وقد عاق عن الاستفادة من الأمثال العربية من هذه الناحية أمران: (الأول):
اختلاط الأمثال الجاهلية بأمثال الإسلام اختلاطا كبيرا، حتى ليصعب التفريق بينهما، وهذه أول خطوة يجب التحقق منها قبل الاستدلال بالأمثال على الحياة العقلية؛ وقد رووا أن «علاقة الكلابي» جمع الأمثال في عهد يزيد بن معاوية، وقد كان هذا يفيدنا كثيرا لو وصل إلينا؛ إذ لا يكون قد ذكر فيه إلا أمثال الجاهلية وصدر الإسلام، ولكنه لم يصل.
نعم، إن هناك دلائل تدلنا أحيانا على مصدر المثل من طرق عدة: (1)
إن هناك عدة أمثال قيلت في حوادث تاريخية كجزاء سنمار، ومواعيد عرقوب، ولا في العير ولا في النفير، وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وهذه دلالة صحيحة متى ثبت صحة الحادثة التاريخية التي قيل فيها المثل. (2)
الاستدلال من حياة الجاهلية الاجتماعية على أن المثل جاهلي، كالذي قالوا: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فإن ذلك هو الخلق الجاهلي لا الإسلامي. (3)
إن كثيرا من الأمثال قد نص المؤلفون على قائليها عند ذكر مضرب المثل، فهم في كثير من الأحيان يذكرون القصة التي قيل فيها المثل، فنستدل بذلك - ولو على وجه التقريب - على زمنه، ولكنا نشك في كثير من هذا؛ لأن القصة في كثير من الأحيان يبدو عليها أثر الصنعة، وأنها عملت فرشا ينطبق عليه المثل، بدليل أن المؤلفين كثيرا ما يذكرون قصصا مختلفة متباينة لمضرب المثل الواحد؛ أضف إلى ذلك أن أكثر الأمثال في الأمم يصعب تعيين قائليها، حتى الأمثال قريبة العهد؛ لأن الأمثال ليست إلا جملا قصيرة نتيجة تجارب طويلة، وهي عندما تقال لا تكون مثلا، وإنما يجعلها مثلا شيوعها بعد لموافقتها لذوق الجمهور، ويغلب عندئذ أن يكون قد نسي قائلوها. (الأمر الثاني):
من وجوه الصعوبة: أن أكثر جامعي الأمثال رتبوها على حسب حروف الهجاء، فجعلوا ما أوله ألف، ثم ما أوله باء وهكذا، ولم نر فيما نعلم أحدا رتبها على حسب أصولها الاجتماعية كأن يجمع الأمثال التي تتعلق بالغنى والفقر، وبالعمر وأطواره، وبالزواج والأسرة، وبالعمل والتجارة، وبالحظ وما إليه، وبالأصدقاء والجيران، وبالمرأة وأخلاقها، وبالصحة والمرض؛ إلى نحو ذلك، ولو فعلوا ذلك - كما فعل بعض مؤلفي الفرنج في أمثالهم - لأفادونا فائدة كبرى من ناحية موضوعنا. •••
وقد شاع بين العرب في الجاهلية ذكر لقمان، واتخذوه شخصية هي مثال الحكمة، ينسبون إليه من الأمثال كثيرا مما لم يعرف قائله، وسمعت في القرآن سورة باسمه، وزعم بعض العلماء أن هناك لقمانين: لقمان الحكيم، ولقمان عاد، وأن لكل وردت أمثالا.
فقالوا عن الثاني، ورد: «إحدى حظيات لقمان»، و«آكل من لقمان»، ورووا للأول حكما كثيرة، ويظهر أن حكمه كانت متداولة بين العرب لدرجة كبيرة، ذكر ابن هشام في السيرة: «أن سويد بن صامت قدم مكة حاجا أو معتمرا، وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشرفه ونسبه ... فتصدى له رسول الله
صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