Explicit Reason in Harmony with Tradition: A Discussion of Three Tafseers Arranged by the Order of Revelation

Arfa Bin Tantaoui d. Unknown

Explicit Reason in Harmony with Tradition: A Discussion of Three Tafseers Arranged by the Order of Revelation

صريح المعقول الموافق لصريح المنقول في مناقشة ثلاثة تفاسير رتبت على ترتيب النزول

اصناف

مُلَخَّصُ البَحْثِ فهذ بحث موسوم بـ "صَحِيِحِ المَعْقُوُلِ المُوَافِقِ لِصَرِيِحِ المَنْقُوُلِ فِيِ مُنَاقَشَةِ ثَلَاثَةِ تَفَاسِيِرَ رُتِّبَتْ عَلى تَرْتِيِبِ النُّزُوُلِ". تناوله الباحثُ في فصلين: أما الفصل الأول: فقد تناول فيه الباحثُ مبحثَ ترتيبِ الآيات في السور ودلل على أنه ترتيب توقيفي، ثم تناول مبحث ترتيب السور ومذاهب العلماء فيه، ثم دلل على أنه ترتيب توقيفي، ثم ذكر بداية ومصدر مخالفة ومعارضة هذا الترتيب، ثم عرَّج على ذكر أبرز الداعين له من المستشرقين ومن تأثر بهم المعاصرين- كذلك-. وأما الفصل الثاني: فقد قام الباحث بعرض التفاسير الثلاثة التي خالفت الترتيب المصحفي، ثم تناول التعريف بكل تفسير ومؤلفه ومنهجه وعقيدته ودوافعه لمخالفة هذا الترتيب وأسباب جنوحه للترتيب النزولي، ثم ناقش تلك الدوافع وفندها، ثم بيَّن أن مُفْتَتِحُو هذا الباب لم تتحقق لهم مآربهم، ثم ختم ببيان وجوب احترام الترتيب المصحفي الذي أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول. المقدمة الحمد لله الذي أنزل كتابه المجيد على أحسن أسلوب وبهر بحسن أساليبه وبلاغة تركيبه القلوب، نزله آيات بينات، وفصله سورا وآيات، ورتبه بحكمته البالغة أحسن ترتيب، ونظمه أعظم نظام بأفصح لفظ وأبلغ تركيب، وصلى الله على من أُنزل إليه لينذر به وذكرى على قلبه الشريف فنفى عنه الحرج وشرح له صدرا، وعلى آله وصحبه مهاجرة ونصرا … (^١). أما بعد:

(^١) ينظر أسرار ترتيب القرآن للسيوطى (ص: ٦٥) أسرار ترتيب القرآن المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطى (المتوفى: ٩١١ هـ) الناشر: دار الفضيلة للنشر والتوزيع، عدد الأجزاء: ١.

توطئة [¬*] فإن هذه توطئة هامة يقدمها الباحث بين يدي بحثه هذا، والذي قد وسمه بـ" صَحِيِحِ المَنْقُوُلِ المُوَافِقِ لِصَرِيِحِ المَعْقُوُلِ فِيِ مُنَاقَشَةِ ثَلَاثَةِ تَفَاسِيِرَ رُتِّبَتْ عَلى تَرْتِيِبِ النُّزُوُلِ"، ويقف فيها الباحث وقفات هامة حول جملة من خصائص وفضائل القرآن العظيم المتعلقة ببحثنا على النحو التالي: أولًا: القرآن هو المُعجِزة الخالدة الباقية إن القرآن الكريم هو المُعجِزة الخالدة التي بُنِيَت عليها نُبُوَّة ورسالة خاتم النبيِّين والمرسلين نبينا محمد ﷺ، فقد أنزله الله عليه كتابه الخاتم وجعله معجزة وبرهانًا على صدق نبوته ورسالته. ومصداق ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ ﷺ قَالَ: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى الله إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (^١) ومن كلام الله سبحانه: القرآن العظيم، وهو كتاب الله المبين، وحبله المتين، وصراطه المستقيم، وتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، بلسان عربي مبين، منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وهو سور محكمات، وآيات بينات، وحروف وكلمات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، له أول وآخر، وأجزاء وأبعاض، متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف، فيه محكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وخاص وعام، وأمر ونهي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: ٤٢). (^٢) فالقرآن الكريم - الذي هو كلامُ الله ووحيُه وتنزيلُه - منزَلٌ غيرُ مخلوقٍ، مُعْجِزٌ في نَظْمِه، لا يُشْبِهُه شيءٌ مِنْ كلام المربوبين، ولا يقدر على مِثْلِه أحَدٌ مِنْ المخلوقين، "الذي في مَصاحِفِ المسلمين، لم يَفُتْ منه شيءٌ، ولم يَضِعْ بنسيانِ ناسٍ، ولا ضلالِ صحيفةٍ، ولا موتِ قارئ، ولا كتمانِ كاتمٍ، ولم يُحرَّفْ منه شيءٌ، ولم يُزَدْ فيه حرفٌ، ولم يُنْقَصْ منه حرفٌ، كُلُّه حقٌّ مِنْ عندِ الله، ولو كذَّب به أعداءُ الرُّسُل (^٣) مِنْ الكُفَّار والمُشْرِكين والمُلْحِدين ومَن سارَ على نهجِهم مِنْ الفلاسفة وأهلِ الأهواء". (^٤)

(^١) أخرجه مسلم حديث (١٥٢)، وأخرجه البخاري في " كتاب فضائل القرآن "، " باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل" حديث (٤٩٨١). (^٢) - لمعة الاعتقاد: (ص: ٢٢ - ٢٨). (^٣) - شُعَب الإيمان للبيهقي (١/ ٣٢٦). (^٤) - يُنظر: شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العزِّ (٣٣٣). [¬*] (تعليق الشاملة): هذه التوطئة ليست في المطبوع من المجلة، وهي ثابتة في أصل البحث المرسل لنا من المؤلف، حفظه الله

ثانيًا: القرآن هو المُعجِزة التي عمَّتْ الثَّقَلَيْن وهذه المُعجِزة - القرآن- معجِزة عامَّة- تحدى الله بها، وقد عمَّ التحدي بها الثَّقَلَيْن جميعًا، وهي معجِزة باقية بقاءَ الدهر كما قال ربنا: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: ٨٨). وهذا أمر من الله لنبيه ﷺ بإعلان هذا التحدي ليسمع بها الثقلين، لأن التحدي قد عمَّهم جميعًا. فأخبرَ أنَّه لو اجتمعت الإنسُ والجِنُّ كُلُّهم، واتَّفَقوا على أن يأتوا بمِثلِ ما أنزَلَه على رسولِه، لما أطاقوا ذلك وما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتضافروا، فإنه أمر لا يستطاع. (^٥) ومعنى الاجتماعِ: الاتفاقُ واتحادُ الرأي، أي: لو تواردت عقولُ الإنسِ والجِنِّ على أن يأتيَ كُلُّ واحدٍ منهم بمِثلِ هذا القرآنِ لَما أتَوا بمثله. فهو اجتماعُ الرأيِ لا اجتِماعُ التعاون، كما تدُلُّ عليه المبالغةُ في قولِه بَعدَه: وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا، - وهذا الاجتماع إنما هو- اجتماعُ تظافُرٍ على عمَلٍ واحدٍ، ومقصَدٍ واحدٍ. (^٦) والمعنى المقصود هنا هو أنهم لو اتَّفَقت أراؤهم وتضافرت جهودهم مجتمعين على أن يأتُوا بمِثلِ هذا القُرآنِ في فصاحته وبلاغَتِه وحُسنِ أسلوبه وروعة بيانه وجودة سبكه وحُسنِ نَظْمِه ورصانة مَعانيه وكمال مقاصده وبعد مراميه؛ لَما أطاقوا ذلك أبدًا وما استَطاعوا أن يبلغوه ولو تآلفوا واجتمعوا وتعاونوا على ذلك متعاضدين متناصرين. وقوله: (وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) أي: لا يَأتونَ بمِثلِه ولو تعاوَنَ الإنسُ والجِنُّ، وتناصَروا على ذلك، فكيف بهم إذا حاولوا ذلك مُتفَرِّقينَ؟!. (^٧) فقد تَحَدَّاهم اللهُ أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله مفتريات، كما تحداهم أن يأتوا بأقصر سورة منه - كذلك- (^٨) فعجَزُوا عن ذلك جميعًا رغم توافر الدواعي لديهم. وكيف يقدر المخلوق من تراب أن يكون كلامه ككلام ربِّ العالمين، أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من جميع الوجوه، هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل مَنْ له أدنى ذوق ومعرفة بأنواع الكلام، إذا وَزَنَ هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء ظهر له الفرق العظيم. (^٩)

(^٥) - تفسير ابن كثير: (٥/ ١١٧). (^٦) تفسير ابن عاشور: (١٥/ ٢٠٣). (^٧) يُنظر: (تفسير ابن جرير) (١٥/ ٧٥)، (تفسير القرطبي) (١٠/ ٣٢٧)، (تفسير ابن كثير) (٥/ ١١٧)، (تفسير الطاهر بن عاشور) (١٥/ ٢٠٣). (^٨) - وتأمَّل آيات التَّحدي في أرقام آيات السور التالية: (البقرة: ٢٣)، (يونس: ٣٨)، (هود: ١٣)، (طور: ٣٤). (^٩) - تفسير ابن سعدي: (١/ ٤٦).

ثالثًا: القرآن هو المُعجِزة التي يُعَدُ سماعها حجة وإن التحدي بهذه الحجَّة ولُزُومها باقٍ مِنْ أوَّل وُرودها إلى أن يُرفَعَ القرآنُ في آخر الزمان، بل إن التحدي بها باق - كذلك- إلى يوم القيامة وقد أكد الله تعالى قيام الحجة بالقرآن على المشركين في قوله سبحانه: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ) (التوبة: ٦). فلولا أن سماعه حجّة عليه لم يقف أمره على سماعه ولا يكون حجّة إلّا وهو معجز. (^١٠) وجِيءَ بحرْفِ (إن) التي شأنُها أنْ يكونَ شَرْطُها نادرَ الوقوعِ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ هذا شَرْطٌ فَرْضيٌّ؛ لكيلَا يَزعمَ المشرِكون أنَّهم لم يَتمكَّنوا من لِقاءِ النبيِّ ﷺ، فيتَّخِذوه عُذْرًا للاستمرارِ على الشِّركِ إذا غَزاهُم المسلِمون. (^١١)

(^١٠) - إعجاز القرآن (ص ٢٨) للباقلاّني. (^١١) -تفسير الطاهر بن عاشور: (١٠/ ١١٧).

رابعًا: القرآن - المعجِز- هو كلام الله، منزل غير مخلوق فقوله: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) فيه حُجَّةٌ صَريحةٌ لِمَذهَبِ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ، القائلينَ بأنَّ (القُرآنَ كَلامُ اللهِ غيرُ مَخلوقٍ)؛ لأنَّه تعالى هو المتكَلِّمُ به، وأضافه إلى نفسِه إضافةَ الصِّفةِ إلى موصوفِها، وبُطلانُ مذهَبِ المُعتَزلةِ ومَن أخذَ بِقَولهم: إنَّ القُرآنَ مَخلوقٌ. (^١٢) وقوله: (القُرآنَ كَلامُ اللهِ غيرُ مَخلوقٍ) فيه نصٌّ صريحٌ في أنَّ هذا الذي نَقرؤُه ونَتلُوه، هو بِعَينِه كلامُ الله، فالصَّوتُ صَوتُ القارِئِ، والكلامُ كَلامُ البارِئِ؛ لأنَّ اللهَ صرَّح بأنَّ هذا المُشرِكَ المُستجيرَ يَسمَعُ كَلامَ اللهِ، يتلوه عليه نبيُّ اللهِ ﷺ. فهذا المحفوظُ في الصُّدورِ، المقروءُ في الألسِنةِ، المكتوبُ في المصاحِفِ؛ هو كلامُ اللهِ جَلَّ وعلا، بمعانيه وألفاظِه. (^١٣) والصواب الذي عليه سلف الأمة، كالإمام أحمد والبخاري صاحب الصحيح في كتاب (خلق أفعال العباد)، وغيره، وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم- أتباع النصوص الثابتة، وإجماع سلف الأمة، وهو أن القرآن جميعه كلام الله، حروفه ومعانيه، ليس شيء من ذلك كلامًا لغيره … وأن الله يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح. (^١٤) قال الإمام الطحاوي (ت: ٣٢١ هـ) ﵀: وإنّ القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذَمَّه الله وعَابَهُ وأوعده بسقر حيث قال تعالى: (سأُصلِيه سَقَر) (المدثر: ٢٦)، فلما أوْعَدَ بِسَقَر لمن قال (إنْ هذا إلا قول البشر) (المدثر: ٢٥) عَلِمْنَا وأيْقَنَّا أنَه قولَ خالقِ البَشَر ولا يُشْبِه قول البشر. (^١٥) قال ابن أبي حاتم (ت: ٣٢٧ هـ) ﵀: " سألت أبي وأبا زُرْعَةَ عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار: حجازًا، وعراقًا، وشامًا، ويمنًا، فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته. (^١٦)

(^١٢) - يُنظر: (تفسير ابن سعدي) (ص: ٣٢٩). (^١٣) يُنظر: (العذب النمير) للشنقيطي (٥/ ٢٨٠). العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ المؤلف: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى: ١٣٩٣ هـ) المحقق: خالد بن عثمان السبت إشراف: بكر بن عبد الله أبو زيد الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة الطبعة: الثانية، ١٤٢٦ هـ عدد الأجزاء: ٥. (^١٤) - مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية: (١٢/ ٢٤٣ - ٢٤٤). (^١٥) شرح العقيدة الطحاوية: (ص: ١٧٩). (^١٦) - أخرجه ابن جرير الطبري في " السنة ": (١/ ١٧٦) بسند صحيح، ويُنظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لأبي القاسم اللالكائي: (١/ ١٩٨).

