وأما قوله ﷺ: «أنت مني وأنا منك» (٦١) فهذه العبارة قد قالها لغيره من المؤمنين، كما قالها -[عليه الصلاة و] (٦٢) السلام - لجليبيب (٦٣) الذي قتل عدة من الكفار: «هذا مني وأنا منه» (٦٤) .
وفي الصحيحين: «إن الأشعريين (٦٥) إذا كانوا في السفر ونقصت نفقة [٢/أ] عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسويّة؛ هم مني وأنا منهم» (٦٦)، فقد جعل الأشعريين أبا موسى (٦٧) وأبا عامر (٦٨) وغيرهما منه وهو منهم، كما قال لعلي: «أنت مني وأنا منك» (٦٩) .
وقال تعالى: ﴿والذين ءامنوا من بعدُ وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم﴾ [الأنفال ٧٥] وقال تعالى: ﴿ألم تَرَ إلى الذين تولَّوا قومًا غضب اللهُ عليهم ما هم منكم ولا منهم﴾ [المجادلة ١٤] وقال تعالى: ﴿ويحلِفون بالله إنَّهم لمنكم وما هم منكم﴾ [التوبة ٥٦] .
وقال ﷺ: «من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا» (٧٠) ونحو ذلك، وهذا يقتضي أن السليم من هذه الكبائر يكون منا، وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد فيقال: هذا من هذا، إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملين الإيمان فهو من النبي ﷺ والنبي منه.
وقوله ﷺ في قصة بنت حمزة: «أنت مني وأنا منك» (٧١) . وكقوله لزيد ابن حارثة (٧٢): «أنت أخونا ومولانا» (٧٣)، ومعلوم أن هذا ليس مختصا بزيد بل كل من كان من مواليه يطلق عليه هذا الكلام لقوله تعالى: ﴿فإن لم تَعلموا ءاباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم﴾ [الأحزاب ٥] فكذلك قوله لعلي: «أنت مني وأنا منك» (٧٤) وليس ذلك من خصائصه، بل من كان موافقًا للنبي ﷺ في كمال الإيمان كان من النبي ﷺ والنبي منه.
_________
(٦١) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح ٢/٩٦٠ رقم ٢٥٥٢، وقد تقدم، تخريجه ص١٩.
(٦٢) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
(٦٣) قال الحافظ: غير منسوب، (الإصابة ١/٢٥٣ رقم ١١٧٥) .
(٦٤) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل جلبيب ﵁ ٤/١٩١٨ رقم ٢٤٧٢ بلفظ: «قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه..» الحديث.
وهو مخرج في سنن النسائي الكبرى أيضًا.
(٦٥) الأشعريون هم بنو الأشعر نبت بن أُدد بن ريد بن يشحب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ. (جمهرة أنساب العرب ص٣٩٧) .
(٦٦) البخاري:الصحيح، كتاب الشركة باب الشركة في الطعام والعروض ٥/١٥٣ رقم ٢٤٨٦.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الأشعريين ﵃ ٤/١٩٤٤ رقم ٢٥٠٠ بلفظ: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم» .
(٦٧) عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور، أمّره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، توفي سنة خمسين. (التقريب ص٣١٨) .
(٦٨) أبو عامر الأشعري، صحابي، اسمه عبيد، وهو عم أبي موسى الأشعري، استشهد بحنين. (التقريب ص٦٥٣) .
(٦٩) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح ٢/٩٦٠ رقم ٢٥٥٢، وقد تقدم، تخريجه ص١٩.
(٧٠) البخاري: الصحيح، كتاب الفتن باب من حمل علينا السلاح فليس منا، أما قوله: «من غشنا» الحديث فلم يخرجه في صحيحه.
مسلم: الصحيح، كتاب الإيمان ١/٩٨ رقم ٩٨، وفيه تقديم الشطر الثاني.
(٧١) سبق تخريجه ص١٩.
(٧٢) زيد بن حارثة الكلبي، شهد بدرا وما بعدها وقتل في غزوة مؤتة وهو أمير. الإصابة ٣/٢٥، ٢٦.
(٧٣) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح باب كيف يكتب: هذا ما صالح عليه فلان بن فلان ٢/٩٦٠ رقم ٢٥٥٢.
(٧٤) سبق تخريجه ص ١٢٤٦، حاشية ٣٩.
13 / 1233