إنها جميلة جدا، ولكنها لا تستطيع أن تبعث السرور إلى نفسي كما يبعثه جلوسي بجانبك، وامتزاج أنفاسي بأنفاسك.
إنني أحب والدتي حبا جما، ولكنني أحبها أكثر من كل وقت في الساعة التي أراها تحنو عليك فيها، وتضمك إلى نفسها وتدعوك: يا ولدي، وربما غفرت لها إغضاءها عني أحيانا ولكنني لا أستطيع أن أغفر لها إغضاءها عنك.
قالت فرجيني: إنك تتساءل في نفسك يا بول: لم تحبني أكثر من كل شيء في العالم؟ أما أنا فإنني أحبك هذا الحب نفسه، ولكنني لا أسائل نفسي عن سبب ذلك؛ لأني أعلم أن الطائرين اللذين ينشآن في منشأ واحد وجو واحد يتعاطفان ويتآلفان، حتى ما يكاد يصبر أحدهما عن صاحبه لحظة واحدة ... انظر إليهما، ها هما يتصايحان ويتهاتفان على بعد ما بينهما، كأن كلا منهما يقول لصاحبه: تعال إلي جانبي ولا تفارقني، فإنني لا أستطيع أن أجد لذة الحياة بعيدا عنك.
كذلك نحن يا بول نشأنا في منشأ واحد، ورضعنا ثديا واحدا، ونمنا في مهد واحد، وابتردنا في حوض واحد، فأصبحنا شخصا واحدا، فإذا افترقنا ساعة ظل كل منا يهتف بصاحبه ويناجيه، أنت بمزمارك على قمة الجبل، وأنا بأنشودتي في سفحه، كما يفعل ذانك الطائران المتناجيان على أفنانهما حتى نلتقي.
تقول إنك أحببتني منذ ذلك اليوم الذي رأيتني فيه أعطف على تلك الجارية المسكينة، وأنا أقول لك إنني أحببتك من ذلك اليوم نفسه، فإنني لا أستطيع أن أنسى أنك أوشكت أن تخاطر بنفسك في سبيلي حينما عزمت على مقاتلة ذلك الرجل الشرير من أجلي، بل خاطرت بها فعلا حينما حملتني على ظهرك وأنت تعب مكدود، واجتزت بي ذلك النهر الزاخر المتدفق لا تعلم أتصل إلى ضفته أم تسقط دون ذلك؟
إنني أجثو كل يوم بين يدي ربي أسأله الرحمة لأمي وأمك وماري ودومينج، حتى إذا مر ذكرك على لساني ارتعشت شفتاي وشعرت كأنني أرتشف على الظمأ جرعة باردة ما خلق الله أهنأ ولا أطيب منها.
لم تتسلق الصخور من أجلي يا بول؟ ولم تجشم نفسك هذا العناء الشديد فوق عنائك الذي تكابده طول يومك؟ إنني لا أفكر في شيء وأنت غائب عني سوى أن تعود إلي سالما موفورا، فإذا رأيتك كنت أنت الهدية الثمينة التي تقدمها إلي، وتستحق من أجلها شكري وحمدي.
الفصل الخامس عشر
الخفقة الأولى
ما لفرجيني حزينة مكتئبة لا تضيء الابتسامات ثغرها كما كانت تضيئه من قبل؟!
نامعلوم صفحہ