23
وبناء عليه تقترح سيلا بن حبيب مواطنة كونية أو مواطنة ما بعد الدولة-الأمة، وما يقتضيه ذلك من ضرورة إعادة بناء أسس هذه المواطنة على نحو جذري. إلا أن الأمر لا يتعلق ب «محو الحدود السيادية للدول وإنما طرق جديدة لتدبيرها»، أي «فتح العلبة السوداء للسيادة الوطنية».
24
ولنا في تحليلها لطبيعة الدولة الإسرائيلية مثال على ذلك، حيث تؤكد أن إسرائيل لا تزال حبيسة التصور الويستفالي القديم، وتسعى إلى تدبير صراعها مع الفلسطينيين وفقه، وهو ما يجعلها مهتجسة دوما بالهاجس الأمني، الذي لا تستطيع الخروج عنه. وهو ما يبرر ممارستها للحرب. (2-3) تجديد الكوسموبوليتية الكانطية
انطلقت الرؤية الكوسموبوليتية لسيلا بن حبيب من مشروع السلام الدائم لكانط كنقطة بداية
25
وأساسا من الحق الكوني في الاستشفاء، فلكل شخص الحق في الذهاب إلى حيثما شاء دون أن يخشى التعرض للمرض. أخذت سيلا هذه النقطة كمنطلق لمشروعها الفكري حول الهجرة واللاجئين. وذهبت بعيدا أكثر من كانط حيث لا ترى أن الاستشفاء حق للمهاجرين فقط أي العابرين أو المؤقتين وإنما حتى للمقيمين طويلا (حالة المنفيين/ اللاجئين السياسيين). لذلك ترى أن جوهر الجدل العالمي-الكوسموبوليتي في يومنا هذا يعتمد على المشاركة الديمقراطية. وتمييز كانط بين حق الضيف وحق الزائر لم يعد في يومنا هذا مقبولا؛ فالضيف يعتبر دائما مواطنا محتملا. ويجب أن تكون هناك مؤسسات في المجتمع تمكن «الغريب الأجنبي»، أي «الآخر»، من أن يصبح عضوا من أعضاء المجتمع. وهنا لا يتعلق الأمر بعالم من دون حدود، وكذلك لا يتعلق بأنه لا يجوز أن تكون هناك شروط وقوانين على الإطلاق. ولكن يجب أن تتم صياغة مثل هذه الشروط والقوانين بصيغة تتوافق مع حقوق الإنسان وتراعي الديمقراطية بقدر الإمكان.
وإذا كان كانط ينظر للكوسموبوليتية كما يعيشها في عصر التنوير، فإن سيلا بن حبيب تنظر لها في سياق مختلف تماما، بحيث ترتبط هذه المسألة بمسارها الشخصي والعائلي، حيث تقول إجابة عن سؤال: كيف شكلت مسيرتك الشخصية قيمك الكوسموبوليتية؟ «الأمر يرجع إلى جذور عائلتي، فعائلتي سمح لها بالدخول إلى أراضي الإمبراطورية العثمانية أيام التفتيش الإسباني، واستقررنا في صالونيك وإسطنبول وغاليبولي. فأنا دائما كنت واعية بسخرية التاريخ الأوروبي، فإسبانيا باكتشافها لأمريكا كانت أول من بدأ في التفتيش الديني، فاضطر اليهود إلى مغادرتها، واستقبلهم المسلمون بحفاوة في بلدانهم؛ إذن، فتاريخ عائلتي يرجع إلى 500 سنة بتركيا، وهذا تاريخ طويل. لكن كنا دائما واعين بمن نحن. وأظن أنه من أتى من هذا السياق، وكبرت في محيط متعدد بأربع لغات، فلا شك سيكون في منحى فكري لنوع العلاقة بين الثقافة والحقيقة الاجتماعية، وأن يكون مهتما كثيرا بحقوق الشعوب.»
26
تهتم مؤخرا بالمشكلة القائمة بين فتح الحدود وحق تقرير المصير، التي في عمقها ترتبط بأزمة السيادة في إطار الدولة الأمة. وترى سيلا أنها تناضل في سبيل حق تقرير المصير إلى جانب الحق في فتح الحدود، فهناك «ترابط بين حق تقرير المصير، باعتباره وسيلة للحد من الفوارق الكبيرة والدائمة، والمساواة السوسيو اقتصادية».
نامعلوم صفحہ