واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا * وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا .
10
وليس معنى إباحة الضرب إيجابه في كل حالة ومع كل امرأة؛ فقد كان النبي عليه السلام - وهو أول المؤتمرين بأوامر القرآن - يكره الضرب ويعيبه ويقول في حديثه المأثور: «أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد؟ يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره؟!» فلم يضرب زوجة قط، بل لم يضرب أمة من الصغار ولا من الكبار، وأغضبته جارية صغيرة مرة فكان غاية ما أدبها به أن هز في وجهها سواكا، وقال لها: «لولا أخاف الله لأوجعتك بهذا السواك.»
وإنما يباح الضرب؛ لأن بعض النساء يتأدبن به ولا يتأدبن بغيره، ومن اعترض على إجازته من المتحذلقين بين أبناء العصر الحديث فإنما يجري اعتراضه مجرى التهويش في المناورات السياسية، ولا يجري مجرى المناقشة في مسائل الحياة وأخلاق الناس؛ لأن الاعتراض على إباحة الضرب بين العقوبات لا يصح إلا على اعتبار واحد؛ وهو أن الله لم يخلق نساء قط يؤدبن بالضرب ولا يجدي معهن في بعض الحالات غيره، ومن قال ذلك فهو ينسى أن الضرب عقوبة معترف بها في الجيوش والمدارس، وبين الجنود والتلاميذ، وهم أحق أن ترعى معهم دواعي الكرامة والنخوة إذا جاء الاعتراض من جانب الكرامة والنخوة، وأن رؤساءهم ليملكون من العقوبات المادية والأدبية، ومن وسائل الحرمان والمكافأة ما ليس يملكه الأزواج في نطاق البيوت المحدودة.
وقد يهزأ النساء أنفسهن بهذه الحذلقة التي تخلط بين مظاهر السهرات في الأندية وبين وقائع العيش ومشكلات البيوت في ناحية من نواحي الضنك والضرورة؛ فإن النساء ليعلمن أن عقوبة الضرب عند المرأة العصية الناشز ليست من الهول والغرابة بهذه الصورة المزعومة في بيئات الأندية والسهرات، فربما كان من أنيقات الأندية والسهرات أنفسهن من يعرفن عن هذه الحقيقة ما يجهله المتحذلقون والمتزوقون في مجامع اللهو والبطالة بزواق الفروسية و«اللطافة» المستعارة ... فيعلمن ويعلم الكثيرون - كما قلنا في كتابنا عبقرية محمد - «أن هؤلاء النساء - الناشزات - لا يكرهنه ولا يسترزلنه، وليس من الضروري أن يكن من أولئك العصبيات المريضات اللاتي يشتهين الضرب كما يشتهي بعض المرضى ألوان العذاب!» •••
وقد بينا في ذلك الكتاب أيضا حقيقة الغرض من عقوبة الهجر في المضاجع؛ لأنها تبدو للكثيرين كأنها عقوبة جسدية، غاية ما يؤلم منها أنها تحرمها لذة الجسد بضعة أيام أو بضعة أسابيع ... إلا أنها في الحقيقة لا تؤلمها لهذا السبب، ولو كان هذا سبب إيلامها لكانت عقوبة للرجل كما كانت عقوبة للمرأة، ولكنها في الواقع عقوبة نفسية في الصميم؛ لأن أبلغ العقوبات - كما قلنا في عبقرية محمد - «هي العقوبة التي تمس الإنسان في غروره، وتشككه في صميم كيانه؛ في المزية التي يعتز بها ويحسبها مناط وجوده وتكوينه، والمرأة تعلم أنها ضعيفة إلى جانب الرجل، ولكنها لا تأسى لذلك ما علمت أنها فاتنة له، وأنها غالبته بفتنتها وقادرة على تعويض ضعفها بما تبعثه فيه من شوق إليها ورغبة فيها، فليكن له ما شاء من قوة فلها هي ما تشاء من سحر وفتنة، وعزاؤها الأكبر عن ضعفها أن فتنتها لا تقاوم، وحسبها أنها لا تقاوم بديلا من القوة والضلاعة في الأجساد والعقول، فإذا قاربت الرجل مضاجعة وهي في أشد حالاتها إغراء بالفتنة، ثم لم يبالها ولم يؤخذ بسحرها، فما الذي يقع في وقرها وهي تهجس بما تهجس به في صدرها؟ أفوات سرور؟ أحنين إلى السؤال والمعاتبة؟ كلا بل يقع في وقرها أن تشك في صميم أنوثتها، وأن ترى الرجل في أقدر حالاته جديرا بهيبتها وإذعانها، وأن تشعر بالضعف ثم لا تتعزى بالفتنة ولا بغلبة الرغبة، فهو مالك أمره إلى جانبها وهي إلى جانبه لا تملك شيئا إلا أن تثوب إلى التسليم، وتفر من هوان سحرها في نظرها قبل فرارها من هوان سحرها في نظر مضاجعها ... فهذا تأديب نفسي وليس بتأديب جسد، بل هذا هو الصراع الذي تتجرد فيه الأنثى من كل سلاح؛ لأنها جربت أمضى سلاح في يدها فارتدت بعده إلى الهزيمة التي لا تكابر نفسها فيها، فإنها تكابر ضعفها حين تلوذ بفتنتها، فإذا لاذت بها فخذلتها فلن يبقى لها ما تلوذ به بعد ذلك، وهنا حكمة العقوبة البالغة التي لا تقاس بفوات متعة ولا باغتنام فرصة للحديث والمعاتبة، وإنما العقوبة إبطال العصيان، ولن يبطل العصيان بشيء كما يبطل بإحساس العاصي غاية ضعفه وغاية قوة من يعصيه ...»
وجملة القول أن هذه الوسائل تستنفد كل حيلة في الوسع للإبقاء على صلة الزواج واتقاء الفرقة بين الزوجين، فعلى الرجل أن يغالب كراهته للمرأة إذا تحول قلبه عنها عسى أن يكره شيئا ويجعل الله الخير فيه، وعليه أن يجرب النصيحة والهجر والتأديب بالضرب والتحكيم بين الأسرتين؛ فإن أفلحت هذه الوسائل بقيت الصلة ودامت المودة والألفة، وإلا فالطلاق حل لا مناص منه في النهاية بعد استنفاد جميع الحلول.
وقد عالجت أمم كثيرة من أمم الحضارة أن تستغني عن الطلاق وتحرمه في جميع الأحوال أو في معظم الأحوال، فأظهرت التجارب المتوالية أن الخطر على الزواج من تحريمه أفدح وأعضل من كل خطر يأتي من إباحته والاعتراف بلزومه في كثير من الحالات.
والقرآن يخول المرأة أن تطلب الطلاق إذا كرهت البقاء في عصمة زوجها
وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا .
نامعلوم صفحہ