فلسفہ انواع اور مسائل

فؤاد زكريا d. 1431 AH
149

فلسفہ انواع اور مسائل

الفلسفة أنواعها ومشكلاتها

اصناف

ونستطيع أن نختتم عرضنا للمشكلة الكاملة باقتراح نقاط متعددة يكشف عنها أي بحث محايد للموقف. وسوف تبدو بعض هذه الاعتبارات مؤيدة لأحد الطرفين، وبعضها الآخر مؤيدا للطرف الآخر. على أننا لا نهدف من عرض هذه النقاط إلى التأثير في القارئ بحيث ينحاز إلى هذا الجانب أو ذاك، وإنما نهدف إلى زيادة احتمال اختياره بين الطرفين على أساس معقول. (1) هل العلية شاملة بالضرورة؟

تبدو هذه المسألة الأولى مؤيدة للاحتمية. فالحجة الحتمية القائلة إن كل علم يرتكز على مبدأ العلية لا يمكن أن تكون حجة قاطعة، وذلك لأسباب متعددة. فمن الممكن جدا أن يكون الإنسان نوعا فريدا في العالم العضوي، وأن يؤدي عقله وقدرته على الاختيار العاقل إلى جعله استثناء في الطبيعة بالفعل. ولما كان من المعترف به أن الإنسان فريد في أمور متعددة، فليس لنا أن نستبعد مقدما إمكان أن يكون الإنسان قادرا على البدء في سلاسل جديدة من الأفعال عن طريق اتخاذ قرارات هي بالفعل غير خاضعة للحتمية. وثانيا فإن نجاح المبدأ الحتمي في العلوم لا يعني أن من الممكن امتداده على جميع الظواهر، ومن المؤكد أن هذه الحقيقة لا تضمن بأي حال إمكان امتداد المبدأ على هذا النحو. وفضلا عن ذلك فإن حياة الإنسان الإرادية، ولا سيما ما يتعلق منها بالاختيار الأخلاقي، قد تكون فئة مستقلة من الظواهر التي لا تحتاج لتفسيرها إلى مفاهيم أخرى غير العلية. وثالثا، فقد يكون المثالي على حق حين يؤكد أن قانون العلية من صنع العقل - لا بالمعنى الظاهر الذي يكون فيه صياغة ذهنية، بل بالمعنى الميتافيزيقي الذي تكون فيه العلية مطلبا يفرضه الكون على العقل. هذا الرأي، كما عرضه «كانت» مثلا، يقول بأن العلية هي إحدى صور الفكر أو مقوماته، فهي أحد القوالب أو الأطر التي ينبغي أن تصب فيها الظواهر الحسية إذا شاءت أن تكون «عالما» معقولا. وهكذا تصبح «العلة» ذاتية لا موضوعية. وإذا كانت العلة من صنع العقل، فمن الممكن عندئذ أن تكون عملياتنا الذهنية والإرادية خارجة عن قوانينها، ويكون في استطاعة العقل أن يفرض العلية على كل شيء آخر دون أن يفرضها على نفسه بالضرورة. ولذا كانت النتيجة التي ينبغي أن ننتهي إليها هي أنه، مهما تكن ضرورة مبدأ العلية للعالم في جهوده التي يبذلها لفهم العالم الطبيعي، فإن قابلية هذا المبدأ للانطباق على العالم الذهني والأخلاقي تظل مفتقرة إلى الدليل. (2) ما مدى صحة الشعور بالحرية؟

أما المسألة الثانية التي ينبغي أن نلاحظها قبل اتخاذ أي قرار بين الحتمية واللاحتمية. فتؤيد فرض الحتمية؛ ذلك لأن اللاحتمي يستغل شعورنا الذي لا ينكر بالحرية استغلالا زائدا عن الحد، ومن المؤكد أننا نكون عادة واثقين ، في لحظة الاختيار الفعلي، بأننا نستطيع لو شئنا أن نختار الحل الآخر بدلا من الحل الذي اخترناه. ومع ذلك فإن القائل بالحتمية يعتقد أن هذا الشعور الحدسي بوجود أطراف يمكننا الاختيار بينها بحرية هو شعور واهم. وهو على الأقل لا يثبت أن لدينا بالفعل إرادة غير مسببة. وأغلب الظن أن كل ما يدل عليه هذا الشعور بالحرية هو جهلنا بالأسباب المتحكمة في الاختيار بالفعل.

