فضائل الشام تأليف شمس الدين محمد بن أحمد بن علي الأسيوطي المتوفى سنة 880 ه
صفحہ 299
بسم الله الرحمن الرحيم قال الشيخ الإمام العالم الهمام أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي العباس أحمد الأسيوطي الشافعي في فضل الشام وما ورد في ذلك من الآيات والأخبار وسبب تسميتها بالشام، وذكر حدودها وما ورد في حث النبي- (صلى الله عليه وسلم)- على سكناها وما تكفل الله به لها وأهلها، وأنها عقر دار المؤمنين، وعمود الإسلام بها، وأن الشام صفوة الله من بلاده يسكنها خيرته من عباده، ودعاء النبي- (صلى الله عليه وسلم)- بالبركة وذكر بناء مسجد دمشق وعمارته، ومبدأ أمره وما بها من المعاهد والمشاهد المقصودة بالزيارة المعروفة بإجابة الدعوات والتنبيه عليها وما في معناها، أما الفضل قد تقدم في الباب الأول من الآيات الواردة في فضل الأرض المقدسة ما يغني عن الإعادة ها هنا فليراجع منه، وفي ترغيب أهل الإسلام عقب الكلام على قوله تعالى: وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين. (1)
- وقال عبد الله بن سلام: هي دمشق.
- وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هي بيت المقدس.
وروى أبو أمامة الباهلي- رضي الله عنه- عن النبي- (صلى الله عليه وسلم)- أنه قال: «أتدرون أين هي؟ يعني إلى ربوة ذات قرار ومعين، قالوا الله ورسوله أعلم قال: «هي الشام بأرض يقال لها: الغوطة، مدينة يقال لها دمشق هي خير مدائن الشام» (2).
صفحہ 307
وكذا قال ابن عباس وعبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب والحسن البصري.
وفيه عن معمر عن قتادة في تفسير قوله تعالى: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها (1) قال: هي مشارق الشام ومغاربها.
وفيه عن معمر عن قتادة أيضا في قوله تعالى: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق (2) الصدق يعبر عنه الحسن استعارة ويجوز في قوله تعالى: في مقعد صدق أي في مقعد حسن وقد يكون المبوأ حسنا لما فيه من البركات الدينية والخيرات وذلك موجود وافر بالشام وبيت المقدس أو يكون حسنه لبركاته العاجلة بسعة الرزق والثمار والأشجار.
قال صاحب مثير الغرام أن معنى قوله تعالى: مشارق الأرض ومغاربها تأويله جهات شرقها أرض الشام، وجهات غربها أرض مصر.
واختلف المفسرون في الأرض المقدسة، فقال مجاهد: الطور وما حوله.
وقال الضحاك: إيلياء والبيت المقدس.
وقال ابن عباس وعكرمة والسدي: أريحا.
وقال الكلبي: دمشق وفلسطين وبعض الأردن.
وقال قتادة: الشام كلها، ومجموع هذه الأقوال لا يخرج الأرض المقدسة من الشام.
وأما تسميتها بالشام قال اللغويون: اسم بلاد تذكر وتؤنث يقال لها:
شام وشامة وسميت شاما، لأنها عن شمالي الكعبة كما سمي كل ما عن
صفحہ 308
يمين الكعبة من بلاد الغور يمينا.
وقيل: سميت بذلك لأن أصحاب نوح (عليه السلام) لما خرجوا من السفينة فمنهم من أخذ نحو يمين الكعبة ومنهم من أخذ نحو يسارها، فسمي الموضع بالجهة المأخوذ منها فقيل يمين وشام.
وقيل: سمي بذلك لجبال بيض هناك وسود وكأنها شامات.
وقيل: سميت باسم سام بن نوح؛ لأنه أول من نزل بها فتطيرت العرب من سكناه بها، وكرهت أن تقول سام، لأنه اسم الموت، فقالت شام لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فسميت بالشامات.
وقيل: لأن قوما في بني كنان بن حام خرجوا عند تفرقهم فتشاموا إليها أي أخذوا ذات الشمال فسميت بذلك شاما.
