقيقة إن المرء محكوم إلى حد ما بعامل الوراثة، ولكن لا يمكن أن ينكر باحث ما للبيئة بمعناها الأعم، ومنها ما يدرسه من مختلف العلوم والفنون، من أثر قوي في تكييف عاداته وأخلاقه وتوجيهه وجهة خاصة في الحياة. وسيجيء لهذا زيادة بسط عند الكلام على الخلق وتكونه والمؤثرات فيه.
وكيف لا تكون لدراسة الأخلاق قيمة والله تعالى يقول:
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ؟! وهذا الإمام الغزالي يقول في هذا الصدد أيضا: «لو كانت الأخلاق لا تقبل التغير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : حسنوا أخلاقكم. وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير طباع البهيمة ممكن؛ إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد؟!»
4
وكذلك يقول حكيم آخر من حكماء الإسلام: «إنه بالدراسة الأخلاقية تقوى الإرادة على الخير وسلوك السنن القويم، وتنشط العزيمة للمضي في سبيل الفضيلة واتخاذها نبراسا في أعمالها.»
نخلص من هذا إلى أن دراسة الأخلاق وسيلة ناجحة من وسائل التربية والتهذيب؛ لأن البحث في الفضائل وتبين حسن عاقبتها وتعرف الرذائل وسوء مغبتها، وكذلك دراسة كثيرين ممن كانوا في حياتهم العملية مثلا سامية للفضائل، كل ذلك يستهوي الدارس ويغريه بالتحلي بالفضيلة والتخلي عن الرذيلة، وبأن ينشئ نفسه على غرار هؤلاء الفضلاء، ولا ينكر أحد ما لقوة الإغراء والاستهواء من أثر كبير.
هذه هي إحدى غايات الدراسة الأخلاقية. وهناك غاية أخرى لتلك الدراسة، وهي أنها تكسب الدارس الدقة في تقدير الأعمال الأخلاقية والإصابة في الحكم عليها بعد أن وقف على معاني الخير والشر وما إليها، وعرف المقاييس التي تقاس بها الأعمال المختلفة، وفي ذلك أيضا يقول الحكيم السالف الذكر: إن دراسة الأخلاق تكسب صاحبها القدرة على تمحيص الأعمال ونقدها وتقديرها حق قدرها، دون أن يخضع في حكمه إلى إلف أو عادة، أو يتأثر بحكم الزمان والمكان.
وما أبعد الفرق في بحث هذه الأعمال لبيان خيرها وشرها، بين رجل يعتمد في حكمه على تلك الدراسة الدقيقة، وآخر سنده الإلف والعرف فقط! لقد يصيب هذا ولكن صوابه يكون رمية من غير رام، وقد يخطئ ذاك وخاصة في الجزئيات التي تحتاج لتطبيق دقيق غير أنه يكون نادرا.
نامعلوم صفحہ