فہم فہم
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
اصناف
وقد أرى أيضا أن جملة «ماري ليست أكبر سنا من هاري» تعني أن ماري وهاري في نفس السن، إن اختلاف مقصد المتحدث عن معنى الكلمة أو الجملة يحمل إمكان إساءة الفهم وإساءة التأويل، على أن هذا ليس شيئا محتما لا مناص منه، فمعظم الناس لديهم القدرة (باستخدام السيكولوجيا الشعبية والمفاتيح الموقفية) على استشفاف ما يعنيه المتحدث في حقيقة الأمر حتى لو ابتعد ذلك عما قاله بالفعل.
2 (5) أهمية الحس المشترك في التأويل
يؤكد كلادينيوس على أن الحس المشترك له دوره الحيوي في عملية الفهم، فالمرء يفهم القول المنطوق أو المكتوب فهما تاما إذا ما أخذ بالاعتبار جميع الأفكار التي يمكن أن توقظها الكلمات فينا وفقا لأحكام القلب والعقل، ولا نعني هنا كل فكرة ممكنة بل الأفكار التي تتفق مع الحس المشترك، بالنظر إلى معرفتنا بالأحوال السائدة.
على أن ما يهم هنا ليس المحتوى السيكولوجي بل الغرض المقصود للنص، وكذلك قواعد الإنشاء التي يمليها هذا الغرض، أي أن المرء يفهم مقصد المؤلف لا من خلال فهم حالاته السيكولوجية بل من خلال فهمه للنص، ويفهم النص من خلال فهمه كيف يستخدم الناس النصوص استخداما مقبولا، نحن إذن نفسر ونتواصل مع بعضنا البعض وفق مجموعة من القواعد المعقولة.
ولكن هنا تبرز مشكلة: وهي أنه حتى مع افتراض أفضل النوايا والمقاصد، فإن الكلمات أحيانا ما تحيد عن نية المتكلم، والتعبير أحيانا ما يطيش عن الهدف الذي كان يرمي إليه القائل، هنالك تضيع فرصة الفهم الصحيح وتنقطع خيوط التواصل، يقول كلادينيوس: إن المرء لا يمكن أن يحيط بكل شيء أو يتوقعه، ومن ثم فإن كلماته وأحاديثه وكتاباته قد تعني شيئا لم يكن يعنيه. وعليه فنحن لكي نفهم هذه الكتابات فقد نفكر في شيء لم يدر بخلد الكاتب وما خطر بباله ولا جال بوعيه.
وقد يفشل المؤلف في وضع فكرته بتمامها في كلمات ملائمة أو صحيحة، الأمر الذي يفرض علينا، ويمنحنا صلاحية، النظر في نية المؤلف لا في مجرد النص، يقول كلادينيوس: إن العمل المنطوق أو المكتوب يكون مفهوما تماما إذا كان منشأ بحيث يمكن للمرء أن يفهم مقاصد المؤلف ونواياه فهما كاملا وفقا للقواعد السيكولوجية، أما إذا لم يستطع المرء أن يفهم كل شيء أراد المؤلف أن يقوله فإن الكتابة عندئذ لا تعود مفهومة، والكتب والأحاديث التي يصدرها الناس سيكون بها شيء ما يند عن الفهم، هذه القواعد السيكولوجية التي يشير إليها كلادينيوس ليست أكثر من «قواعد وأحكام القلب والعقل» التي تتعلق بالحس المشترك.
نخلص من ذلك إلى أن كلادينيوس لا يعتبر التأويل عملية استقرائية، بل عملية أقرب إلى الاستنباط، أي استنباط شيء من النص باستخدام مجموعة من القواعد:
فإذا كان المؤلف يستخدم اللفظة س،
وكانت س في الأحوال المعنية تشير إلى ص،
إذن فالمؤلف يعني ص.
نامعلوم صفحہ