خامسًا: القرآن كلام الله- المعجز- تكلم الله به بحرف وصوت والقرآن عند أهل السنة هو كلام الله تعالى حقيقة -حروفًا ومعاني-، وأنه سبحانه تكلم به بحرف وصوت، وسمعه جبريل، وقد تكلم السلف في الحرف والصوت وذكروا أدلته، وتكلموا في حكم من أنكره. ولكن لما وجد - في أهل البدع - من ينكر الحرف والصوت لينكروا كلام الله، بيَّن السلف أن كلام الله شامل للحروف والمعاني، وأنه تعالى يتكلم بصوت، كما يصفونه بما ورد من التكليم، والمناداة، والمناجاة. (^١٧) قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البخاري (ت: ٢٥٦ هـ) ﵀: سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَرَكَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُهُمْ وَاكْتِسَابُهُمْ وَكِتَابَتُهُمْ مَخْلُوقَةٌ، فَأَمَّا الْقُرْآنُ الْمَتْلُوُّ الْمُبَيَّنُ الْمُثَبَّتُ فِي الْمُصْحَفِ الْمَسْطُورُ الْمَكْتُوبُ الْمُوعَى فِي الْقُلُوبِ فَهُوَ كَلَامُ اللهِ لَيْسَ بِخَلْقٍ، قَالَ اللَّهُ تعالى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت من آية: ٤٨). وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: فَأَمَّا الأَوْعِيَةُ فَمَنْ يَشُكُّ فِي خَلْقِهَا؟. " (^١٨) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨: هـ) ﵀: " إذَا قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ بِأَصْوَاتِنَا الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي لَا تُمَاثِلُ صَوْتَ الرَّبِّ، فَالْقُرْآنُ الَّذِي نَقْرَؤُهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، مُبَلَّغًا عَنْهُ لَا مَسْمُوعًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهُ بِحَرَكَاتِنَا وَأَصْوَاتِنَا، الْكَلَامُ كَلَامُ الْبَارِي، وَالصَّوْتُ صَوْتُ الْقَارِئِ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعَ الْعَقْلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة: ٦) وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ " (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ). (^١٩) قال العلامة ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) ﵀: في "الكافية الشافية": "واللهُ رَبِّي لم يَزَلْ مُتَكَلِّمًا … وكَلامُه المسموعُ بالآذانِ صِدقًا وعَدْلًا أُحْكِمَتْ كَلماتُه … طَلَبًا وإخبارًا بلا نُقصانِ. (^٢٠) وقال الشيخ حافظ حَكَمي (ت: ١٣٧٧: هـ) ﵀: وَالْقَوْلُ فِي كِتَابِهِ الْمُفَصَّلْ … بِأَنَّهُ كَلَامُهُ الْمُنَزَّلْ عَلَى الرَّسُولِ الْمُصْطَفَى خَيْرِ الْوَرَى … لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بِمُفْتَرَى يُحْفَظُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ … يُتْلَى كَمَا يُسْمَعُ بِالْآذَانِ كذَا بِالَابْصَارِ إِلَيْهِ يُنْظَرُ … وَبِالْأَيَادِي خَطُّهُ يُسَطَّرُ وَكُلُّ ذِي مَخْلُوقَةٌ حَقِيقَهْ … دُونَ كَلَامِ بَارِئِ الْخَلِيقَهْ جَلَّتْ صِفَاتُ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ … عَنْ وَصْفِهَا بِالْخَلْقِ وَالْحَدَثَانِ فَالصَّوْتُ وَالْأَلْحَانُ صَوْتُ الْقَارِي … لَكِنَّمَا الْمَتْلُوُّ قَوْلُ الْبَارِي مَا قَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبْدِيلَا … كَلَّا وَلَا أَصْدَقُ مِنْهُ قِيلَا. (^٢١)

(^١٧) - المرجع السابق: (٦/ ٥١٨). (^١٨) - يُنظر: خلق أفعال العباد: (٢/ ٧٠). (^١٩) - صححه الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢/ ٢٧٠)، ويُنظر تخريجه في البدر المنير (٩/ ٦٣٧)، يُنظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: (١٢/ ٩٨)، ونفس المصدر: (١٢/ ٥٣). (^٢٠) - مِنْ "الكافية الشافية": (البيتان: ٥٥٦ - ٥٥٧). (^٢١) - يُنظر: منظومة سُلَّمُ الوصولِ إلى علمِ الأصولِ في علمِ التوحيد، لحافظ أحمد حكمي، نسخة مصححة عن: مركز جنات للدراسات، (الأبيات من: ٥٢ - ٥٩)

سادسًا: القرآن -المُعجِز- هو الكتاب الذي هيمن على الكتب المنزلة قبله وقد جعل اللهُ القرآنَ مهيمنًا على الكتب السابقة وحاكمًا عليها كما قال سبحانه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (المائدة من آية: ٤٨). و(المهيمن): الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله (^٢٢) (وَمُهَيْمِنًا) أي: حاكمًا على ما قبله من الكتب. (^٢٣) (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ): أي: مصدقًا عليه، كل شيء أنزله الله من توراة أو إنجيل أو زبور فالقرآن مصدق على ذلك، وكل شيء ذكر الله في القرآن فهو مصدق عليها وعلى ما حدث عنها أنه حق. (^٢٤). وإنما كان القرآن مهيمنًا على الكتب لأنه الكتاب الذي لا يصير منسوخًا البتة، ولا يتطرق إليه التبديل والتحريف على ما قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩). (^٢٥) - وقد - جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها؛ حيث جمع فيه محاسن ما قبله من الكمالات ما ليس في غيره، فلهذا جعله شاهدًا، وأمينًا، وحاكمًا عليها كلها، وتكفل تعالى حفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩). فهو محفوظ بحفظ الله ﷿ إلى قيام الساعة، شاهد على هذه الكتب، مبين ما حرف منها، وحاكم بما أقره الله وأمر به من أحكامها، وناسخ ما نسخه الله منها، وهو أمين عليها في ذلك كله. (^٢٦) وأهل السنة والجماعة مقرون بأن القرآن الكريم هو الكتاب المهيمن والحاكم على جميع الكتب المنزلة السابقة، والحافظ لكل كتاب قبله؛ وشاهد على كل تلك الكتب جميعًا بأنها وحيٌ منزلٌ من عند الله تعالى أنزله سبحانه على رسله، وأنه مصدق على ما فيها من الحق، نافيًا عما أُلحِق بها من باطل، وأنه حاكم عليها بالنسخ أو التقرير، فما وافقه منها فهو الحق الذي أنزله الله، وما خالفه منها فهو من الباطل الذي نسب إليها، فصارت للقرآن الهيمنة على جميع تلك الكتب المنزلة من كل وجه. - و- السلف كلهم متفقون على أن القرآن هو المهيمن المؤتمن الشاهد على ما بين يديه من الكتب. (^٢٧)

(^٢٢) - تفسير الطبري: م ٤ (٦/ ٣٤٥). (^٢٣) - تفسير ابن كثير: (٢/ ٩٢). (^٢٤) - تفسير الطبري: م ٤ (٦/ ٣٤٦). (^٢٥) -التفسير الكبير للفخر الرازي: (١٢/ ١١). (^٢٦) - يُنظر: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع، لـ"مجموعة مؤلفين": (ص: ٧٤٨). (^٢٧) - مجموع الفتاوى: (١٧/ ٤٣).

سابعًا: القرآن - المعجز- كتاب أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ والقرآن الكريم كتابٌ أُحكمت آياته ثُمَّ فُصِّلَتْ كما قال ربنا: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود: ١) و(فُصِّلَتْ) أي: بُيِّنتْ، وأصلُ (فصل): يدلُّ على تَمييزِ الشَّيءِ مِنْ الشَّيءِ، وإبانتِه عنه. (^٢٨). و(كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) أي: هذا القُرآنُ أتقَنَ اللهُ آياتِه فلا خللَ فيها ولا باطِلَ ولا تَناقُضَ، ثمَّ بُيِّنَتْ بالأخبارِ الصَّادقةِ، والأحكامِ العادلةِ مِنْ أوامِرَ ونواهٍ. (^٢٩) فما تقولون في فضل كتاب أنقذ الله به أمة من جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، دأبهم السلب والنهب، ومعبودهم الأوثان والحجارة، وديدنهم توارث العداوات والأحقاد، لا تعرف من الحق رسمًا. نحلتها ما وجدت عليه آباءها، وما استحسنته أسلافها، من آراء منحرفة، ونحل مخترعة، وملل مبتدعة، فأنزل الله عليهم هذا الكتاب فأنقذهم منها به، وانتشلهم به من أوحالها.

(^٢٨) - يُنظر: مقاييس اللغة، لابن فارس (٤/ ٥٠٥)، البسيط، للواحدي (١١/ ٣٤٣)، تذكرة الأريب، لابن الجوزي (ص: ٣٣٩)، الكليات، للكفوي (ص: ٧٠٠). (^٢٩) - يُنظر: تفسير الطبري: (١٢/ ٣٠٨، ٣١٠)، معاني القرآن، للنحاس (٣/ ٣٢٧، ٣٢٨)، تفسير ابن عطية، (٣/ ١٤٨)، تفسير القرطبي، (٩/ ٢، ٣)، مجموع الفتاوى، لابن تيمية (١٥/ ١٠٦)، (بيان تلبيس الجهمية) لابن تيمية (٨/ ٣٣٧)، تفسير ابن كثير، (٤/ ٣٠٣)، تفسير ابن سعدي، (ص: ٣٧٦).

ثامنًا: القرآن - المعجز- كتاب له فضائل أكثر من أن تُحْصى - فـ - ما تقولون في فضل كتاب ختم الله به الكتب، وأنزل على نبي ختم به الأنبياء، وبدين ختمت به الأديان. (^٣٠) ما تقولون في فضل كتاب فتحت به أمصار، وجثت عنده الركب، ونهل من منهله العلماء، وشرب من مشربه الأدباء، وخشعت لهيمنته الأبصار، وذلت له القلوب، وقام بتلاوته العابدون، والراكعون، والساجدون. ذلكم القرآن الكريم: كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، فلا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه". (^٣١)

(^٣٠) عبارة "الأديان السماوية" يستعاض عنها بكلمة الشرائع السماوية، وذلك لأن الدين واحد لا يتعدد كما قال ربنا: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ..) (آل عمران: من آية: ١٩). وقال الله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة: ١٣٦) .. ووصف الله إبراهيم بأنه (كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (آل عمران: ٦٧). ولعلها سبق قلم من الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى. الباحث. (^٣١) -الموافقات للشاطبي (٣/ ٣٤٦).