وأما حدودها فإن حدها من الغرب البحر المالح، وعلى ساحله عدة مدائن، ومن الجنوب رمل مصر والعريش، ثم تيه بني إسرائيل، وطور سينا، ثم تبوك ثم دومة الجندل، ومن الشرق برية السماوه وهي كبيرة ممتدة إلى العراق ينزلها عرب الشام، ومن الشمال مما يلي الشرق أيضا الفرات إلى بلاد الجزيرة، ومسافة طولها من العريش إلى فوق عشرون يوما أو أكثر.
وقال في كتاب المسالك والممالك: خمسة وعشرون يوما وعدة مسافة ما بين كل بلدين، وأما عرضه فيزيد وينقص، أكثره ثمانية أيام وأقله ثلاثة أيام وهذا التحديد ذكره مؤرخ الشام الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب البلدان له وحكاه صاحب مثير الغرام.
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى حاتم بن حبان البستي أنه قال أول الشام بالسر وآخره عريش مصر ذكره في آخر باب فضل الشام وأهله.
وقال في مثير الغرام: قسم الأوائل الشام خمسة أقسام.
صفحہ 309
الأول: فلسطين سميت بذلك لأن أول من نزلها فلسطين- بكسر الفاء وفتح اللام- ابن كوسجين بن معطي بن يونان بن يافث بن نوح، وأول حدودها من طريق مصر رفح وهي العريش، ثم يليها غزة، ثم الرملة رملة فلسطين وفي مدن فلسطين إيلياء وهي بيت المقدس بينها وبين الرملة ثمانية عشر ميلا وكان بيت المقدس دار ملك داود وسليمان (عليهما السلام) وعسقلان ومدينة الخليل- (صلى الله عليه وسلم)- وسبطية ولد ونابلس.
وقال في كتاب المسالك والممالك في مسافة فلسطين للراكب طولا:
يومان من رفح إلى حد اللجون، وعرضا من نافلة إلى أرض ريحا كذلك.
الثاني: حوران ومدينتها العظمى طبرية وبحيرتها.
ذكر في حديث يأجوج ومأجوج ووقع في الشفا للقاضي عياض- (رحمه الله)- أن قال في وقت ولادته- (صلى الله عليه وسلم)-: وغاصت بحيرة طبرية وإنما هي بحيرة سارة ومن مدنها الغور واليرموك وبيسان فيما بين فلسطين والأردن بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال وتشديد النون هو النهر المعروف بالشريعة المذكورة في قوله تعالى: إن الله مبتليكم بنهر (1).
الثالث: الغوطة ولها ذكر في آثار عديدة ومدينتها دمشق بكسر الدال وفتح الميم وفي رواية ضعيفة كسر الميم قيل هي ذات العماد.
وقيل: كانت دار نوح (عليه السلام) ومن سواحلها طرابلس.
وفي كتاب الأربعين البلدانية للحافظ أبي القاسم علي بن هبة الله بن عساكر أن دمشق أم الشام وأكبر بلدانه وهي من الأرض المقدسة.
الرابع: حمص قيل لا تدخلها حية ولا عقرب.
وقال قتادة: نزلها خمسمائة صحابي، ومن أعمالها مدينة سليم.