ولقد كان اسبينوزا هو الذي عبر عن مغالطة الحرية هذه تعبيرا كلاسيكيا؛ إذ قال: «إن الناس يولدون جاهلين بأسباب الأشياء، ولكن لديهم رغبة في البحث عن نفعهم الخاص، وهي رغبة يشعرون بها عن وعي. ويترتب على ذلك، أولا، أنهم يظنون أنفسهم أحرارا؛ لأنهم واعون برغباتهم وشهواتهم، ولكنهم، نظرا إلى جهلهم، لا يحملون بالتفكير في الأسباب التي أدت بهم إلى هذه الرغبات ... وهكذا يعتقد الطفل الرضيع أنه يبحث عن الثدي بإرادته الحرة، ويعتقد الصبي الغاضب أنه يرغب في الانتقام بإرادته الحرة، ويظن الجبان أنه يسعى إلى الهرب، ويتوهم السكير أنه يتحدث، بأمر حر صادر عن ذهنه، عن تلك الأمور التي كان يود في صحوه ألا يقول عنها شيئا. وعلى هذا النحو يظن المجنون، والثرثار، والصبي، ومن على شاكلتهم، أنهم يتحدثون بأمر حر صادر عن أذهانهم، مع أنهم في واقع الأمر لا يملكون القدرة التي يقفون بها في وجه النزوع الذي يدفعهم إلى الكلام، بحيث إن التجربة ذاتها، لا العقل وحده، تدلنا بوضوح على أن الناس يظنون أنفسهم أحرارا لمجرد كونهم واعين بسلوكهم الخاص، دون أن يعلموا شيئا عن الأسباب المتحكمة فيهم. كما أنها تدلنا على أن أوامر العقل ليست إلا الشهوات ذاتها، التي تختلف بالتالي باختلاف الحالة المزاجية للجسم.»

5

وفي موضع آخر يلجأ اسبينوزا إلى تشيبه الحجر الطائر في الهواء، الذي لو كان لديه وعي، لغدا على الثقة من أنه يتحرك بإرادته الحرة، نظرا إلى جهله بالقوى التي حركته.

وعلى الرغم من أن المرء لا يكاد يجد ما هو أفضل من كلمات اسبينوزا السابقة؛ ففي استطاعتنا أن نزيدها تأكيدا بالإشارة إلى كثرة الأدلة التي أثبت بها علم النفس الحديث هذه النقطة. فقد كانت نظرية اللاشعور موردا لا ينضب للأدلة المؤيدة للحتمية. والواقع أن التحليل النفسي هو، إلى حد بعيد، أسلوب لكشف الأسباب الخفية والدوافع المكبوتة التي تمارس تأثيرا فعالا في سلوك الفرد حتى حينما لا يكون شاعرا بها على الإطلاق. كذلك فإن علم النفس جعل الشخص العادي ذاته يدرك في الوقت الحالي مدى التأثير الخفي الملتوي الذي يمكن أن تمارسه الرغبة في التبرير على تفكيرنا وسلوكنا. ويعرف التبرير أحيانا بأنه البحث عن أسباب جيدة لأفعال رديئة - هي عادة أفعال أنانية نخجل منها بحق. ففي هذه العملية الذهنية التي نبرر بها تصرفاتنا، نحاول أن نجعل سلوكنا مقبولا لنا بالاهتداء إلى أسباب دفاعية لهذا السلوك، نستطيع أن نقنع عقولنا بأنها هي الأسباب الحقيقية. وقد نكون بالفعل جاهلين بدوافعنا، أو قد نكون خادعين لأنفسنا فحسب، غير أن علم النفس قد تمكن من كشف السبب الحقيقي لسلوكنا في حالات تبلغ من الكثرة حدا يجعل عبارة اسبينوزا، التي كانت تبدو في عصره مذهلة، تبدو اليوم أشبه ببديهية من بديهيات علم النفس. فنظرا إلى عدم رغبتنا في أن نكون أمناء مع أنفسنا فيما يتعلق بالأمور القبيحة، فإننا نسمي أفعالنا التي هي في أساسها أنانية أفعالا «قابلة للتبرير». ونظرا إلى جهلنا بالسبب الذي يجعلنا نسلك كما نسلك، فإنا نسمي أنفسنا «أحرارا».