تاسعًا: القرآن - المعجز- له ترتيب تنزلي وترتيب مصحفي لآياته وسوره لا يحق لأحد التعرض له بأي حال من الأحوال الترتيب الأول: ترتيب الآيات في السور وإن من أبرز أوجه إعجاز القرآن ترتيب آياته في سوره في نظم واحد، وكأنها نزلت كلها متتابعة ومرتبة على هذا الترتيب الذي تحير عقول البشر في جزالة أسلوبه وحسن سبك عباراته وحُسن نظمه وترابط آياته وكأنها حبات لؤلؤ في تتابع بعضها البعض، وكأنها قطعة واحدة في منظومة واحدة نزلت على هذا النسق، متتابعة، ورغم أن الترتيب النزولي للآيات مغاير لهذا التتابع والترابط، فقد تنزل آيات في سورة ما وتكون متأخرة في ترتيبها على آيات أخر في نفس السورة، وقد تكون تلك الآيات نزلت بعدها، ومع ذلك لا يمكن أن تشعر أبدًا بأي خلل أو عدم ترابط في الوحدة الموضوعية بين آيات السورة الواحدة، أو أن تجد في نفسك أدنى شك أنها نزلت على هذا النسق متتابعة الآيات وكأنها نزلت على هذا الترتيب المصحفي. الترتب الثاني: ترتيب سور القرآن وقل كذلك في الترتيب المصحفي لسور القرآن، فإن الترتيب المصحفي على وضعه في المصاحف المنتشرة بين أيدي المسلمين في مشارق الدنيا ومغاربها هو الترتيب الذي استقرت عليه المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة ﵃ أجمعين وأجمع عليها السلف والخلف وتلقتها الأمة بالقبول، وهي مع ذلك موافقة تمامًا للعرضة الأخيرة والتي هي موافقة للقرآن المثبت في اللوح المحفوظ عند رب العزة في كتاب مكنون مصون.
عاشرًا: الختام وبيان الشاهد من هذه التوطئة وبعد بيان تلك الخصائص العظيمة والجليلة للقرآن من كونه المعجزة الخالدة الباقية الدالة على صدق نبوة ورسالة خاتم المرسلين ﷺ، وأنه المُعجِزة التي يُعَدُ سماعها حجة، وأنه كلام الله، وأنه منزل غير مخلوق، وأن الله سبحانه تكلم به بحرف وصوت، وأنه معجزة تحدى الله بها الثقلين، وأن مهيمن على الكتب المنزلة قبله وحاكم وشاهد عليها، وأن ترتيب آياته جاء على أعظم وجه من النسق والترابط البديع وكأنها نزلت على هذا النسق، وأن الترتيب المصحفي للسور والآيات استقر العمل به والإجماع عليه منذ أن حرَّق عثمان المصاحف وجمعهم على الإمام. فقد أقدم ثلاثة نفر على مخالفة الترتيب المصحفي بكتابة ثلاثة تفاسير وفق الترتيب النزولي، والباحثُ في هذا البحث يناقش أصحابَ تلك التفاسير الثلاثة التي خالف مصنفوها إجماع الصحابة ﵃ أجمعين، وخالفوا إجماع الأمة قاطبة - كذلك -، وذلك بتصنيف تلك التفاسير وترتيبها وفق الترتيب النزولي للسور، تاركين الترتيب المصحفي ومخلِّفينه وراءهم ظهريًا، وهم وإن كان قد خالفوا إجماع الأمة فقد وافقوا في ذلك أعداء الملة من شرذمة المستشرقين. ولقد جاءت تلك الدراسة لتناقش الثلاثة نفر في صنيعهم الذي تجاسروا فيه على هذا العمل المهيب فاتحين على الأمة بابًا عظيمًا من الشر وثلمة خطيرة يجب رأب صدعها وسد خلتها سدًا لذرائع أخرى عظيمة قد تفتح باب التجرؤ على العبث في ترتيب الآيات كما فتحت الباب على مخالفة الترتيب المصحفي لسور القرآن المجمع عليه من قبل، وعليه عمل الأولين والآخرين من هذه الأمة المرحومة. وإن- أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قوامًا، ولقاعدة توحيدهم عمادًا ونظامًا، وعلى صدق نبيهم ﷺ برهانًا، ولمعجزته ثبتًا وحجة، ولاسيما أن الجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستول على الآفاق. (^٣٢) ولذلك كان الدافع لمناقشة هذه التفاسير وتفنيد دوافع مصنفيها بالحجة والبيان وواضح الأدلة وساطع البرهان، انتصارًا للقرآن، وإرضاءً لربنا الرحمن.

(^٣٢) إعجاز القرآن، للباقلاني: (ص: ٣ - ٤)، تحقيق أحمد صقر، دار المعارف مصر، الطبعة الخامسة.

73 / 39

خطة البحث وقد ضمَّن الباحثُ بحثَه خطة بحث مكونة من فصلين، وكل فصل يندرج تحته عدد من المباحث، وكل مبحث يندرج تحته عدد من المطالب، وقد بيَّن فيه ما يلي: أولًا: أهمية موضوع البحث ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه خامسًا: منهج البحث سادسًا: خاتمة البحث، وبيان أهم النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة المختصرة. سابعًا: مجموع الفهارس: وخطة البحث تتكون من فصلين على النحو التالي: الفصل الأول توقيف الترتيب المصحفي للآيات والسور ويشتمل على ستة مباحث: المبحث الأول: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي وفيه مطلبان: والترتيب المصحفي يشتمل على أمرين: المطلب الأول: الأمر الأول: ترتيب الآيات في السور المطلب الثاني: وأما الأمر الثاني: فهو ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي المبحث الثاني: من أوضح الأدلة على أن ترتيب الآيات في السور توقيفي، نزول بعض السور جملة واحدة وفيه مطلبان: المطلب الأول: ذكر جملة من السور التي نزلت جملة واحدة المطلب الثاني: الخلاصة في ذكر السور التي نزلت جملة واحدة المبحث الثالث: مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: المذهب الأول: أن ترتيب السور أمر توفيقي من اجتهاد الصحابة المطلب الثاني: المذهب الثاني: أن ترتيب السور أمر توقيفي من النبي ﷺ المطلب الثالث: المذهب الثالث: أن ترتيب أغلب السور أمر توقيفي من النبي ﷺ وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة المبحث الرابع: أبرز أقوال العلماء القائلين بأن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا وفيه مطلبان: المطلب الأول: ذكر جملة من أقوال العلماء المتقدمين المطلب الثاني: ذكر جملة من أقوال العلماء المعاصرين المبحث الخامس: أبرز الأدلة التي استدل بها بعض العلماء على توقيف الترتيب

73 / 40

المصحفي وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: الدليل الأول: إجماع الصحابة-﵃ على ترتيب السور في المصحف العثماني المطلب الثاني: الدليل الثاني: تحزيب الصحابة-﵃ للقرآن المطلب الثالث: الدليل الثالث: النظم الترتيبي لبعض السور المتشابهة في مفتتحها المطلب الرابع: الخلاصة من أقوال وأدلة العلماء القائلين بأن ترتيب السور توقيفي المبحث السادس: بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وبيان مصدره وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أول من خالف وعارض الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي المطلب الثاني: أبرز المستشرقين الداعين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا المطلب الثالث: أبرز من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين الفصل الثاني عرض ودراسة ومناقشة التفاسير الثلاثة التي رُتِبَت على ترتيب النزول وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الأول "بيان المعاني لـ " عبد القادر ملا حُوَيِّش " وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: التعريف بتفسير "بيان المعاني" ومؤلفه "ملا حُوَيِّش " المطلب الثاني: الكتب التي اعتمد عليها "حُوَيِّش" في تفسيره المطلب الثالث: طريقته في التفسير المطلب الرابع: أول دراسة حول هذا التفسير المطلب الخامس: دراسة نقدية مختصرة لتفسير "حُوَيِّش" المطلب السادس: حصر دوافع إقدام "حُوَيِّش" على تغير الترتيب المصحفي بالرتيب النزولي ومناقشتها المبحث الثاني: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الثاني" التفسير الحديث" لـ " محمد عزة دروزة" وفيه ثمانية مطالب: المطلب الأول: التعريف بتفسيره المطلب الثاني: حجة "دروزة" في إقدامه على تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي المطلب الثالث: بيان أهم وأبرز الدوافع التي ساقت " دروزة " لترتيب تفسيره ترتيبًا نزوليًا المطلب الرابع: مناقشة دوافع "دروزة": المطلب الخامس: طريقة "دروزة" في تفسيره المطلب السادس: تقييم تفسير "دروزة"

73 / 41

المطلب السابع: عقيدة " دروزة " في صفات الرب- جل في علاه- المطلب الثامن: أبرز الدراسات حول تفسير "دروزة" المبحث الثالث: عرض ودراسة ومناقشة التفسير الثالث كتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ " حبنكة الميداني" وفيه سبعة مطالب: المطلب الأول: التعريف بالكتاب ومؤلفه وبيان أهم دوافع وبواعث تأليفه المطلب الثاني: أضواء جانبية على عقيدة الـ "حبنكة" المطلب الثالث: منهج الـ "حبنكة" في كتابه، ورأيه في ترتيب السور، وما كان لزامًا عليه اتباعه المطلب الرابع: حصر دوافع الـ "حبنكة" في انتهاج هذه الطريقة المطلب الخامس: مناقشة دوافع ومبررات الـ "حبنكة" المطلب السادس: هل تحققت الأهداف التي رامها مُفْتَتِحُو تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي المطلب السابع: بيان وجوب احترام الترتيب المصحفي وعدم التعرض له، والتصدي لمن تعرض له منهجية البحث أولًا: أهمية موضوع البحث تتمحور وتتمركز أهمية هذا البحث حول تلك الجرأة التي أقدم عليها الثلاثة نفر الذين أحدثوا أمرًا جللًا فصنفوا ثلاثة تفاسير وكتبوها وفق الترتيب النزولي مخلِّفِين وراء ظهورهم الترتيب المصحفي الذي استقرت عليه الصحف العثمانية وأجمع عليه الصحابة كلهم عن بكرة أبيهم- ﵃ أجمعين- وتلقته الأمة بالقبول وأجمع عليه السلف والخلف حتى زماننا الحاضر. من هنا تأتي أهمية هذا البحث، فكان لابد ولزامًا من تقديم دراسة معالجة لهذا الخطر ومناقشته وتفنيده، ودفع تلك الفجيعة بأسلوب علمي تأصيلي مقرون بالحجج النقلية والعقلية، ولذا فقد سُمِّي البحثُ بـ "صَحِيِحِ المَعْقُوُلِ المُوَافِقِ لِصَرِيِحِ المَنْقُوُلِ فِيِ مُنَاقَشَةِ ثَلَاثَةِ تَفَاسِيِرَ رُتِّبَتْ عَلى تَرْتِيِبِ النُّزُوُلِ". ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها الدراسة الأولى: "التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان" تأليف: أ. د. مصطفى مسلم محمد، خبير بمركز تفسير للدراسات القرآنية، وأستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الشارقة سابقًا، بحث منشور في ملتقى أهل التفسير، بتاريخ: ١٥/ ١٢/ ١٤٣٢ هـ.

73 / 42

عرض لتلك الدراسة: ناقش الباحث في تك الدراسة قضية ترتيب القرآن بين التوقيف والتوفيق، ثم تابعها بعرض دوافع أصحاب تلك التفاسير وناقشها وفندها بقلم يدل على الغيرة على كتاب الله ويدل على رسوخ صاحبه، وقد أفاد وأجاد فجزاه الله خيرًا. أهم الملاحظات على تلك الدراسة: أولًا: لقد عرض الباحثُ تلك الدوافع جملة ثم فنَّدها جملة، وكان الأولى له عرض دوافع كل واحد من تلك التفاسير على حده، ثم يعقبها بالرد عليه مباشرة، ولكنها كما أسلفنا عرضها جميعًا ثم فندها جميعًا، وأعني بعرضها جميعًا وجملة أنه عرضها الأول فالثاني ثم الثالث ثم جاء الرد عليها بعد ذلك على نفس طريقة العرض، وكان الأولى أن يعرض دوافع كل واحد ثم يرد عليها ويفندها مباشرة حتى لا يتشتت ذهن القارئ، وحتى لا تداخل عليها الملاحظات والمآخذ والرد عليها بين تفسير وآخر. ثانيًا: من أهم الملاحظات بل والمآخذ على هذا البحث افتقاره لبيان عقيدة أصحاب التفاسير الثلاثة الأشعرية بل إن الأول منهم- ملا حُوَيِّش- متهم بالتصوف والانتماء للطريقة النقشبندية، مع رده للإجماع، وجهله بالسنة ورده لها، وتضعيفه للأحاديث الصحيحة الثابتة، واستشهاده بالموضوعات، وطعنه كذلك في الصحيحين، وغيرها من الطوام المذكورة بالتفصيل في ثنايا بحثنا، ومراجع "حُوَيِّش" التي اعتمد عليها في تفسيره تدل على ذلك دلالة واضحة. وإن معرفة الجانب العقدي وإبرازه للقارئ من الأهمية بمكان ليكون على حذر من المزالق العقدية والمخالفات التي خالف فيها المفسرُ معتقدَ أهلِ السنةِ ولا سيما في تأويل صفات الرب جل في علاه. ثالثًا: من الملاحظات الهامة على هذا البحث- كذلك- افتقاره لتقديم تعريف بتلك التفاسير ولو تعريفًا موجزًا ليقف القارئ على مشهد عام على تلك التفاسير ويطالع طريقة تناول كل مفسر منهم لآيات الكتاب المجيد، والمآخذ التي أُخِذَت على عمل كل مفسر في تفسيره. رابعًا: ومن الملاحظات الجليَّة على هذا البحث- كذلك- افتقاره لترجمة أصحاب تلك التفاسير ليطالعها القارئ ويقف عليها. فإن التعريف بالكتاب ومؤلفه ومعتقده وطريقة تناوله للتفسير يعطي تصورًا واضحًا جليًا عن الكتاب وكاتبه من جوانب عدة تخدم القارئ وتسهل له الوقوف على كل ما ينبغي أن يعرفه عن الكتاب الذي يطالعه وعن مؤلفه ومنهجه ومعتقده. وهذه الملاحظات وغيرها لا تقدح في جهد الباحث ولا في قيمة بحثه العلمية النقدية، ولا سيما وأنه أستاذ له قدره وله مكانته العلمية والتقدمية - رحمه الله تعالى -.