صفحہ 310
الخامس: قنسرين ومدينتها العظمى حلب، ومن أعمالها مدينة سرمين وإنطاكية ويقال: إن بها حبيب النجار، وذكرنا لكل قسم من هذه الأقسام بلدا ومعاملات، وفي بعض الأجزاء اتفق العلماء على أن الشام أفضل البقاع بعد مكة والمدينة.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام- (رحمه الله)- في تأليفه ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام : وبعد فأحمد الله تعالى على أن حبب إلينا الإيمان وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وجعلنا من أهل الشام، الذي بارك فيها للعالمين، وأسكنه الأنبياء والمرسلين والأولياء المخلصين وحفه بملائكته المقربين، وجعله في كفالة رب العالمين وجعل أهله على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم إلى يوم الدين، وجعله معقل المؤمنين وملجأ اللاجئين، سيما دمشق الموصوفة في القرآن المبين أنها ذات قرار ومعين. كذا روي عن سيد المرسلين وجماعة من المفسرين وبها ينزل عيسى ابن مريم لإعزاز الدين ونصر الموحدين وقتل الكافرين وبغوطتها عند الملاحم فسطاط المسلمين، ثم قال: قد قوى الله سبحانه حظ دمشق مما أجرى فيها من الأنهار وسلسلة من مياهها خلال المنازل والديار، وأنبته بظاهرها من الحبوب والثمار والأنهار، وجعلها موطنا لعباده الأخيار، وساق إليهما صفوته من الأبرار. وما ذكره علماء السلف في تفسير كتابه العزيز المختار، وما ورد من حث النبي- (صلى الله عليه وسلم)- على سكناها وما تكفل لها ولأهلها إلى غير ذلك من الأخبار والآثار فمنه ما:
رواه الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي إدريس الخولاني عن عبد الله ابن حوالة الأزدي عن رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- أنه قال:
«ستجندوا لي أجنادا» وقال: «جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن»، فقال الخولاني: خر لي يا رسول الله فقال: «عليكم بالشام فمن أبى فليلحق
صفحہ 311
بيمنه وليسق من غدره فإن الله تكفل لي بالشام وأهله» فكان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث التفت إلى ابن عامر: من تكفل الله به فلا ضيعة عليه (1).
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى عبد الله بن حوالة الصحابي قال: قال رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: «رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة فقلت ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام.
أمرنا ربنا أن نضعه بالشام، وبينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله قد تجلى في الأرض فأتبعته بصري، فإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع بالشام» فقال ابن حوالة: يا رسول الله خر لي فقال: «عليك بالشام» (2).
وبسنده إلى أبي الحسن بن شجاع الربعي إلى كعب أن رجلا قال له:
أريد الخروج أبتغي فضل الله عز وجل قال: عليك بالشام فإن ما نقص من بركة الأرضين يزاد بالشام (3).
وبسنده إلى كعب أيضا قال تخرب الدنيا قال: أو الأرض قبل الشام بأربعين عاما (4).
وبسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: «مكة آية الشرف، والمدينة معدن الدين، والكوفة فسطاط الإسلام والبصرة فخر العابدين، والشام موطن الأبرار ومصر عش إبليس
صفحہ 312
وكهفه ومستقره والزنا في الزنج والصدق في النوبة والبحرين منزل مبارك والجزيرة معدن الفتك. وأهل اليمن أفئدتهم رقيقة ولا يبدؤهم الرزق، والأئمة من قريش وسادات الناس بنو هاشم» (1).
وبسنده إلى ابن حوالة أيضا عن النبي- (صلى الله عليه وسلم)- أنه قال:
«ستكون أجنادا مجندة شام ويمن وعراق والله أعلم بأيها بدأ ألا وعليكم بالشام ألا وعليكم بالشام ألا وعليكم بالشام فمن كره فعليه بيمنه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (2).
وبسنده إلى واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- يقول لحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل وهما يستشيرانه في المنزل فأومأ إلى الشام ثم سألاه فأومأ إلى الشام قال: «عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من عباده فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (3).
وبسنده إلى جبير بن نفير عن عبد الله بن حوالة قال: كنا عند رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- فشكونا إليه الفقر والعري وقلة الشيء فقال- (صلى الله عليه وسلم)-: «أبشر فو الله لا أنا من كثرة الشي أخوف عليكم من قلته». الحديث، وفيه: فقال ابن حوالة قلت: فاختر لي إن أدركني ذلك قال:
«أختار لك الشام فإنها صفوة الله من بلاده وإليه يجبى صفوته من عباده، يا أهل الشام عليكم بالشام فإن صفوة الله من الأرض الشام، فمن أبى
صفحہ 313
فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (1).
