Liber ، التي تشير إلى وضع اجتماعي يفيد منزلة رفيعة وسجايا كريمة، وأساسه الانعتاق من العبودية، وأيضا من الأسر والسجن والجزية، كما تشير الصفة حر
liber
أيضا إلى غياب القهر والقسر والإرغام والإجبار والإكراه، في الفعل أو في الاختيار أو القرار ... إلخ، وسائر معوقات الحرية. الليبرالية إذن هي مذهب الحرية اسما ومضمونا. •••
على أن الحرية في واقع الأمر لم تكن هي الدافع أو المشكلة الملحة. المشكلة الحقيقية التي تستنفر الجميع لحلها، والتي هي أساس كل تنازع أو اختلاف حول يمين ويسار ووسط، هي مشكلة الملكية؛ أي حق الفرد في التملك أو الامتلاك، وليس المقصود طبعا امتلاك المقتنيات الشخصية والسلع الاستهلاكية كالملابس والأثاث وما إليه، بل المقصود ملكية وسائل الإنتاج كالمزارع والمراعي والمصانع والشركات والمتاجر الكبرى والمصارف.
اليمين، أي النظام الرأسمالي، هو الذي يترك ملكيتها للأفراد، وبطبيعة الحال الذي يقضي بكثرة عدد الأفراد وقلة عدد موارد الإنتاج، لن يتملك كل شخص، بل فقط قلة أو طبقة معينة هي طبقة الملاك أو البرجوازيين أو الرأسماليين. أما اليسار، أي النظام الاشتراكي، فهو الذي يرفض هذا، ويصر على أن تبقى سائر موارد الإنتاج ملكا لكل شخص وللا شخص، أي ملكية عامة للدولة أو للجماعة. وبين هذا وذاك نجد الوسط وهو النظام المطبق في معظم دول العالم يجعل بعضا من موارد الإنتاج - خصوصا الأساسية والحيوية والاستراتيجية - ملكا للدولة، ويترك بعضها الآخر ملكا للأفراد في تنافسهم الحر، ويكون تأرجح الوسط تجاه اليمين أو تجاه اليسار تبعا لحجم الموارد المتروكة للأفراد وتلك التي تسيطر عليها الدولة، وأيضا مدى وحدود هذه السيطرة.
لقد قامت الليبرالية أساسا لكي تؤكد حق الفرد في الملكية، وأنها - أي الملكية - غريزة فطرية قد تعلو على كل الغرائز الأخرى؛ لذلك وأدها مستحيل أو على الأقل خطر محقق على الحياة الإنسانية السوية، وقصارى ما يمكن هو تحديدها بحدود وربطها بواجبات والتزامات، كالضرائب والجمارك وحقوق الطبقة العاملة التي لا تملك، وقال الليبراليون في هذا الصدد قولة عجيبة مفادها أن الشخص قد يتسامح في مقتل أبيه ولكنه لا يتسامح في الاستيلاء على ممتلكاته.
في مقابل هذا نجد الماركسية قد سميت الشيوعية
Communism ، أي أقصى صور اليسار أو الاشتراكية؛ لأنها تقوم من أجل إلغاء الملكية الفردية - أي الملكية الخاصة - وإشاعة الملكية بين الجميع عن طريق تحقيق الملكية العامة لوسائل الإنتاج؛ هذه الملكية العامة في رأي الماركسية، وفي الفكر الاشتراكي عموما بمتغيراته الجمة ومذاهبه العديدة، هي المفتاح الذهبي لحل كل المشاكل والخلاص من كافة البلايا والنوائب والتصدعات التي تشوب البنيان الاقتصادي والسياسي، ومن ثم الاجتماعي.
هكذا نجد أن الملكية هي مربط الفرس والمشكلة الأم التي تشغل الجميع ، وباسمها تفرقوا إلى يمين ويسار متصارعين، وهي في الواقع أساس التنظيم الطبقي والاجتماعي عموما، وهي التي ربطت الاقتصاد والسياسة برباط عضوي؛ فالاقتصاد هو علم تنظيم الثروة في المجتمع، والسياسة هي علم تنظيم القوة في المجتمع، والثروة (= الملكيات) هي الوجه الآخر للقوة، حتى إن كلمة سلطة في الإنجليزية
authority ، وبسائر بدائلها في اللغات الهندوأوروبية، مشتقة من الكلمة اللاتينية
نامعلوم صفحہ