73 / 43

اعتذار عن تلك الملاحظات ومما يعتذر به عن تلك الملاحظات لفضيلته لعله رأى الاختصار المناسب لمقتضى الحال التي كُتِبَت من أجلها تلك الدراسة، وهي المشاركة بها في إحدى المؤتمرات العلمية، كما أشار فضيلته إلى ذلك (^١)، ولا شك أن الحال هذه تقتضي الاختصار والتركيز فقط على موضوع البحث المطلوب. الدراسة الثانية: "القرآن الكريم بين ترتيب المصحف وترتيب النزول دراسة منهجية نقدية في الترتيب المصحفي والتاريخي للقرآن " تأليف الدكتور/ سعيد بو عصاب عرض لتك الدراسة: تعتبر تلك الدراسة من الكتابات الحديثة في علوم القرآن، فهي من منشورات مركز الدراسات القرآنية التابعة للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، الطبعة الأولى، ١٤٣٨ هـ/ ٢٠١٧ م في مجلد متوسط يتكوّن من ١٦٨ صفحة، كما أنها من منشورات: دار الأمان للنشر والتوزيع بتاريخ: ٠٦/ ٠٦/ ٢٠١٧ م -كذلك-. ومؤلفها أستاذ للتفسير وعلوم القرآن بجامعة القرويين، كلية العلوم الشرعيّة بالسمارة. أهمية تلك الدراسة: تأتي أهمية تلك الدراسة من خلال موضوعها المتميّز، الذي يعالج إشكالية الدعوة إلى ترتيب المصحف حسب النزول، والذي أصبح مثارَ جدلٍ بين الدارسين المُحْدَثين في العصور الأخيرة بين مؤيدين ومعارضين، فجاءت هذه الدراسة لمناقشة الموضوع في منهج وصفي تاريخي تحليلي نقدي؛ مما جعلها مقاربة تأصيلية نقديّة تتوخى الأسلوب العلمي الموضوعي الهادئ. محتويات تلك الدراسة: تصدّرت مقدمة هذه الدراسة ببيان أهمية موضوع المطالبة بإعادة ترتيب القرآن في المصاحف حسب النزول؛ حيث ظهر في الناس في زماننا مَنْ يطالب بذلك بعد أن كان إجماع السلف منذ العهد النبوي على الترتيب المصحفي للقرآن الكريم. كما بيّن المؤلف الدافع إلى الكتابة في الموضوع، والتي لخصها في: كون الكتابة في هذا الباب تعتبر من العبادات، وأنَّ دعوات المطالبة بإعادة الترتيب، فيها ما هو مقبولٌ بشروط، وفيها ما هو مردود، وأنَّ في جانب من هذه الدعوات المسّ بقدسيّة المصحف، وأن في الكتابة في هذا الموضوع التنبيه إلى المناسبات السامية التي تضمنها الترتيب المصحفي، الذي تولد عنه "علم التناسب القرآني"، وأنَّ المؤلفات التي ناقشت موضوع الترتيب أو التفسير حسب النزول للقرآن الكريم تعدُّ قليلة ونادرة. وقد مهّدَ الباحثُ لتلك الدراسة بفصل تمهيدي، تناول من خلاله منهج التنزّل القرآني، بما يشمل المفهوم والظروف التي أحاطت به، والمقاصد والأغراض المتوخاة من تنجيم النزول القرآني، ثم أسباب النزول. وقسّم الكتاب إلى قسمين أساسيين، خصص الأول منهما لدراسة الترتيب المصحفي للقرآن الكريم، مبينًا ترتيب الآيات في القرآن الكريم وترتيب السور والتناسب بين الآيات والتناسب بين السور، وأقوال العلماء في ذلك، مع عرض أدلة كلّ فريق. كما خصص القسم الثاني للدعوة إلى ترتيب وتفسير القرآن الكريم وفق منهج النزول، مع مناقشة الداعين إلى ذلك، كما ناقش دوافعهم لهذا المنهج ومدى قدرته على التطبيق. وقام بمناقشة عامة نقدية لدعوى محمد عابد الجابري في ترتيب سور القرآن الكريم، وركز على قضايا جزئية لها علاقة بالتفسير حسب النزول. وقد ذيّل المؤلف كتابه بخاتمة تضمنت أهم النتائج التي توصّل إليها البحث. (^٢) أهم الملاحظات على تلك الدراسة: نفس الملاحظات والمآخذ على الدراسة السابقة تنطبق في كثير من الأوجه على هذه الدراسة إن لم تتطابق تمامًا، ويزيد عليها قول المؤلف: "أنَّ دعوات المطالبة بإعادة الترتيب، فيها ما هو مقبولٌ بشروط، وفيها ما هو مردود". ولا شك أن هذه الدعوى قد تفتح الباب على مصرعيه أما الأصوات التي تنادي بإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا. الدراسة الثالثة: "ترتيب سور القرآن وفق نزولها في فكر الجابري" عرض وتحليل ونقد، تأليف الدكتور/ صبري عبد العزيز منصور صيام، الأستاذ المساعد في التفسير وعلوم القرآن في كلية الدراسات العربية والإسلامية للبنين بالقاهرة، بجامعتي الأزهر وتبوك، وهي منشورة في" المجلد الأول من العدد السادس والثلاثين لحولية كلية الدراسات الإسلامية للبنات بالإسكندرية (د ت). وهذه الدراسة تتآلف من ثنتين وتسعين صفحة، قد أجاد مؤلفها وأفاد، حيث ناقش/ محمد عابد الجابري، المتوفي في: ١٩ جمادى الأولى ١٤٣١ هـ، الموافق: ٣ مايو ٢٠١٠ م، مناقشة وافية بالغرض. ومن أبرز ما يؤخذ على هذه الدراسة ما يلي: أولًا: قول المؤلف أنه لم يجد من رَدَّ على الجابري، أي أنه لم يقف على دراسات سابقة لمناقشته، وهناك العديد من الدراسات منها الدراسة السابقة لهذه الدراسة من تأليف الدكتور/ سعيد بوعصاب كانت في مناقشة الجابري وسجلت بتاريخ: ٠٦/ ٠٦/ ٢٠١٧ م. وهذه الدراسة للدكتور/ صبري عبد العزيز منصور صيام، لم نقف لها على تاريخ، ولابد أن الدراستين قد تقدمت إحداهما الأخرى زمانًا، فكان لزامًا على المتأخر منهما ذكر الدراسة المتقدمة منهما اعترافًا بالفضل والسبق ونسبته لأهله، ويُلتمس العذر للمتأخر منهما بحسن الظن به، ونقول لعله لم يقف على الدراسات السابقة لدراسته، ومنها تلك الدراسة. ثانيًا: مع أن هذه المناقشة كانت لفكر الجابري فحسب غير أن المؤلف ذكر الثلاثة نفر الذين ناقشنا جرأتهم على ترك الترتيب المصحفي والجنوح للترتيب النزولي في بحثنا هذا، وهم "مُلاَّ حُوِيِّش"، " دروزة"، "حبنكة"، لاشتراكهم جميعًا في الجرأة على تغير الترتيب المصحفي الذي أجمعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا، وقد ذكرهم الدكتور/ صبري ولكنَّه مَرَّ عليهم مرور الكرام في أسطر معدودة، وذلك في المطلب الثالث من المبحث الثاني، والذي كان ينبغي عليه مناقشتهم، وذلك لأن تأثيرهم قد يتعدى تأثير الجابري لانتسابهم للعلم عمومًا وللتفسير خصوصًا ولانتشار كتبهم بين الناس، فيكون خطر التأثر بهم أكثر وأعم من التأثر بالجابري الذي عُرِفَ وعُلِمَ واشتهر بين الناس بمنهجه الحداثي التغريبي. ثالثًا: مما يؤخذ على هذه الدراسة ثناء المؤلف على أصحاب التفاسير الثلاثة، والذي يبدوا أنه لم يطالعها أو يطالع الدراسات النقدية لها، حيث قال عفى الله عنه: كان لهؤلاء الإعلام الثلاثة من وراء تفسير القرآن وفق زمن نزول السور أهداف سامية نابعة، نبعة عن الهدف الأسمى لنزول القرآن العظيم … رابعًا: من أشد المآخذ على تلك الدراسة ما أخذ على سابقتيها من عدم ولاية الجانب العقدي العناية اللائقة به، فقد مَرَّ على تلك التفاسير الثلاثة مرور الكرام كما ذكرنا آنفًا، ولم يعرج على الجانب العقدي بل ولم يشر إليه أبدًا لا من قريب ولا من بعيد. وهذه الملاحظات لا تقلل من قيمة البحث ولا من جهد الباحث، فقد كان المؤلف ذا حسن مرهف وصاحب قلم رصين وغيرة على كتابه ربه، فجزاه الله عن كتابه الجزاء الأوفى في الدنيا ويوم الدين.

(^١) وتلك الدراسة موجودة ضمن مجموعة بحوث مقدمة لمؤتمر خدمة القرآن الكريم في القرن الرابع عشر الهجري، والذي نظمته كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الشارقة، من ٢٢ - ٢٣ صفر ١٤٢٤ هـ، الموافق ٢٣ - ٢٤ أبريل ٢٠٠٤ م، وقد طبعت الأوراق المشاركة في خمسة محاور في مجلدين. وهذا البحث يقع في الجزء الثاني / من الصفحة ٥١٤ حتى ٥٢٦، يعني قرابة ١٢ صفحة فقط، بعنوان:" التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان". للاستزادة ينظر: ملتقى أهل التفسير، بتاريخ:٢٤/ ٣/٢٠٠٦ م. (^٢) - يُنظر موقع: الرابطة المحمدية للعلماء، المملكة المغربية. إعداد: أستاذ/ رضوان غزالي باحث بمركز الدراسات القرآنية. [¬*] (تعليق الشاملة): محتوى هذه الصفحة كله ليس في المطبوع من المجلة وهو ثابت في المرسل إلينا من المؤلف - حفظه الله -

