وقد نجد من آن لآخر من يحاول معالجة الموضوع بطريقة أكثر شمولا، يجمع فيها بين الأنواع الأساسية والمشكلات الرئيسية.
والكتاب الذي نقدمه ها هنا يحاول، كما يدل عنوانه، أن يعالج الموضوع بهذه الطريقة الجامعة. ففيه دراسة للمشكلات الرئيسية للفلسفة من خلال ما أعتقد أنه أهم المدارس والحركات الفلسفية الموجودة في أيامنا هذه. وهو يبدأ بمقدمة موجزة تحاول التعريف بالفلسفة، وتبين كيف أن الطلاب (ومعهم كل الناس الآخرين تقريبا) يتفلسفون سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه. ثم يبحث في الفصول من الأول إلى الثالث في العلاقات بين الفلسفة وجيرانها. ولا سيما العلم والدين. ويلي ذلك وصف مفصل للرأيين اللذين أعتقد أنهما أهم وأشمل الآراء عن العامل، وهما المذهبان المثالي والطبيعي
Naturalism
اللذان سنتخذ منهما في واقع الأمر نقطتي ارتكاز في هذا الميدان (في الفصلين الرابع والخامس). أما الفصول الباقية فتعالج مختلف مشكلات الفلسفة، كل مشكلة بما لها من حلول كثيرة ممكنة، وذلك من خلال نقطتي الارتكاز سالفتي الذكر. وبذلك تكون لدى المبتدئ بضعة معالم بارزة يسترشد بها خلال تجواله في هذه الأرض التي هي، على أحسن الفروض، أرض محيرة. وقد يجد الفيلسوف المحترف، الذي أصبح متمكنا من ميدانه على الرغم من تعقده الشديد، أن هذا الترتيب مبسط إلى حد يقارب الإفراط، غير أن تجربتي مع الكثير من فصول المبتدئين قد أقنعتني بأن هذه الطريقة تصلح أكثر من أية طريقة أخرى لكي تكون مدخلا أول إلى الموضوع. فقد اتضح لي أن هذه الطريقة هي التي تفي أكثر من غيرها بالغرض المطلوب، سواء أكان مقياسنا هو سرعة اندماج الطالب في المشكلات الفلسفية، أم كان مقدار التوجيه العام الذي يكتسبه في هذا الميدان بعد فصل دراسي واحد، وما هذا الكتاب إلا تعبير عن اقتناعي بأن النتائج التربوية التي تسفر عنها هذه الطريقة هي قطعا أفضل من كل ما عداها.
ولا شك أن كتابة مؤلف من هذا النوع، ونشره، يقتضي مساعدة من عدد كبير من الأصدقاء الذين يستحيل الاعتراف بفضل كل منهم على حدة. على أن هناك عدة أشخاص قدموا لي معونة خاصة، وهم جديرون بثناء أعظم مما يدل عليه الاقتصار على ذكر أسمائهم، هؤلاء هم: برنيس وجوردون ستافورد، وروسكوبولاند، ومارفن هدريك، وجون باسووتر، وروبرت همفريز، وشيرلي مورس، بل إن هناك عونا كان أعظم حتى من ذلك، هو الذي قدمه ريموند ديورانت، ووالدتي سوازن ه. ميد. ذلك لأن الصبر الذي أبداه الأول في كتابة صفحات الكتاب، والبصيرة النقدية للثانية، كانا لي عونا لا يقدر. كذلك يستحق ريموند إيردل، الأستاذ بكلية بومونا، ثناء خاصا على النصح الذي أسداه إلي في لحظة حاسمة بشأن قائمة مصطلحات الكتاب.
هنتز ميد
سان دييجو، كاليفورنيا
يناير 1946م
الفصل الأول
لا بد لنا من التفلسف
نامعلوم صفحہ