ورواه صاحب ترغيب أهل الإسلام بلفظ آخر عن ابن حوالة قال: يا رسول الله اختر لي بلدا أكون فيها فلو أعلم أنك تبقى لي لم أختر على قربك شيئا قال: «عليك بالشام فلما رأى كراهتي للشام قال: أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله يقول للشام أنت صفوتي من أرضي أدخل فيك خيرتي من عبادي، إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله» (2).
وهذه شهادة رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- باختيار الشام وتفضيلها وباصطفائه ساكنيها واختياره لقاطنيها وقد رأينا ذلك بالمشاهدة وأن من رأى صالحي أهل الشام ونسبتهم إلى غيرهم رأى بينهم من التفاوت ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم.
وقال عطاء الخراساني لما هممت بالنقلة شاورت من بمكة والمدينة والكوفة والبصرة وخراسان من أهل الكتاب فقلت: أين ترون لي أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقولون عليك بالشام.
قال صاحب كتاب الأنس بسنده إلى ابن عباس- رضي الله عنه- قال:
قال رجل لرسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: إني أريد الغزو فقال له رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: «عليكم بالشام وأهله ثم الزم عسقلان فإنه إذا دارت الرحى في أمتي كان أهل عسقلان في راحة وعافية» (3).
صفحہ 314
وبسنده إلى أبي أمامة قال:" لا تقوم الساعة حتى يتحول خيار أهل العراق إلى الشام ويتحول شرار أهل الشام إلى أهل العراق وقال: رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: «عليكم بالشام قالها ثلاثا» (1).
وبسنده إلى عبد الله بن عمر- رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الفجر، ثم انفتل فأقبل على القوم فقال: «اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا أو صاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا وبارك لنا في شامنا ويمننا» فقال رجل: والعراق يا رسول الله فقال: «من ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن».
وذكره في مثير الغرام بأخصر منه، ثم قال: أخرجه البخاري في صحيحه (2).
روى صاحب كتاب الأنس بزيادة لفظ بعد قوله شامنا" اللهم اجعل مع البركة بركة" (3).
وبسنده إلى أبي مسلم في قوله عز وجل ادخلوا الأرض
صفحہ 315
المقدسة (1). قال: كان ستة رجال يحملون عنقود وأربعة رجال يحملون رمانة ورجلان تينة.
وبسنده إلى أبي الحسن بن شجاع الربعي عن كعب قال: إن الله تعالى بارك في الشام من العريش إلى الفرات (2).
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى حكيم بن حزام عن معاوية عن أبيه قال: قال رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: «تحشرون ها هنا وأومأ بيده إلى الشام مشاة وركبانا وعلى وجوهكم وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الختام فأول ما يعرب عن أحدكم فخذه»، وتلى رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم (3)(4).
وبسنده إلى أبي الحسن قال:" الشام أرض المحشر والمنشر" (5).
عن الوليد بن صالح الأزدي قال: في الكتاب الأول إن الله عز وجل يقول للشام: أنت الأندر ومنك المنشر، وإليك المحشر (6).
وعن يحيى بن أيوب عن زيد بن ثابت بينا نحن عند رسول- (صلى الله عليه وسلم)- نؤلف القرآن من الرقاع، إذ قال: «طوبى للشام» قيل: ولم يا
صفحہ 316
رسول الله قال: «ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها» (1).
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى واثلة بن الأسقع قال:" إن الملائكة تغشى مدينتكم هذه يعني دمشق ليلة الجمعة فإذا كانت بكرة النهار فافترقوا على أبوابها براياتهم وبنورهم ثم ارتفعوا وهم يدعون الله اللهم اشف مريضهم ورد غائبهم" (2).
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-:
«الخير عشرة أعشار تسعة في الشام وواحدة في سائر البلدان، وإذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم» (3).
وروى الطبراني في معجمه الكبير عن عبد الله بن مسعود موقوفا عليه قال: قسم الله الخير عشرا عشرا فجعل تسعة أعشار بالشام وبقيته في سائر الأرض وقسم الشر عشرة أعشار فجعل جزءا منه بالشام وبقيته في سائر الأرض (4).