دراسات عامة حول تفسير الجابري: كما قد هيأ الله دراسات نقدية أخرى حول تفسير الجابري والتي كان من أبرزها ما يلي: الدراسة الأولى: "تخرصات الجابري على التفسير والمفسرين من خلال كتابه فهم القرآن الحكيم" دراسة نقدية، تأليف: محمد بن عبدالعزيز بن عبدالله المسند، صادرة عن: مجلة تبيان للدراسات القرآنية، وهي: "مجلة محكمة"، تابعة لجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه، في عددها: ٢٥، في الصفحات من: ١٧٣ - ٢٣٣، لعام ١٤٣٨ هـ - ٢٠١٨ م. وكان من أبرز أهداف هذه الدراسة ما يلي: ١ - الذود عن التفسير وأئمّته، من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ٢ - نقد تفسير الجابري على وجه الخصوص وما فيه من التخرّصات والاعتراضات على التفسير وأئمّته. ٣ - بيان حقيقة ما يسمّى بالتفسير العصري للقرآن من خلال نقد تفسير الجابري الذي يعدّ مثالًا واضحًا لهذا النوع من التفسير. وكان من أهمّ نتائجها ما يلي: ١ - تنوّع جهود الأعداء في النيل من هذا القرآن وآخرها ما يسمّى بالقراءات الحداثية للقرآن من أجل رفع القدسية عنه. ٢ - مشاركة بعض المخدوعين من أبناء المسلمين في هذه الجهود المضللة. ٣ - توجّه بعضهم لتفسير القرآن ليس من أجل بيان معانيه وإنّما لإخضاعه للأفكار والثقافة الغربية. ٤ - أنّ "العقل" نعمة كبرى لكنّه إذا كان محكومًا بالهوى؛ صار وبالًا على صاحبه. وكان من أهم توصياتها ما يلي: ١ - أوصى الباحثين ببذل الكثير من الجهود في مواجهة هذا الحملات المضللة. أوصي الجامعات ومراكز البحوث بالعناية بمثل هذه التوجهات التغريبية المضللة، وذلك بنشر الوعى بخطورتها، وطباعه البحوث والكتب التي تولت الرد عليها وكشف زيفها. كما أوصى الجامعات بتخصيص مادة دراسية متخصصة، تعنى بذلك. وبالله التوفيق. وهذه الدراسة وفق اللهُ جامعَهَا لكشف عوار "الجابري" بأسلوب علمي رصين ورد محكم أصيل، فجزاه الله خيرًا عن كتابه ودينه ومنهاجه وشرعه. الدراسة الثانية: "التفسير الواضح حسب ترتيب النزول لـ "محمد عابد الجابري" دراسة تحليلية نقدية. وهذه الدراسة عبارة عن أطروحة علمية نالت بها الباحثة/ أحلام خليفة عبد الله الصويعي درجة الدكتوراه من الدراسات العربية وآدابها - شعبة الدراسات الإسلامية- بجامعة عين شمس، عام ١٤٣٨ هـ-٢٠١٧ م. وهي وإن كانت دراسة وأطروحة علمية تناقش فكر "الجابري في التفسير فحسب، - كسابقتها ولاحقتها- غير أن ضمها للدراسات سالفة الذكر، وذكرها والإشارة إليها مع تلك الدراسات تعطي القارئ الكريم تصورًا أوسع عن الجابري، وتفسح له المجال لتصور فكره وثقافته التي تدل على أنه ليس من أهل العلم أصلًا، كما أنها تجلي له حقيقة انتماء الرجل للمدرسة الحداثية التغريبية المعاصرة. وقد افتتحت الباحثة تساؤلات الدراسة بالتساؤلات التالية - هل كان الجابري مؤهلًا لأن يكون مفسرًا؟ - هل انطبع التفسير بما يحمله صاحبه من أفكار فلسفية وغربية؟ - هل أثار الجابري قضايا هامة في القرآن الكريم، في حين سكت عن أُخرى، وما الدافع وراء ذلك؟ - هل أَثار الجابري شبهات حول القرآن والإِسلام بدعوى التجديد؟ - هل كان الجابري في آرائه وأفكاره متأثرًا بتيار معين؟ - هل يُعتبر الجابري من المجددين في تفسير القرآن؟ وبهذا فكل هذه التساؤلات وغيرها تم الإفصاح عنها في الدراسة. وهذا التساؤلات وأجوبتها كافية لتعرية "الجابري" ومنهجه وفكره. الدراسة الثالثة: "سؤال المنهج في فهم القرآن الكريم وتفسيره عند محمد عابد الجابري من خلال كتابه فهم القرآن الحكيم التفسير الواضح حسب ترتيب النزول" دراسة تحليلية نقدية، لحسن غماري، ولم يقف الباحث على تفاصيل لهذه الدراسة

[¬*] (تعليق الشاملة): محتوى هذه الصفحة كله ليس في المطبوع من المجلة وهو ثابت في المرسل إلينا من المؤلف - حفظه الله -

ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث ومناقشة تلك التفاسير تأتي انتصارًا للقرآن ودفعًا لتك الشبهة التي وقعوا فيها حتى لا يغتر بفعلهم أي غِرٍ كريم فيتابعهم ويوافقهم عليه، ولاسيما أن تلك التفاسير في متناول أيدي الناس. ولذا فقد قام الباحث هنا بمعالجة الملاحظات والمآخذ التي تبينت له على الدراسات السابقة من عرض لتلك التفاسير وطريقة تناولها للتفسير ونقدها نقدًا علميًا بناءً وبيان معتقد مصنفيها وغيرها من المسائل التي لا غنى للقارئ عنها لتمكنه من الاطلاع الكامل على كل جوانب تلك التفاسير الثلاثة ليحصل عنده الإحاطة بها، ويحصل له التصور الكافي التام الذي يكفيه عن البحث والتنقيب عنها في مواضع وأماكن أُخَر. وتأتي هذه الدراسة أيضًا مخاطبة للجهات العلمية المعنية في الأمة لاتخاذا التدابير اللزمة تجاه تلك التفاسير حتى لا تتكرر تلك الفجيعة مرة أخرى ولا سيما وأن مصنِفوها قد قضوا آجالهم وأفضوا إلى ما قدموا. رابعًا: مشكلة البحث وأهدافه تتمثل مشكلة هذا البحث فيما أقدم عليه هؤلاء الثلاثة نفر من إحداث في تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي مدَّعين ادعاءات ما أنزل الله به من سلطان، وتلك الادعاءات إن لم تفند بالحجة والبرهان وبوسائل الإقناع فقد تحدث نوعًا من القناعات عند من لم ليس له بصر ثاقب وعقل راجح، ولاسيما أن من أصحاب تلك التفاسير من اعتمد في عمله - هذا- على فتاوى بعض علماء بلده لتبرأ ذمته وليجعلها حجة بينه وبين ربه، ومنهم من قدَّم أسبابًا واهية لا تقوم به حجة ولا تضح بها محجة، فيخشى إن لم تناقش وتفند تلك الحجج الواهية بأجوبة مقنعة مسكتة أن تنفذ تلك الفكرة وتنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم. فأتت تلك الدراسة لتناقش تلك التفاسير وتفند تلك الحجج الواهية التي قدموها والتي هي أوهن من بيت العنكبوت، وذلك بحجج واضحات وأدلة دامغات صيانة للترتيب المصحفي الذي عليه عمل الأوليين والآخرين من أهل الإسلام أجمعين. خامسًا: منهج البحث لقد استخدم الباحث في بحثه عددًا من المناهج البحثية، والتي كان من أبينها وأبرزها: المنهج الوصفي التحليلي أما الفصل: فقد قام فيه الباحث بوصف ترتيب الآيات في السور بأنه "ترتيب توقيفي"، ثم قام بتحليل ذلك الترتيب مستدلًا على توقيفه بدلائل عدة، من أبرزها: نزول بعض السور جملة واحدة، ثم عرج على مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور وأنها ثلاثة مذاهب، ثم عرج على ذكر أبرز أقوال العلماء القائلين بأن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا، ثم قام بوصف كل مذهب وصفًا تحليلًا مختصرًا مناسبًا لمقتضى الحال، ثم عرَّج على عرض الكلام على أبرز الأدلة التي استدل بها بعض العلماء على توقيف الترتيب المصحفي واصفًا لها وصفًا تحليليًا، ثم ختم هذا الفصل بالكلام على بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب

73 / 44

النزولي وبيان مصدره مبيّنًا وواصفًا له وصفًا تحليليًا دقيقًا مبيّنًا فيه أول من خالف وعارض الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي، ثم ثنَّى بذكر أبرز المستشرقين الداعين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا، ثم ثلث وختم بذكر أبرز من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين. أما الفصل الثاني: فقد قام الباحث بعرض التفاسير الثلاثة، ثم تناول وصف كل تفسير منها وصفًا تحليليًا مناسبًا لمقتضى الحال مبينًا فيه التعريف بالتفسير ومؤلفه ومنهجه وعقيدته، ثم عرَّج على دوافع مخالفته للترتيب المصحفي وجنوحه للترتيب النزولي، ثم بعد وصفه لتلك الدوافع قام بتحليها تحليلًا وصفيًا مفندًا فيه تلك الدوافع بالوصف اللائق بكل دافع منها بما يقتضيه المقام، ثم بين الباحث أن الأهداف التي رامها مُفْتَتِحُو تغيير الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي لم تتحقق لهم، ثم ختم ببيان وجوب احترام الترتيب المصحفي وعدم التعرض له، والتصدي لمن تعرض له. الفصل الأول توقيف الترتيب المصحفي للآيات والسور المبحث الأول: بيان أن ترتيب الآيات في السور توقيفي وفيه مطلبان: إن الترتيب المصحفي هو الذي استقرت عليه العرضة الأخيرة الموافقة لما هو مثبتٌ في اللوح المحفوظ، وهو الترتيب الذي استقر عليه الجمع البكري لأول جمع للقرآن بين لوحين، وهو الترتيب الذي استقر عليه المصحف الإمام في الجمع العثماني، وهو الترتيب الموافق للصحف العثمانية التي بعث بها الخليفةُ الراشدُ عثمانُ ﵁ إلى الأمصار. والترتيب المصحفي يشتمل على أمرين: المطلب الأول: الأمر الأول: ترتيب الآيات في السور فلا شك في أن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة: قال الزركشي (ت: ٧٩٤ هـ) ﵀: فأما الآيات في كل سورة، ووضع البسملة في أوائلها، فترتيبها توقيفي بلا شك، ولا خلاف فيه، ولهذا لا يجوز تعكيسها. (^١) وقال السيوطي (ت: ٩١١ هـ) ﵀: الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، وأما الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان، وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه ﷺ وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين. (^٢) ويقول السيوطي (ت: ٩١١ هـ) - أيضًا-﵀: "والذي نذهب إليه أن جميع القرآن الذي أنزله الله وأمر بإثبات رسمه، ولم ينسخه، ولا رفع تلاوته بعد نزوله، هو الذي بين

(^١) - الزركشي، البرهان في علوم القرآن، (١/ ٢٥٦)، البرهان في علوم القرآن - لبدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي (ت: ٧٩٤) تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم - الطبعة الأولى - دار إحياء الكتب العربية، مصر ١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م. (^٢) -السيوطي، الإتقان في علوم القرآن (١/ ٢١١). الإتقان في علوم القرآن، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: ٩١١ هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم - دار التراث بالقاهرة، الطبعة الثالثة، ١٤٠٥ هـ-١٩٨٥ م.، ويُنظر: إعجاز القرآن للباقلاني (صـ ٦٠). إعجاز القرآن للباقلاني المؤلف: أبو بكر الباقلاني محمد بن الطيب (المتوفى: ٤٠٣ هـ) المحقق: السيد أحمد صقر الناشر: دار المعارف - مصر الطبعة: الخامسة، ١٩٩٧ م عدد الأجزاء: ١. وأسرار ترتيب القرآن: (صـ ٤١). للباقلاني، ومناهل العرفان في علوم القرآن (١/ ٣٤٧). مناهل العرفان في علوم القرآن المؤلف: محمد عبد العظيم الزُّرْقاني (ت: ١٣٦ هـ) الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الثالثة، عدد الأجزاء: ٢، وحاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي عنايه القاضي وكفاية الراضي: (١/ ٢٥). وفتح البيان في مقاصد القرآن - أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (١٥/ ٣٠٧). فتحُ البيان في مقاصد القرآن المؤلف: أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (المتوفى: ١٣٠٧ هـ) عني بطبعهِ وقدّم له وراجعه: خادم العلم عَبد الله بن إبراهيم الأنصَاري الناشر: المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر، صَيدَا - بَيروت عام النشر: ١٤١٢ هـ - ١٩٩٢ م، عدد الأجزاء: ١٥.

