انگریزی فلسفہ میں سو سال (پہلا حصہ)

فؤاد زكريا d. 1431 AH
98

انگریزی فلسفہ میں سو سال (پہلا حصہ)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

اصناف

ولقد كان مؤسس الحركة الوضعية في إنجلترا، والقوة الدافعة لها، هو ريتشارد كونجريف

Richard Gongreve (1818-1899)، ففي أثناء عمله زميلا في كلية وادم

Wadham

بأكسفورد، سافر إلى باريس عام 1849، وتعرف إلى كونت شخصيا، ثم زاره مرة ثانية عام 1854. ولقد بلغ من تأثر كونجريف بهذا التعارف أنه قرر التخلي عن عمله في التدريس في أكسفورد؛ لكي يكرس حياته بأسرها «لعقيدة الإنسانية» التي قال بها كونت، وفي عام 1855 نزح إلى لندن، وافتتح بهذه الخطوة الهامة الحركة الجديدة، وفي سنة 1858 نشر ترجمة لكتاب: «شعائر العقيدة الوضعية

Catéchism Positiviste »، وهو العمل الذي حول فيه كونت تعاليمه الفلسفية إلى عقيدة وضعية، وكان كونجريف قد جمع من حوله في بداية عام 1850 - وهو لا يزال زميلا ومدرسا بكلية وادم - مجموعة من الشبان الموهوبين في هذه الكلية، وأذاع بينهم روح فلسفة كونت. وشملت جماعة وادم هذه فردريك هاريسون، وجون هنري بريدجز، وإدورد سبنسر بيسلي، وأصبحت هذه الجماعة، ومعها معلمها كونجريف، نواة الحركة التالية. وبعد أن ترك الشبان الجامعة تشعبت طرقهم وقتا ما في البداية، ولكنهم وجدوا أنفسهم بعد عدة سنوات منهمكين سويا في الدفاع عن قضية واحدة.

ولقد كان فريدريك هاريسون

Frederic Harrison (1831-1923) من أروع شخصيات العصر الفكتوري، فقد كان شخصا له اهتمامات وقدرات متعددة إلى حد غريب، وكان خبيرا في ميادين عديدة، ترتبط على أنحاء شتى متفرقة بحياة عصره الأدبية والاجتماعية والسياسية، وكانت له علاقات شخصية بجميع العقول الكبيرة في عصره تقريبا، وقد عمل في كل هذه المجالات على الإقلال من الخلافات وتخفيف حدة كل ما هو مفرط في الشدة أو التدقيق. وكان له ذهن صاف، تمرس في النقد، لماحا يلتقط الأفكار الجديدة بسرعة. كما كانت له مقدرة غريبة على التعبير الأدبي، تمكن بفضلها من المساهمة فورا في كل المسائل الهامة في عصره، بحيث كان إدلاؤه بحكمه الصائب وخوضه المعمعة بشخصيته المتينة الصادقة، كلما عرضت مسألة لها خطرها؛ كفيلا بإحداث تأثير كبير في المشكلة موضوع الخلاف. أما إنتاجه التأليفي فلا يكاد يكون له حدود، وهو يشمل موضوعات واسعة النطاق إلى حد هائل. وكان كل نوع من التعلم والتفقه المتخصص غريبا عنه، بحيث كان إنتاجه الأدبي والعلمي كله برجماتيا بأدق معاني الكلمة؛ إذ إنه ظل دائما متفتح الذهن للمشاكل والمسائل موضوع البحث بكل ما فيها من ثراء وامتلاء. وكان هدفه دائما هو العمل على نصرة القضية الجديرة بالانتصار، وتقويم ما هو معوج، وإيضاح ما هو غامض، وتخفيف حدة الخلافات، فهو الكاتب «العالمي» بالمعنى الصحيح، والمثقف الأصيل (

Homme de Letters ) بالمعنى الذي حدده فولتير لهذه الكلمة. والحق أن تركيب ذهنه يبدو مشابها لتركيب ذهن فولتير في نواح عدة، ولكن على مقياس أصغر بطبيعة الحال، وعلى مستوى أقل، وإن يكن يكشف في هذا المستوى المنخفض عن شمول في ثقافته يشبه شمول الثقافة عند فولتير، وبراعة في التعبير اللفظي، واتساع نطاق نشاطه الفعال وشدته. وربما كانت الناحية الوحيدة التي أظهر فيها هذا الرجل، رغم مواهبه الرفيعة التي كانت تؤهله للزعامة العقلية، نوعا من ضيق الأفق، هي إيمانه المتحمس بمذهب كونت الذي أصبح بالنسبة إليه معيارا ومرشدا في الفكر والسلوك معا. ولكن حتى في هذه الناحية ينبغي التمييز بينه وبين بقية الوضعيين؛ إذ إن ذهنه كان من الامتلاء والاتساع بحيث رفض أن يقبل قضايا كونت على أنها تركيب عقيدي جامد متحجر، بل نظر إليها على أنها أداة قياس واختبار، فيها حركة وحياة. وهكذا فإنه أقل تلاميذ كونت من الإنجليز تعصبا، وهو الوحيد الذي تمكن، من بينهم، من جعل مذهب كونت يشع حياة كاملة الامتلاء دون تعصب أو تحديد، ولم يبتعد حكمه عن السداد أحيانا إلا في المسائل السياسية، نتيجة لشدة تعلقه بأستاذه الفرنسي وإعجابه بكل ما هو فرنسي، بحيث أدى به ذلك إلى إجحاف مصالح شعوب أخرى. وكما أنه دأب على رفع صوته محذرا من سياسة القوة والتوسع الاستعماري التي اتبعها الإنجليز، فكذلك احتج على انتهاك بروسيا الواضح لحرمة فرنسا في حرب 1870-1871 مطالبا كما فعل غيره من الوضعيين، بتدخل إنجلترا إيجابيا لصالح فرنسا، وكذلك رأى، بالنسبة إلى الحرب العالمية الأولى، أن قضية الحق والإنسانية كلها ممثلة في جانب الحلفاء، ووافق على القضاء على الشعب الألماني واستعباده، مع أن هذا الشعب كان يحارب من أجل بقائه بشجاعة فائقة، وبالقدر الذي يحتمه جشع الفرنسيين وكراهيتهم العمياء.

أما جون هنري بريدجز

John H. Bridges (1832-1906)، الذي ظهرت حماسته لتفكير كونت منذ كان طالبا في «وادم» تحت تأثير كونجريف الطاغي، فقد درس الطب بعد ذلك في لندن، ثم هاجر إلى أستراليا، حيث مارس مهنة الطب زمنا، وواصل ممارسة هذه المهنة أيضا بعد عودته إلى بلاده. ورغم ما كان يبذله من مجهود مخلص دائب في ميدان الصحة العامة، فقد كانت مؤلفاته تمتد على نطاق عظيم الاتساع، فشملت موضوعات تاريخية وفلسفية وأدبية، (مثال ذلك أنه كرس سنوات عدة لنشر كتاب روجر بيكن «المؤلف الأعظم

نامعلوم صفحہ