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى عبد الله بن عمر أن النبي- (صلى الله عليه وسلم)- قال: «دخل إبليس العراق فقضى حاجته منها ثم دخل الشام
صفحہ 317
فطردوه حتى بلغ ميسان ثم دخل مصر فباض وفرخ وبسط عبقريه» (1). قال ابن وهب: أحد رواته كان ذلك في فتنة عثمان- رضي الله عنه- لأنهم افتتنوا فيه وسلم أهل الشام.
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى أبي الدرداء- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: «أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة مرابطون في سبيل الله تعالى فمن اختار منها مدينة من المدائن فهو في رباط ومن اختار فيها ثغرا من الثغور فهو في جهاد» (2).
وبسنده إلى معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي- (صلى الله عليه وسلم)- أنه قال: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ولا تزال طائفة من أمتي منصورين على الناس لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة» (3).
وبسنده إلى خريم بن فاتك الأسدي الضحاك أنه سمع رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: يقول: «أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده» (4).
وفي لفظ من رواية كعب أنه قال: «أهل الشام سيف من سيوف الله ينتقم بهم ممن عصاه في أرضه» (5).
وعن [عوف] (6) بن عبد الله بن عتبة قال: قرأت فيما نزل على بعض
صفحہ 318
الأنبياء: الشام كنانتي فإذا غضبت على قوم رميتهم منها بسهم (1).
وروى صاحب كتاب الأنس بسنده إلى شهر بن حوشب قال: لما فتح معاوية بن أبي سفيان مصر جعل أهل مصر يسبون أهل الشام فقال عوف:* * * وأخرج وجهه من برنسه- يا أهل مصر أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- يقول: «فيهم الأبدال وبهم ترزقون وبهم تنصرون» (2).
وبسنده إلى الزهري عن عبد الله بن صفوان قال: قال رجل: يوم صفين اللهم العن أهل الشام فقال علي- رضي الله عنه-: لا تسبوا أهل الشام جما غفيرا فإن بها الأبدال (3).
وبسنده إلى عياش بن عباس القتباني أن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: الأبدال من الشام والنجباء من أهل مصر ، والأخيار من العراق.
وفي مثير الغرام عن شريح بن عبيد قال: ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- فقال: العنهم يا أمير المؤمنين فقال: لا إني سمعت رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- يقول: «الأبدال بالشام وهم أربعون كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يستسقى بهم الغيث، وينتصر بهم على الأعداء، ويصرف عن الشام بهم العذاب» (4).
صفحہ 319
رواه أحمد في مسنده.
وروى أبو الأسعد هبة الرحمن بن هوازن بسنده إلى أنس عن النبي- (صلى الله عليه وسلم)-: «بدلاء أمتي اثنان وعشرون بالشام وثمانية عشر بالعراق، كلما مات واحد أبدل الله مكانه آخر إذا جاء الأمر قبضوا» (1).
وأما مواطنهم فإنهم لا يبرحون في الغالب عنه.
وقال الفضيل بن فضالة: الأبدال بالشام خمسة وعشرون رجلا بحمص وثلاثة عشر بدمشق ورجلان ببيسان.
وقال الحسن بن يحيى سبعة عشر بدمشق وأربعة ببيسان، وبالشام مواطن أكثر الأنبياء ومواضع العباد والزهاد وبها الأبدال وسكناهم بجبل اللكان ويقال اللكام، وبجبل (2) لبنان.
وأما كونها عقر دار المؤمنين:
فقد روى جبير بن نفير عن النواس بن سمعان فقال: فتح على رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)- فتح فقالوا: يا رسول الله سبيت الخيل ووضع السلاح وضعت الحرب أوزارها وقالوا: لا قتال. فقال: «كذبوا الآن جاء القتال، لا يزال أمر الله عز وجل يزيغ قلوب قوم فيرزقهم منه حتى يأتي أمر الله على ذلك» (3).
صفحہ 320
وعقر دار المؤمنين بالشام يعني: أصلها بفتح العين وضمها.
وقال ثابت: معظمها.
وقال أبو زيد: عقر دار القوم وطنهم.
وقال يعقوب: العقر البناء المرتفع.