73 / 45

الدفتين، الذي حواه مصحف عثمان، وأنه لم ينقص منه شيئًا، ولا زيد فيه، وأن ترتيبه، ونظمه ثابت على ما نظمه الله تعالى، ورتبه عليه رسوله ﷺ من آي السور، لم يقدم من ذلك مؤخر ولم يؤخر مقدم". (^١) وقال الزرقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) ﵀: ولقد" انعقد إجماع العلماء على أن ترتيب الآيات في السورة كان بتوقيف من النبي ﷺ-عن الله ﷿، وأنه لا مَجال للرأي والاجتهاد فيه، ولم يُعْلَم في ذلك مُخالفٌ". (^٢) وممن قال بالإجماع الذي حكاه السيوطي والزرقاني كذلك كل من: ١ - ابن قدامة المقدسي (ت ٦٢٠ هـ) حيث يقول- ﵀: ترتيب الآيات واجب؛ لأن ترتيبها بالنص إجماعًا. (^٣) ٢ - وأبو جعفر الغرناطي (ت ٧٠٨ هـ) حيث يقول- ﵀: اعلم أولًا أن ترتيب الآيات في سورها وقع بتوقيفه وأمره-ﷺ، من غير خلاف في هذا بين المسلمين. (^٤) ٣ - والملا على القاري (ت ١٠١٤ هـ) حيث يقول- ﵀: ترتيب الآيات توقيفي، وعليه الإجماع. (^٥) ٤ - وشهاب الدين النفراوي (ت: ١١٢٧ هـ) حيث يقول- ﵀: ترتيب الآيات توقيفي اتفاقًا. (^٦) وقد دل على ذلك أيضًا أدلة كثيرة من السنة الصحيحة الثابتة عن المعصوم ﷺ-وهي أكثر من أن تُحصى ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: ١ - منها ما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا) إِلَى قَوْلِهِ (غَيْرَ إِخْرَاجٍ) (البقرة من آية: ٢٤٠) قَدْ نَسَخَتْهَا الأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي لا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. (^٧). فردُ عثمانَ بن عفان على ابْن الزُّبَيْرِ يُفهم منه أنهم-﵃ أجمعين- يعلمون أماكن ترتيب الآيات فتَرَكَهَا عثمان مكانها مثبتةً لأن القرينة تدل عليها، ولأنه هو الذي تعلموه وهو المعمول به لديهم. ٢ - ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن عمر قال ما سألت النبي ﷺ عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بإصبعه في صدري وقال ألا تكفيك آية الصّيْف التي في آخر سورة النساء. (^٨) فآية الكلالة مكانها في نهاية سورة النساء وخواتيمها، ولما سأل عمرُ ﵁ رسولَ الله ﷺ أرشده إلى مكانها في آخر السورة. ومن هنا يتبين لنا أمران:

(^١) - المرجع السابق: (ص: ١٦٣). (^٢) مناهل العرفان للزرقاني: (١/ ٣٤٦). (^٣) - كشاف القناع عن متن الإقناع: (١/ ٣٤٤). ويُنظر: المبدع في شرح المقنع (١/ ٤٣٣). والإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل: (١/ ١١٩). (^٤) - البرهان في تناسب سور القرآن - للغرناطي،: (صـ ١٨٢). البرهان فى تناسب سور القرآن المؤلف: أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، أبو جعفر (المتوفى: ٧٠٨ هـ) تحقيق: محمد شعباني دار النشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب عام النشر: ١٤١٠ هـ - ١٩٩٠ م عدد الأجزاء: ١. (^٥) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - الملا علي بن سلطان محمد القاري: (٤/ ١٥٢٠). مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح المؤلف: علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري (المتوفى: ١٠١٤ هـ) الناشر: دار الفكر، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م عدد الأجزاء: ٩. (^٦) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم بن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري: ١/ ٥٦، ٦٦. الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني المؤلف: أحمد بن غانم (أو غنيم) بن سالم ابن مهنا، شهاب الدين النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: ١١٢٦ هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: ١٤١٥ هـ - ١٩٩٥ م عدد الأجزاء: ٢. (^٧) أخرجه البخاري في الصحيح برقم (٤٥٣٦). (^٨) رواه مسلم برقم (١٦١٧).

73 / 46

الأمر الأول: أن آيات السورة مرتبة ومتتابعة من أولها وحتى آخرها. والأمر الثاني: أن ترتيب الآيات كان مما يُعَلِّمه النبيُ ﷺ أصحابهَ الكرام ﵃. ٣ - ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء مرفوعًا من حفظ عشر آيات من أول الكهف عصم من الدجال وفي لفظ عنده من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف. (^١) فقوله: (من أول الكهف) وقوله: (العشر الأواخر) واضح الدلالة على ترتيب آيات السورة كما هو شأن آيات القرآن قاطبة. وكذلك" قراءته ﷺ للسور المختلفة بمشهد من الصحابة يدلّ على أن ترتيب آياتها توقيفي وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبًا سمعوا النبي- ﷺ يقرأ على خلافة فبلغ ذلك مبلغ التواتر. " (^٢) ٤ - ومنها ما ثبت عند البخاري من حديث عائشة ﵂، (أنها) قالت: سمع النبيُ ﷺ رجلًا يقرأ في المسجد، فقال: "﵀، لقد أَذْكَرَنِي كذا وكذا آية، أَسْقَطْتُهُنَّ من سورة كذا، وكذا" (^٣). فهذا الحديث وأضرابه مما يُستدل به على تعليمه ﷺ أصحابه- رضوان الله عليهم- أماكن الآيات وترتيبها في السور وأنه أمر توقيفي لا محيد عنه ولا محيص. وهناك أدلة كثيرة جدًا تقرر هذه المسألة، فسماع النبي ﷺ للقرآن من أصحابه مرتب الآيات وإقراره ﷺ لقراءتهم، وكذلك صلاته بهم على مدار مرحلة نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة وقد تكرر ذلك تكرارًا ومرارًا وهو معلوم في دواوين السنة، ففي الإشارة إليه غنية وكفاية. ومن أراد زيادة فائدة في هذا الباب فليراجع فضائل قراءة بعض آيات من القرآن بعينها في مظانها من كتب السنة كفضل فاتحة الكتاب وهي أكثر من أن تحصى، وكفضائل الآيتين الآخرتين من سورة البقرة (^٤)، وكفضل العشر آيات الأُول من سورة الكهف (^٥) وكذلك ما واظب رسول الله ﷺ على قراءته لبعض سور القرآن ولم يغير في آياتها أي شيء، لا بتقديم ولا بتأخير، وذلك كقراءته لسور البقرة، والنساء، وآل عمران، وقراءته، لسورة "ق" في العيد. (^٦) وكذلك من فوق المنبر وفي الصلاة كذلك، كما كان يقرأ بـ"المنافقون" في الجمعة (^٧). والنبي ﷺ مع مواظبته على قراءة هذه السور والآيات فقد واظب ﷺ كذلك على ترتيبها، فإنه لا يُعلم عنه ﷺ أنه غيَّر شيئًا منها البتة. ولا ريب أن فعله ﷺ هذا من أوضح البراهين على أن هذا الترتيب هو ما وافق ترتيبه في اللوح المحفوظ والذي تلقاه عن جبريل-﵇.

(^١) - رواه مسلم برقم (٨٠٩). (^٢) - يُنظر: الإتقان: (١/ ٦٢ - ٦٥). (^٣) أخرجه البخاري كتاب فضائل القرآن باب من لم ير بأسًا أن يقول: سورة البقرة، وسورة كذا وكذا ٦/ ١٩٤ ح رقم ٥٠٤٢ ومسلم ٣٣ كتاب صلاة المسافرين ٣٣ - باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا، وجواز قول أنسيتها ١/ ٥٤٣ ح رقم ٧٨٨. (^٤) يُنظر: مسلم في صحيحه برقم: ٨٠٩، وغيرهم. (^٥) يُنظر: البخاري في صحيحه برقم: (٥٠٠٨ - ٥٠٠٩ - ٥٠٤٠)، ومسلم برقم: (٨٠٧). (^٦) - رواه مسلم برقم: (٨٩١)، وغيره. (^٧) - يُنظر: مسلم برقم: (٨٧٧)، وغيره من حديث أبي هريرة.

73 / 47

أدلة أخرى تؤكد على أن ترتيب الآيات توقيفي: ومما يؤكد على أن ترتيب الآيات ترتيب توقيفي كذلك ويبرهن عليه نزول عدد من سور القرآن جملة ودفعة واحدة. المطلب الثاني: وأما الأمر الثاني: فهو ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي قد مر معنا آنفًا القطع بأن ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة، وأما ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي فمسألة تنازع فيه العلماء، وسيعرض الباحث الأقوال الواردة في ترتيب السور مع الترجيح بينها، وسيكون ذكر ذلك مفصلًا في موضعه المناسب في مبحث خاص من هذا الفصل ألا وهو المبحث الثالث: مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور. المبحث الثاني: من أوضح الأدلة على أن ترتيب الآيات في السور توقيفي نزول، بعض السور جملة واحدة وفيه مطلبان: المطلب الأول: ذكر جملة من السور التي نزلت جملة واحدة من الأدلة الواضحة الجلية على أن ترتيب الآيات في السور توقيفي نزول بعض السورة جملة واحدة. وفي تقسيم نزول سور القرآن يذكر السيوطي النوع الثاني، وهو النوع الذي نزل جملة واحدة فيقول- ﵀: " … وَمِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي: سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْكَوْثَرِ وَتَبَّتْ وَلَمْ يَكُنْ وَالنَّصْرُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ نَزَلَتَا مَعًا. وَمِنْهُ سُورَةُ الصَّفِّ. (^١) ونسوق بعض الأدلة الصحيحة الثابتة في نزول بعض السور جملة واحدة، فمن تلك السور التي نزلت جملة واحدة سورة براءة فقد روى البخاري في صحيحه عَنِ البَرَاءِ-﵁، قَالَ: " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ". (^٢) وقد رواه البخاري كذلك (^٣) بلفظ: " آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ … " دون لفظة " كاملة ". وقد ذهب بعض العلماء إلى أن سورة براءة نزلت مفرقة ولم تنزل جملة واحدة مدعين عدم صحة لفظة "كاملة ". قال بدر الدين العيني (ت: ٨٥٥ هـ) ﵀: "قَوْله: (كَامِلَة) قَالَ الدَّاودِيّ: لفظ: كَامِلَة، لَيْسَ بِشَيْء لِأَن بَرَاءَة نزلت شَيْئًا بعد شَيْء، قلت: وَلِهَذَا لم يذكر لفظ: كَامِلَة، فِي هَذَا الحَدِيث فِي التَّفْسِير، وَلَفظه هُنَاكَ: آخر سُورَة نزلت بَرَاءَة ". (^٤) ولكن الطاهر بن عاشور ذكر في "التحرير والتنوير" أنها نزلت دفعة واحدة وقد عزا هذا القول لجمهور العلماء. (^٥) ومن تلك السور التي نزلت جملة واحدة كذلك سورة الفتح: فقد روى البخاري في صحيحه عن عمر- ﵁ عن النبي ﷺ قَالَ: (لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) ثُمَّ قَرَأَ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) (الفتح: ١). (^٦) ومن تلك السور التي نزلت جملة واحدة كذلك سورة البينة: فعَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَبَّةَ الْبَدْرِيَّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب) [البينة: ١] إِلَى آخِرِهَا، قَالَ جِبْرِيلُ-﵇: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُقْرِئَهَا أُبَيًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأُبَيٍّ: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ هَذِهِ السُّورَةَ) قَالَ أُبَيٌّ: وَقَدْ ذُكِرْتُ ثَمَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: فَبَكَى أُبَيٌّ. (^٧)

(^١) الإتقان: (١/ ١٣٦ - ١٣٧). بتصرف. (^٢) رواه البخاري: (٤٣٦٤). (^٣) رواه البخاري: (٤٦٠٥). (^٤) - عمدة القاري: (١٨/ ١٨). (^٥) - التحرير والتنوير: (١٠/ ٩٧). تفسير ابن عاشور: التحرير والتنوير «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد» المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: ١٣٩٣ هـ) الناشر: الدار التونسية للنشر - تونس سنة النشر: ١٩٨٤ هـ، عدد الأجزاء: ٣٠ (والجزء رقم ٨ في قسمين). (^٦) رواه البخاري: (٤١٧٧). (^٧) رواه أحمد في المسند: (١٦٠٠١)، وقال محققوه): حديث صحيح لغيره (. وأصله في البخاري: (٣٨٠٩)، ومسلم: (٧٩٩)، من حديث أنس.

73 / 48

وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورة الْكَوْثَر: فعن أنس، قال: بينا رسول الله ﷺ ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله قال: "أنزلت علي آنفًا سورة" فقرأ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾ (الكوثر كاملة: ١ - ٣). (^١) وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورة النصر: فعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: قال لي ابن عباس: تعلم آخر سورة نزلت من القرآن، نزلت جميعًا؟ قلت: " نعم، إذا جاء نصر الله والفتح "، قال: صدقت. (^٢) وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورة المسد: ثبت في الصحيحين من حديث عَنِ عَبَّاسٍ ﵄، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ- ﷺ الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: (يَا صَبَاحَاهْ)، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ العَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ، أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) (المسد: ١). (^٣) وكذلك من السور التي نزلت جملة واحدة سورتا المعوذتين: فعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله ﷺ: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط، ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾. (^٤) المطلب الثاني: الخلاصة في ذكر السور التي نزلت جملة واحدة أن نزول كثير من سور قصار المفصل نزلت جملة واحدة هو أمر ثابت بأدلة صحيحة صريحة، كالفاتحة والقدر والماعون والمسد والكوثر والفيل والنصر والكافرون والإخلاص والفلق والناس. وكذا الفتح. وأما ما ذكره بعض أهل التفسير من أن سورًا عدة قد نزلت جملة واحدة كذلك ولا سيما من الطوال، فإن أغلب تلك الأقوال محل نظر واجتهاد والخلاف فيها معلوم لأنها أقوال اجتهادية لم تنهض بها حجة واضحة من دليل صحيح صريح ثابت، ولذا لم يذكر الباحث إلا ما ثبت لديه بالدليل الصحيح الثابت الصريح. هذا: ولابد أن يُعلم أن الأصل في القرآن الكريم أنه جُمع ورتب على أساس موافقته للعرضة الأخيرة، وقد استقرت العرضة الأخيرة على وفق ما هو مثبت وموافق ومطابق للقرآن المثبت في اللوح المحفوظ كذلك. وأما الأمر الثاني:: فهو ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي، فقد مر معنا آنفا القطع بان ترتيب الآيات في السور أمر توقيفي لا مجال للاجتهاد فيه البتة، وأما ترتيب السور وفق الترتيب المصحفي فمسألة تنازع فيه العلماء، وهذا يعرض الباحث الأوقوال الواردة فى ترتيب السور

(^١) أخرجه مسلم في ٤ - كتاب الصلاة ١٤ - باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة ١/ ٣٠٠ ح رقم ٤٠٠. (^٢) صحيح مسلم في صدر كتاب التفسير ٤/ ٢٣١٨ ح رقم ٣٠٢٤. (^٣) - رواه البخاري: (٤٨٠١)، ومسلم: (٢٠٨). (^٤) - أخرجه مسلم ٦ - كتاب المسافرين وقصرها ٤٦ - باب فضل قراءة المعوذتين ١/ ٥٥٨ ح رقم ٨١٤.

