126

فجر الضمیر

فجر الضمير

اصناف

وكثيرا ما نجد المتوفى يقرر مرارا أن حياته كانت نقية؛ إذ يقول:

إني إنسان أحب الحق، وما كرهته هو الباطل.

إني أقعد بريئا وأقوم بريئا.

لقد أقمت العدل ومحوت الباطل.

ولقد ذكرنا أن القاضي الذي تقف أمامه كل الأرواح كان في الأصل «رع»، ولكن «أوزير» كذلك ما لبث أن أظهر نفسه من زمن مبكر في موقف ذلك القاضي، حيث نقرأ في «متون التوابيت» عن «المجلس العظيم (أو محكمة العدل) للإله أوزير»، وكان ذلك منذ زمن بعيد يرجع إلى الأسرة التاسعة أو العاشرة (من القرن الرابع والعشرين إلى الثاني والعشرين ق.م) في أيام حكم الملك «مريكارع». ولا شك أن انتشار عبادة «أوزير» التي كانت آخذة في الازدياد له علاقة عظيمة بانتشار الاقتناع - الذي صار الآن عاما - بأن كل روح لا بد أن تلقى ذلك الحساب الخلقي العسير الذي ينتظرها في الآخرة.

وقد صار من المتبع عادة منذ بداية الدولة الوسطى أن يضاف إلى اسم كل متوفى نعت «المبرأ»، وهذا النعت هو الذي كان قد ناله «أوزير» فيما مضى بصفته الخصم الظافر على أعدائه، المبرأ أمام محكمة إله الشمس. وقد كان ذلك النعت - كما نعلم من «متون الأهرام» - لا يضاف إلا إلى اسم الفرعون فقط، غير أنه صار بالتدريج امتيازا تمنحه كل روح، أو على الأقل صار من حق كل روح متسمة بالأخلاق الفاضلة.

وكذلك نجد أنه بعدما نال المذهب الأوزيري القبول عند البلاط الملكي صار الملك يوحد مع «أوزير المبرأ»، وصار الكهنة يضعون كلمة «أوزير» قبل اسم كل ملك متوفى، وقد رأينا في «متون الأهرام» أن الملك «بيبي» كان يسمى «أوزير بيبي»، كما كان الملك «تيتي» يسمى «أوزير تيتي».

وقد كان من نتائج انتشار عبادة «أوزير» الآخذة في الازدياد أن المنهج الذي كان يرمي إلى صبغ الحياة الأخرى الملكية الفاخرة بالصبغة الديمقراطية قد صار حينئذ يوحد كل متوفى، ذكرا كان أو أنثى، بالإله «أوزير». وعلى ذلك لم يقتصر المتوفى على دخول مملكة «أوزير» - كما كان الحال قديما - ليتمتع بحمايته وعطفه، بل صار المتوفى - ذكرا كان أو أنثى - «أوزير» نفسه واعتبر ملكا.

ولذلك نجد - حتى في دفن الفقراء - أن المومية كانت تصور في شكل «مومية أوزير» وموضوعة مثلها على ظهرها، وكانت التعاويذ التي تمثل شارات الملك الفرعوني ترسم على داخل جوانب التابوت، أو كانت توضع بهيئة تماثيل بجانب جثمان المتوفى. وقد ظهرت قوة عبادة «أوزير» بحالة تلفت النظر في العادة الجديدة ، وهي إضافة اسم «أوزير» قبل اسم المتوفى، فإنه وإن كان من الجائز للمتوفى أن يوحد مع إله الشمس أيضا - كما كان يحدث كثيرا - فإنه بالرغم من ذلك كان ينعت باسم «أوزير» في حين أن اسم إله الشمس «رع» لم يضف قط قبل اسم المتوفى.

وبظهور الدولة المصرية الحديثة بعد سنة 1600ق.م نجد أن الأدلة التي تكشف لنا عن ذلك التطور الخلقي الطويل الأمد - الذي اقتفينا أثره في هذا البحث - قد ازدادت في كميتها وفي أهمية قيمتها، وبخاصة فيما يبين لنا شعور المصري المتزايد بمسئوليته الشخصية عن نوع أخلاقه؛ ذلك بأن مرحلة التفكير لهذا التطور الخلقي قد تقدمت تقدما محسوسا؛ لأن المصري القديم في ذلك الوقت كان قد تعمق في التفكير في طبيعة نفسه البشرية، وكان من نتائج ذلك أن صار المفكرون من المصريين - آنئذ - يرون أن المسئولية الخلقية لكل إنسان مترتبة بصفة قاطعة على إدراكه (فهمه) الشخصي.

نامعلوم صفحہ