وعن سلمة بن نفيل قال: كنت جالسا عند النبي- (صلى الله عليه وسلم)- فقال: «يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وإنكم ستبقون أفنادا يضرب رقاب بعضكم بعض ولا يزال من أمتي أناس يقاتلون على الحق ويرفع الله بهم قلوب أقوام ويرزقهم الله منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله والخيل معقود في نواصيها الخير وعقر دار الإسلام بالشام» (1).
خرجه النسائي في سننه والإمام أحمد في مسنده.
وروي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أن يزيد بن أبي سفيان ومن معهم كتبوا إلى أبي بكر إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق.
ويقال: بناحية عين الثمر وقد فتح الله القادسية وجلولاء وأمير الجيش يومئذ سعد بن أبي وقاص وكتب إليه أن انصرف بثلاثة. آلاف فارس فأمد إخوانك بالشام، والعجل العجل إلى إخوانكم بالشام فو الله لقرية من قرى الشام يفتحها الله على المسلمين أحب إلي من رساتيق العراق ففعل خالد
صفحہ 321
وشق الأرض هو ومن معه حتى خرج إلى ضمير فوجد المسلمين معسكرين بالجابية فنزل خالد على شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص فاجتمع هؤلاء الأربعة يبرمون أمر الحرب وقال رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-: «الا إن عقر دار الإسلام بالشام إلا إن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله إلا إن صفوة الله من بلاده يسير إليها صفوته من عباده لا ينزع إليها إلا مرحوم ولا يرغب عنها إلا مفتون» (1).
وروي أن أبا بكر بن سليمان بن الأشعب قال: بالشام عشرة آلاف عين رأت النبي- (صلى الله عليه وسلم)-.
وكذا رواه صاحب كتاب الأنس عن الوليد بن مسلم وقال في ترغيب أهل الإسلام لابن عبد السلام: لما علمت الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- تفضيل الشام على غيره فرحل منهم إليه عشرة آلاف عين رأت رسول الله- (صلى الله عليه وسلم)-.
وروي عن كعب الأحبار أنه قال: عن التوراة في السفر الأول: محمد رسول الله عبدي المختار لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطيبة وملكه بالشام.
قال ابن عبد السلام: الذي ذكره كعب الأحبار موافق للمشاهدة والأعيان فإن قوة الشام وعظيم أخبارها من أهل البسالة والشجاعة بالشام.
قال كعب الأحبار: إن الله سبحانه وتعالى بارك من الفرات إلى العريش (2).
وقد أشار كعب إلى أن البركة بالشام وأن قوله تعالى: الذي باركنا حوله (3) لا يختص بمكان منه دون مكان وإنما هو عام مستوعب لجميع
صفحہ 322
جذور الشام.
قال ابن عبد السلام: فإذا كان الشام وأهله عند الله تعالى بهذه المثابة وهذه المنزلة كانوا في حراسته، وكفالته، ودلت الأدلة على دمشق خير بلاد الشام وكذلك أخبر السلف وشاهد الخلف أن ملك دمشق خير ملوك الأرض فمن بسط منهم عليها الفضل ونشر العدل فيه فإن النصر ينزل عليه من السماء مع ما يحصل في الود في قلوب الأبرار والأولياء الأخيار والعلماء ما يلقيه الله عز وجل من الرعب في قلوب الأضداد والأغيار والأشرار والفجار ومن عاملهم من ملوك الإسلام بخلاف ذلك أحل الله فيهم الضراء وأنزل عليهم نوعا من البأساء وأخذهم بالجبروت والكبرياء؛ فإن الله تعالى لا يهمله بل يعاجله باستلاب ملكه في حياته وبإلقاءه في أنواع البلاء وفتح أبواب الشقاء حتى يأخذه على غرة، وذلك لأنهم في كفالة رب السماء والأرض كما أخبر به خاتم الأنبياء. وكيف لا يكون ذلك وقد اتصلت أذيته بالأبدال وهم أكابر الأولياء لقول علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: لا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم (1).
وقال أبو هريرة- رضي الله عنه-: لا تسبوا أهل الشام فإنهم جند الله المقدم.