73 / 49

مع الترجيح بينها. المبحث الثالث: مذاهب العلماء وخلافهم في ترتيب السور وفيه ثلاثة مطالب: يقول السيوطي- ﵀ في "الإتقان" عن الخلاف في ترتيب السور: وأما ترتيب السور على ما هي عليه الآن في المصحف، فقد اختلف فيه أهل هذا الشأن على ثلاثة مذاهب: المذهب الأول: المذهب الأول: أن ترتيب السور أمر توفيقي من اجتهاد الصحابة وهو مذهب الجمهور الذي يرى أن ترتيب السور هو أمر توفيقي من اجتهاد الصحابة، حيث إن النبي ﷺ فوَّضَ ذلك إلى أمته من بعده. ومن أبرز من نحا إلى هذا الرأي الإمام مالك. المذهب الثاني: المذهب الثاني: أن ترتيب السور أمر توقيفي من النبي ﷺ ـ يرى أن هذا الترتيب توقيف من النبي ﷺ، وبه قالت طائفة من أهل العلم. المذهب الثالث: المذهب الثالث: أن ترتيب أغلب السور أمر توقيفي من النبي ﷺ وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة يجنح إلى أن ترتيب أغلب السور كان بتوقيف من النبي ﷺ وعلم ذلك في حياته، وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة. (^١) قد مر بنا آنفًا ما ذكره السيوطي من أقوال العلماء في القول بترتيب السور إجمالًا، والخلاف في هذه المسألة واسع جدًا وله أهميته الكبرى لتعلقه بأمر عظيم يتعلق بكلام الله تعالى، وقد ساق أصحاب كل قول أدلة ما يترجح لديهم القول به، ومن تكلم في هذه المسألة أئمة كبار ممن يُعتد برأيهم، والباحث لم يسق أدلة كل فريق لمناقشتها مخافة الإطالة، وإن كان تناول هذا المبحث من الأهمية الكبرى بمكان، لمكانته وقدره وقدر متعلقه ألا وهو كتاب الله تعالى. المبحث الرابع: أبرز أقوال العلماء القائلين بأن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا والكثير من الأئمة يرى أن ترتيب سور القرآن الكريم كان ترتيبًا توقيفيًا كما كان ترتيب آياته كذلك، وقد ساقوا من الأدلة الواضحات والحجج الدامعات ما يجعل الباحث يقف عندها طويلًا ويعيد التأمل والبحث والنظر فيها كثيرًا. وفيه مطلبان: المطلب الأول: ذكر جملة من أقوال العلماء المتقدمين ومن أبرز هذه الأقوال ما يلي: القول الأول: قول الزركشي (ت: ٧٩٤ هـ) في البرهان ﵀: "قال بعض مشايخنا

(^١) البرهان (١/ ٢٥٨).

73 / 50

المحققين: قد وهم من قال: لا يطلب للآية الكريمة مناسبة لأنها على حسب الوقائع المتفرقة وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلًا وعلى حسب الحكمة ترتيبًا، فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف … قلت: وهو مبني على أن ترتيب السور توقيفي وهذا الراجح. (^١) ولاشك أن مثل قول الزركشي له قيمته العلمية وله مكانته وقدره كذلك، لكونه قد ناقش أدلة كل فريق من جهة، ولتمكنه من هذا العلم من جهة ثانية. القول الثاني: قول السيوطي (ت: ٩١١ هـ) في الإتقان-﵀: "ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت وَلاءً "يعني متوالية" وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات وَلاءً، بل فُصِلَ بين سورها وفُصِلَ بين "طسم" الشعراء و"طسم" القصص بـ "طس" مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهادًا لذكرت المسبحات وَلاءً، وأخرت "طس" عن القصص". (^٢) القول الثالث: قول أبي بكر الأنباري (ت: ٣٢٨ هـ) حيث يقول- ﵀: "اتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي ﷺ فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن". (^٣) القول الرابع: قول الكرماني: (ت: ٨٩٣ هـ) ﵀: "ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب". (^٤) القول الخامس: قول شرف الدين الطيبي (ت: ٧٤٣ هـ) كذلك- ﵀: "أنزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم نزل مفرقًا على حسب المصالح، ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ. ". (^٥) القول السادس: قول محب الدين النُّوَيْري (ت: ٨٥٧ هـ) حيث يقول- ﵀: وإنما أمرهم-عثمان- بالنسخ من الصحف؛ ليستند مصحفه إلى أصل أبى بكر المستند إلى أصل النبي ﷺ، وعيّن زيدًا لاعتماد أبى بكر وعمر عليه، وضم إليه جماعة مساعدة له، ولينضم العدد إلى العدالة، وكانوا هؤلاء؛ لاشتهار ضبطهم ومعرفتهم. وكتبوه مائة وأربعة عشر سورة، أولها "الحمد" وآخرها "الناس" على هذا الترتيب. (^٦) يتضح من كلام النويري أنه يرى بأن نسخ أبي بكر كان كاملًا مرتب الآيات والسور أيضًا، وأنه استند إلى المكتوب، والمحفوظ عن رسول الله ﷺ، لا فرق بين الآيات والسور في التوقيف، ولذا أمرهم-عثمان- بالنسخ منه. القول السابع: قول أبي جعفر النحاس (ت: ٣٣٨ هـ) حيث يقول- ﵀:

(^١) البرهان في علوم القرآن (١/ ٣٧). وانظر: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني: ١/ ٥٦. والكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم: ١٠/ ٧٦. (^٢) الإتقان: السيوطي ج ١ ص ٦٣. (^٣) الإتقان: السيوطي ج ١ ص ٦٢. (^٤) -البرهان: الزركشي ج ١ ص ٢٥٩، والإتقان للسيوطي ط ١ ص ٦٢. (^٥) الإتقان: السيوطي ج ١ ص ٦٢. (^٦) - شرح طيبة النشر: (١/ ١٠٩).

73 / 51

"إن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله- ﷺ (^١). القول الثامن: قول أبي الحسن ابن الحصَّار (ت: ٦٢٠ هـ) حيث يقول- ﵀: "ترتيب السور ووضع الآيات موضعها إنما كان بالوحي". (^٢) القول التاسع: قول البغوي (ت: ٥١٦ هـ) حيث يقول- ﵀: إن الصحابة- ﵃، جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله ﷾ على رسوله ﷺ، من غير أن زادوا فيه، أو نقصوا منه شيئًا … فكتبوه كما سمعوا من رسول الله ﷺ، من غير أن قدموا شيئًا أو أخروا … فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد، لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على الترتيب الذي هو في مصاحفنا، أنزله الله تعالى جملة واحدة في شهر رمضان ليلة القدر إلى السماء الدنيا، كما قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ (البقرة: ١٨٥)، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (القدر: ١) (^٣). إن كلام البغوي في غاية الدقة، فهو يرى أن القرآن الذي في أيدينا ما زال كما كان في اللوح المحفوظ، فكان مرتبًا، ونزل مرتبًا إلى السماء الدنيا بكامل آياته وسوره، وأنه وإن نزل منجمًا بعد ذلك على رسول الله ﷺ، فقد جُمع بالوحي كما كان في اللوح المحفوظ، وكتبه الصحابة- ﵃ على هذا الجمع الذي تعلموه من رسول الله ﷺ. القول العاشر: قول الملا علي القاري (^٤) حيث يقول- ﵀: مع أن الأصح أن ترتيب السور توقيفي أيضًا، وإن كانت مصاحفهم مختلفة في ذلك قبل العرضة الأخيرة … ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت وَلَاءً، وكذلك الطواسين، ولم يرتب المسبحات وَلَاءً، بل فصل بين سورها، وكذا اختلاط المكيات بالمدنيات (^٥). وفي قول ودليل علي القاري، يتضح أن الترتيب وإن لم يرد فيه نص نظري لكنه كان أوكد من خلال التأمل في التطبيق العملي، الذي يوحي بما لا يدع مجالًا للشك بأن الترتيب كان توقيفيًا. وكلامه فحواه مقتبس من قول السيوطي. ولما سبق لم يتردد العلماء في ترجيح هذا الرأي القائل بالتوقيف، فقد قال أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي: والصحيح أن ترتيب السور والآيات أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه. (^٦) ومما نُظم وقيل في ذلك قولُ أبي الحسن بن الحصار (ت: ٦٢٠ هـ) في كتابه "الناسخ والمنسوخ ": يا سائلي عن كتاب الله مجتهدًا … وعن ترتيب ما يتلى من السور وكيف جاء بها المختار من مضر … صلى الإله على المختار من مضر (^٧) فابن الحصار يشير إلى أن ترتيب السور جاء بها النبي-ﷺ وهي إشارة

(^١) -البرهان: الزركشي ج ١ ص ٢٥٩، والإتقان للسيوطي ط ١ ص ٦٢. (^٢) - الإتقان: السيوطي ج ١ ص ٦٢. (^٣) شرح السنة للبغوي: (٤/ ٥٢١). ويُنظر: المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود: ٥/ ٢٠٦. (^٤) - الملا على القارئ: (ت. ١٠١٤ هـ - ١٦٠٦ م)، هو الشيخ الفقيه المحدث المقرئ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان محمد، القارئ الهروي المكي المعروف بـ " الملّا علي القاري ". لقب بالقاري؛ لكونه عالمًا بالقراءات، والهروي: نسبة إلى مدينة هراة، من أمهات مدن خراسان، وهي ضمن جمهورية أفغانستان الحالية. والمكي: نسبة إلى مكة أم القرى؛ لأنه رحل إليها وأخذ عن مشايخها واستوطنها حتى توفي بها. ولد في مدينة هراة في حدود سنة ٩٣٠ هجرية، وبها نشأ، وطلب العلم، وحفظ القرآن الكريم، وجوده على شيخه المقرئ معين الدين بن الحافظ زين الدين الهروي، وتلقى مبادئ العلوم الشرعية عن شيوخ عصره. ثم رحل إلى مكة، حيث استقر بها، ولازم بها العلماء سنوات طويلة، واستمر في التحصيل، حتى صار من العلماء المشهورين. وكان ﵀ حنفي المذهب، كما هو معروف من مصنفاته، وسيرة حياته، وأسهم في تحرير كثير من مسائل المذهب الحنفي، وتأييدها بالأدلة الشرعية. وكان ﵀ معروفًا بالتدين والتورع والتعفف، وكان يأكل من عمل يده، متقللًا من الدنيا، غلب عليه الزهد والعفاف والرضا بالكفاف. وكان قليل الاختلاط بالناس، كثير العبادة والتقوى، وكان يكتب كل عام مصحفًا بخطه الجميل، ويهمشه بالقراءات والتفسير، فيبيعه ويكفيه قوتًا عامه كله. وكان يرى أن التقرب إلى الحكام وقبول منحهم يضر بالإخلاص والورع. وكان يقول: " رَحِمَ اللَّهُ وَالِدِي، كَانَ يَقُولُ لِي: مَا أُرِيدُ أَنْ تَصِيرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، خَشْيَةَ أَنْ تَقِفَ عَلَى بَابِ الْأُمَرَاءِ". انتهى من "مرقاة المفاتيح" (١/ ٣١١). وللاستزادة من سيرته وأخباره يُنظر: - الأعلام" للزركلي (٥/ ١٢ - ١٣). - التعليق الصبيح على مشكاة المصابيح" للكاندهلوي (ص ٦). - التعليقات السنية" للكنوي (ص ٨ - ٩). - الملا علي القاري فهرس مؤلفاته وما كتب عنه" لمحمد عبد الرحمن الشماع. (^٥) - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - علي بن (سلطان) محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري: (٤/ ١٥٢٢). (^٦) - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد: أحمد بن عبد الرحمن بن محمد البنا الساعاتي: ١٨/ ١٧٤. ويُنظر: فتح البيان في مقاصد القرآن - محمد صديق خان: ١/ ٣١ و١٥، ٣٠٧. وحاشية الشهاب على تفسير البيضاوي: ١/ ٢٥. وتفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن: المقدمة: ٩٦. والتفسير من سنن سعيد بن منصور: ١/ ٢٣٩. ومرعاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح: ٧/ ٣٣٤. (^٧) وللاستزادة ينظر: الإتقان للسيوطي (١/ ٤٤).