تغير مفهوم «الإرادة» : هناك مسألة أخيرة تؤدي بطريق غير مباشر إلى دعم الموقف الحتمي، على الرغم من أنها حقيقة تاريخية، لا حجة فلسفية. تلك هي الحقيقة القائلة إن هناك معنيين مختلفين للفظ «الإرادة»، فهناك أولا المعنى التقليدي، المبني على النظرة إلى الذهن على أنه مجموعة من «الملكات». ونظرا إلى أن علم النفس الحديث لم يعد ينظر إلى الذهن على أنه مجموعة من الوسائط أو «الملكات» المستقلة، كالعقل، والإرادة ، والخيال، إلخ، فمن الواجب استبعاد هذا المعنى القديم للفظ «الإرادة» إذا شئنا أن تكون مناقشاتنا حوله دقيقة.

أما المعنى الحالي للفظ فيعبر عن النظرية الوظيفية للذهن، التي يقول بها علم النفس المعاصر، فلم تعد الإرادة تعد كيانا أو واسطة مستقلة، بل إن عالم النفس بفضل الكلام عن «الفعل الإرادي» الذي يراه وظيفة ترتبط بالكائن العضوي الكامل. ففي استطاعة الفرد، عن طريق عملية استبصار وتدبر، أن يبعث التآزر في رغباته والتكاسل في دوافعه، فتكون نتيجة هذا التآزر - بعد التوفيق بين الرغبات المتعارضة - فعلا، أو على الأقل قرارا يتحقق في فعل. هذا الفعل يمكن أن يسمى «فعلا إراديا»، ولكن من الواجب أن نضع نصب أعيننا تلك النظرة الوظيفية العضوية إلى الذهن عندما نصف فعلا كهذا بأنه ذو طابع إرادي.

ومن الواضح أن للنظرة العتيقة إلى الذهن من خلال مفهوم «الملكة» صلة وثيقة بالموقف اللاحتمي. فمن السهل القول بأن «الملكة» المستقلة أو «الوسيط» المستقل متحرر من القوانين العلية، ولكن من الصعب الادعاء بأن الكائن العضوي الكامل يؤدي وظائفه في فراغ من اللاتحدد، بل إن نفس تعريف الإرادة، في ظل الرأي القديم، بأنها «كيان مستقل»، ينطوي على حكم مسبق على الموضوع قبل أن تبدأ المناقشة. ولما لم يكن هناك تخصيص للطريقة التي تكون بها الإرادة مستقلة، فلا يكاد يكون من حقنا أن نلوم اللاحتمي على تفسيره لهذا الاستقلال بأنه استقلال «علي». أما اليوم فقد انقلبت الآية: فلما كان النشاط الإرادي يعد الآن جزءا لا يتجزأ من استجابتنا الكاملة للبيئة، فإنا لا نستطيع أن نلوم الحتمي على استخدامه هذه الحقيقة في دعم مركزه هو. وهكذا يقدم إلينا التاريخ الكامل للنزاع حول حرية الإرادة مثلا رائعا للعلاقات المتبادلة بين الفلسفة وبين المفاهيم العلمية الشائعة في أي عصر. ويبدو أن للعلم اليوم من التأثير في الفلسفة ما يفوق تأثيره فيها في أي وقت مضى، غير أن هذا ليس إلا انعكاسا للتأثير الهائل للعلم في جميع ميادين الفكر البشري. والواقع أن الفلسفة كانت دائما تستجيب للأفكار الجديدة والأيديولوجيات المتداولة حولها، وحتى في الحالات التي بدا فيها الفيلسوف منعزلا غاية ما يكون الانعزال في برجه العاجي، فإن «رياح الفكر» التي تهب عليه من الخارج كانت تؤثر حتما في تفكيره. والحق أننا لا نكاد نجد لذلك مثلا أفضل من النزاع الذي نحن بصدد مناقشته. (6) الدور الدائم الذي أسهم به كل رأي

نامعلوم صفحہ