فہم فہم
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
اصناف
Object
و«الصدق»
Truth ، والمعرفة، مستخدمين هذه الكلمات بأوسع معانيها، فكل موضوع تناظره منظومة مغلقة من «الحقائق» التي تصدق عليه ، وله من جهة أخرى منظومة مثالية من العمليات التي يمكن بفضلها أن يقدم الموضوع والحقائق إلى أي ذات عارفة.
إذا أنعمنا النظر في هذه العمليات فسنجد في المستوى المعرفي الأدنى أنها عمليات تجربة أو خبرة، أو بمعنى أعم، عمليات حدس (عيان/معاينة) تقوم بإدراك الشيء في نسخته الأصلية. (7)
من الواضح أن شيئا شبيها بذلك يحدث في كل أنواع الحدوس وفي جميع العمليات الأخرى التي تقصد موضوعا ما حتى لو كانت مجرد إعادة تمثيل (مثل تذكر معاينات صورية، ومثل عمليات تأمل موضوع رمزي)، أي حتى لو كانت لا تدرك الشيء بوصفه حاضرا أمامها بشخصه بل تعيه بوصفه متذكرا أو معادا تمثيله بالصورة أو بطريق الإشارات الرمزية وما إليها، أو حتى عندما يكون الحكم على واقعية الشيء المدرك أمرا غير محدد لسبب أو لآخر.
ومن ثم فحتى الحدوس (العيانات) الخيالية هي معاينة موضوعات، ولها كل ما للظواهر الأخرى من خصائص مع إضافة خاصية تمييز «موضوعها» كشيء غير متحقق.
ولكي يمكن للمعرفة النظرية العليا أن تبدأ على الإطلاق فلا بد من أن تسبقها معاينة للموضوعات التي تنتمي لمجالها، فلا بد مثلا من أن نخبر الموضوعات الطبيعية أولا حتى يمكننا القيام بأي تنظير عنها، و«أن نخبر» معناه أن نعاين شيئا ما في وعينا وأن نحكم بأنه واقعي حقيقي، أي الوعي بالموضوع الأصلي بوصفه حاضرا بشخصه، وبتعبير آخر يمكننا القول بأن «الموضوعات» أو «الأشياء» قمينة بأن تكون لا شيء على الإطلاق بالنسبة للذات العارفة ما لم «تظهر» لهذه الذات، أي ما لم تحز هذه الذات على «ظاهرة» لهذه الأشياء، ومن هنا فإن كلمة «ظاهرة»
في هذه الحالة تشير إلى محتوى معين يقطن داخل الوعي الذي يعاينه ويكون أساسا للحكم بواقعيته. (8)
ولا يختلف الأمر عن ذلك إذا انتقلنا إلى عملية متابعة موضوع ما في سلسلة من العيانات التي تشيد معا وحدة مؤلفة من وعي واحد مستمر بموضوع واحد بعينه، إن الطريقة التي يقدم بها الموضوع داخل كل حدس من حدوس هذا الوعي المستمر قد تختلف باستمرار؛ فتتغير العيانات مع كل لفتة وكل تحول ومع تغير زاوية النظر من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل ويظل مظهر الشيء يتحدد مع كل نقلة من إدراك حسي إلى آخر بلا انقطاع، ورغم ذلك فإن وعينا، «وبسبب من مسلك هذه الإدراكات الحسية المتعاقبة وطريقة تتابع صورها ومسار تغيرها»، يظل معاينا لنفس الموضوع كموضوع واحد بعينه لا ككثرة متغيرة من الموضوعات، وبتعبير آخر يمكننا القول بأنه في باطن هذا الوعي وفي صميمه ثمة ظاهرة واحدة مفردة تتخلل جميع التمثلات الظاهرية العديدة. (9)
ويمتد هذا المفهوم أكثر فأكثر حين ننعم النظر في الوظائف المعرفية الأعلى: في الأنشطة والترابطات المتعددة للإدراك النظري التصوري التركيبي الإشاري، فكل عملية مفردة من أي من هذه الأصناف هي في صميمها عملية وعي بالموضوع الخاص بها، غير أن الموضوع هنا هو عملية تفكير من نوع معين، ومن ثم يدرك هذا الموضوع كطرف في رابطة، كمتعلق في علاقة، إلخ، من جهة أخرى تتحد العمليات المعرفية المفردة في الوعي الواحد الذي يشكل داخله موضوعية تأليفية واحدة أو حالة حملية واحدة مثلا أو سياقا نظريا واحدا، إننا هنا بإزاء موضوع كالذي نعبر عنه في جمل من قبيل: «الموضوع متعلق بهذه الطريقة أو تلك ...» «إنه كل مكون من هذه الأجزاء أو تلك»، «العلاقة ب تلزم عن العلاقة أ» ... إلخ. (10)
نامعلوم صفحہ