وقد قال- (صلى الله عليه وسلم)- حكاية عن ربه عز وجل: «من آذى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ومن بارز الله بالمحاربة كان جديرا أن يأخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد» (2).
وقال- (صلى الله عليه وسلم)-: « [اللهم من ولي من أمر المسلمين
صفحہ 323
شيئا فأرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمرهم شيئا فشق عليهم فاشقق اللهم عليه] (1)، [والمقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا]» (2).
وصح أنه- (صلى الله عليه وسلم)- قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل ..» (3) الحديث بطوله.
بدأ به لأنه تجري على يده مصالح عامة شاملة بجميع عباد الله والخلق عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله.
وقال موسى (عليه السلام) لبني إسرائيل: ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون، فيجب على ولاة الأمور أن يستحيوا من نظر الله عز وجل.
صح أن دمشق أفضل بقاع الشام ما عدا بيت المقدس، ومما يدل على بركتها وأفضلية أهلها لكثرة ما فيها من الأوقاف على أنواع القربات ومشارف الخيرات، وأن مسجدها الأعظم في معظم الليل والنهار لا يخلو من قارئ لكتاب الله تعالى، أو مصل أو ذاكر أو عالم أو متعلم.
ومما يحكى عن صيانة أهلها ودينهم ما روى عبد الرحمن بن زيد بن جابر قال: باعت امرأة طستا في سوق الصفر بدمشق، فوجده المشتري ذهبا فقال لها: لم أشتره إلا على أنه صفر، فإذا هو ذهب فهو لك. فقالت: ما ورثناه إلا على أنه صفر، فإن كان ذهبا فهو لك، فاختصما إلى الوليد بن عبد الملك وأحضر رجاء بن حيوة وقال له: انظر فيما بينهما، فعرضه رجاء على المرأة فأبت أن تقبله، فعرضه على الرجل فأبى أن يقبله فقال: يا أمير المؤمنين
صفحہ 324
أعطها ثمنه واطرحوه في بيت المال.
وقال زيد بن جابر: رأيت سوارا وزنه ثلاثون مثقالا معلقا في قنديل من قناديل مسجد دمشق أكثر من شهر، لا يأتيه أحد فيأخذه.
كذا ذكره ابن عبد السلام في كتاب ترغيب أهل الإسلام.
واعلم أن في دمشق وضواحيها أماكن فاضلة، منها: مسجد الأعظم وقد تقدم في معناه عن قول الله عز وجل لجبل قاسيون: سأبني في حضنك أي في وسطك بيتا أعد فيه إلى آخره.
وتقدم أيضا في الجبال المقدسة والكلام عليها، عن قتادة أنه قال: جامع دمشق نقل ذلك عن الدرفس الغساني الدمشقي.
وفي تفسير قوله تعالى: والتين قال القرطبي: مسجد دمشق كان بستانا لهود (عليه السلام) فيه تين.
وعن عثمان بن أبي عاتكة قال: قبلة مسجد دمشق قبر هود النبي (عليه السلام).
وعلى ذكر مسجد دمشق الموعود بذكر وابتداء وضعه، وذكر بانيه وابتداء عمارته، أقول:
قال ابن شاكر الكتبي في تاريخه" عيون التواريخ": في السنة السادسة والتسعين من الهجرة تكامل بناء الجامع الأموي بدمشق على يد بانيه الوليد ابن عبد الملك بن مروان الخليفة- جزاه الله عن المسلمين خيرا-، وكان ابتداء عمارته سنة ست وثمانين من الهجرة، فمدة عمارته عشر سنين، وكان أصل موضع الجامع قديما معبدا ابتنته اليونان، وكانوا يعبدون الكواكب السبعة، وهي: القمر في السماء الدنيا، وعطارد في الثانية، والزهرة في الثالث، والشمس في الرابع، والمريخ في الخامسة، والمشتري في السادسة، وزحل في السابعة، وكانوا قد جعلوا أبواب دمشق على عدد الكواكب، فصوروا زحل
صفحہ 325