73 / 52

واضحة الدلالة من كلامه بأن ترتيب السور توقيفي منه-ﷺ المطلب الثاني: ذكر جملة من أقوال العلماء المعاصرين وقد رجح جمع من المعاصرين القول بالتوقيف كذلك، وهم على سبيل المثال لا الحصر على نحو التالي: "جاء في التفسير الوسيط: ترتيب السور على ما جاء في المصحف الشريف بأمر الله ﷿ (^١). ١ - قال صاحب التفسير الوسيط: والذي تميل إليه النفس أن ترتيب السور توقيفي، وأن كل سورة لها موضوعاتها التي نراها بارزة بصورة تميزها عن غيرها (^٢). ٢ - وقال وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ (ت: ١٤٣٦ هـ): ولا خلاف بين العلماء في أن ترتيب آيات السور توقيفي منقول ثابت عن النّبي ﷺ، كما أن ترتيب السور أيضًا توقيفي على الراجح (^٣). وممن قال به كذلك من المعاصرين محمد عبد الله دراز، أحمد شاكر. المبحث الخامس: أبرز الأدلة التي استدل بها بعض العلماء على توقيف الترتيب المصحفي وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: الدليل الأول: إجماع الصحابة-﵃ على ترتيب السور في المصحف العثماني ومن أبرز ما استدل به بعض هؤلاء على توقيف الترتيب المصحفي ما يلي: إذ لو كان هذا الترتيب ترتيبًا اجتهاديًا لما أجمعوا عليه ولتمسكوا بمصاحفهم ولما قدموها للحرق، ولما اجتمعوا على المصحف الإمام ولقد" قام عثمان بن عفان- ﵁ بإحراق المصاحف التي وقع فيها الاختلاف، وأبقى لهم المتفَق عليه، كما ثبت في العَرْضة الأخيرة". (^٤) وقد ثبت عند البخاري عن أنس بن مالك ﵁، أن حذيفة بن اليمان ﵁ قدم على عثمان ﵁، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أنْ أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم- يعني ابتداءً-، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. (^٥) (^٦)

(^١) - مجمع البحوث (١٠/ ٢٠٤٣). (^٢) التفسير الوسيط لـ محمد سيد طنطاوي (ت: ١٤٣١ هـ): (٦/ ٩)، وهذا التفسير تارة ينسب لـ"طنطاوي"، وتارة أخرى ينسب لمجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، كما هو الحال في طبعة: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية الطبعة: الأولى، (١٣٩٣ هـ = ١٩٧٣ م) - (١٤١٤ هـ = ١٩٩٣ م) عدد المجلدات: ١٠ (^٣) - التفسير المنير للزحيلي (١/ ٢٣). يُنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: ١٤/ ١٨١. وينظر: ترتيب آيات وسور القرآن الكريم-الدكتور محمد أبو زيد عن موقعه. بتصرف (^٤) البداية والنهاية: لابن كثير: (٧/ ١٧٨). (^٥) رواه البخاري، حديث: (٤٩٨٧). (^٦) - قال عمر بن علي بن أحمد الشافعي، المعروف بابن الملقن: (ت: ٨٠٤ هـ) معنى (يغازي) يغزو، وإرمينية: بكسر أوله، وفتحه ابن السمعاني، وتخفف ياؤها وتشدد كما قاله ياقوت، وقال صاحبا "المطالع": بالتخفيف لا غير. وقال أبو عبيد: بلد معروف سميت بكون الأرمن فيها، وهي أمة كالروم، وقيل: سميت بأرمون بن لمطي بن يومن بن يافث بن نوح. قال أبو الفرج: ومن ضم الهمزة غلط، قال: وبكسرها قرأته عَلَى أبي منصور اللغوي؛ وقال: هو اسم أعجمي، وأقيمت -كما قال الرشاطي- سنة أربع وعشرين في خلافة عثمان على يد سليمان بن ربيعة الباهلي. قال: وأهلها بنو الرومي بن إرم بن سام بن نوح. وأذربيجان - بفتح أوله بالقصر والمد، وبفتح الباء وكسرها، وكسر الهمزة أيضًا، حكاه ابن مكي في "تنقيبه"- بلد بالجبال من بلاد العراق يلي كور إرمينينة من جهة المغرب. وقال أبو إسحاق البحيري: الفصيح ذربيجان. وقال الجواليقي: الهمزة في أولها أصلية، لأن أذر مضموم إليه الآخر. يُنظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح: (٢٤/ ٢٠ - ٢٥).

73 / 53

قال علي بن أبي طالب ﵁: " يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا في المصاحف وإحراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعًا ". (^١) وقول علي بن أبي طالب ﵁ يدل على أنهم قد أجمعوا عليه إجماعًا سكوتيًا-﵃ أجمعين-. موقف ابن مسعود- ﵁: قال ابن كثير-﵀: "روي عن عبدالله بن مسعود أنه غضب لما أخذ منه مصحفه فحرق، وتكلَّم في تقدُّم إسلامه على زيد بن ثابت الذي كتب المصاحف، فكتب إليه عثمان بن عفان- ﵁ يدعوه إلى اتِّباع الصحابة فيما أجمعوا عليه من المصلحة في ذلك، وجمع الكلمة، وعدم الاختلاف، فأناب عبدالله بن مسعود، وأجاب إلى المتابعة، وترك المخالفة-﵃ أجمعين-". (^٢) وكذلك إجاب ابن مسعود- ﵁ إلى المتابعة في تقديم مصحفه للحرق تعزز ما ذكرناه آنفًا من قول على بن أبي طالب- ﵁ تقوى وتؤكد وتعزز القول بالإجماع السكوتي من جهة، وتقرر الإجماع الفعلي من جهة أخرى كذلك، فرضي الله عنهم أجمعين. وفي ذلك يقول الزرقاني- (ت: ١٣٦٧ هـ) في "مناهله"- وهو يستعرض أدلة القائلين بالتوقيف: "إن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول- ﷺ كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه ﷺ. واستدل أصحاب هذا الرأي بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان ولم يخالف منهم أحد. وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بمخالفتهم. لكنهم لم يتمسكوا بها بل عدلوا عنها وعن ترتيبهم وعدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعا. ثم ساقوا روايات لمذهبهم كأدلة يستند إليها الإجماع". (^٣) فلو سلمنا جدلًا أن ترتيب المصحف كان في أول أمره ترتيبًا اجتهاديًا لا توقيفيًا، لقلنا إن إجماع الأمة قد استقر على الترتيب المصحفي، حتى إن كُتب التفسير كلها على هذا الأمر لا نعلم منها أي مخالف عند السلف والخلف، لكن شذ عن ذلك ثلاثة نفر من المعاصرين (^٤)، فلا يجوز والحال كذلك خرق هذا العمل الذي أجمعت الأمة عليه، وإنما المعنى بذلك هو كتب التفسير، لأن أمر المصاحف لا يتجرأ أحدُ على مخالفته البتة إلا مما نادى بعض المستشرقين كما سيأتي بيانه. المطلب الثاني: الدليل الثاني: تحزيب الصحابة-﵃ للقرآن ومما استدلوا به كذلك على أن ترتيب السور توقيفي تحزيب القرآن وفي

(^١) المصاحف،؛ لابن أبي داود صـ ٩٦. كتاب المصاحف المؤلف: أبو بكر بن أبي داود، عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (المتوفى: ٣١٦ هـ) المحقق: محمد بن عبده الناشر: الفاروق الحديثة - مصر/ القاهرة الطبعة: الأولى، ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م عدد الأجزاء: ١ (^٢) - البداية والنهاية؛ لابن كثير: (٧/ ٢٢٨). بتصرف يسير. البداية والنهاية المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: ٧٧٤ هـ) الناشر: دار الفكر عام النشر: ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٦ م عدد الأجزاء: ١٥. (^٣) - يُنظر: مناهل العرفان: (١/ ٣٥٤) (^٤) أما الخلف: فقد أحدث ثلاثة نفر منهم خرقًا لهذا الإجمال، فكتبوا تفاسيرهم على الترتيب النزولي، تاركين الترتيب المصحفي الذي عليه عمل السلف واستقر عليه إجماع الأمة. أما التفاسير الثلاثة فهي: ١ - تفسير بيان المعاني: وهو "تفسير كتاب الله الحكيم حسب النزول لـ" عبد القادر ملا حويش". ٢ - التفسير الحديث: لـ" محمد عزة دروزة " ٣ - كتاب "معارج التفكر ودقائق التدبر" لـ" عبد الرحمن حبنكة الميداني" وسيأتي الكلام عنها بالفصيل في الصفحات التالية بإذن الله تعالى.

73 / 54

ذلك يقول الحافظ ابن حجر (ت: ٨٥٢ هـ) -رحمه الله تعالى: "ومما يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفيًّا ما أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ قال: كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف … وفيه … فسألنا أصحاب رسول الله ﷺ قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من "ق" حتى نختم". ثم قال ابن حجر: "فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي- ﷺ ". (^١) وهذا أيضًا دليل واضح جلي ذكره الحافظ في الفتح واستدل به على أن ترتيب السور على ما هو عليه في المصحف الأن كان كذلك في عهد تنزله الأول على عهد النبي ﷺ. المطلب الثالث: الدليل الثالث: النظم الترتيبي لبعض السور المتشابهة في مفتتحها وفي ذلك يقول السيوطي -رحمه الله تعالى-: "ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت وَلاءً "يعني متوالية" وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات وَلاءً، بل فُصِلَ بين سورها وفُصِلَ بين "طسم" الشعراء و"طسم" القصص بـ "طس" مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهادًا لذكرت المسبحات وَلاءً، وأخرت "طس" عن القصص". (^٢) وقد مر ذكره عند عرض أقوال القائلين بتوقيف ترتيب السور. وهذا الترتيب الدقيق الذي ذكره السيوطي للسور المتشابهات في مفتتحها ومطلعها وصفة ترتيبها وتتابعها بتك الدقة المتناهية من سور "آل حميم" وسور "آل طسم"، إذ إن سور "آل حم" السبع رتبت ترتيبًا متواليًا وكذلك سور "آل طسم" الثلاث، وأما سور المسبحات السبع فرغم تشابه مفتتحها فإنها لم تأت متوالية. وقوله: (وأخرت طس) يعني النمل المفتتحة بـ (طس) فقد أخرت عن القصص فجاءت بعدها، وقد وقعت بين سورتي الشعراء والقصص المتشابهتين في الافتتاح بـ (طسم)، فدلل بذلك على أن ترتيب السور توقيفي بلا شك، وهذا استدلال من السيوطي له قوته ووجاهته وحجيته. وسور الحواميم هي: سور ذَوات "آل حم". وسور الطواسين أو الطواسيم هي: السور ذَوات "آل طسم ". وقد جُمِعَتْ على غيرِ قِياس. أما سور "آل حم": فهي سور "آل حم" السبع التي افتتحت بـ"حم" وهي سور: ١ - غافر ٢ - فصلت ٣ - الشورى ٤ - الزخرف ٥ - الدخان ٦ - الجاثية ٧ - الأحقاف. قال الكميت بن يزيد (^٣): وجدنا لكم في آل حاميم آية … تأوّلها منّا تقيّ ومعرب (^٤)

(^١) - فتح الباري: ابن حجر العسقلاني ج ٩ ص ٤٢، ٤٣. (^٢) - الإتقان: السيوطي ج ١ ص ٦٣. (^٣) -الكميت بن زيد الأسدي وكنيته أبو المستهل، (٦٠ هـ - ١٢٦ هـ) شاعر عرب من قبيلة بني أسد ومن أشهر شعراء العصر الأموي، سكن الكوفة واشتهر بالتشيع وقصائده في ذلك المسماة بالهاشميات. يُنظر الموسوعة الحرة-ويكيبيديا. (^٤) - البيت للكميت بن زيد الأسدي، مجاز القرآن لأبي عبيدة: (٢١٨ - ١) وديوانه طبعة الموسوعات بالقاهرة ١٨. وآل حاميم وذوات حاميم: السور التي أولها" حم" نص الحريري في درة الغواص، على أنه يقال: آل حاميم، وذوات حاميم، وآل طسم، ولا يقال: حواميم ولا طواسيم.

73 / 55

وهي على الترتيب المصحفي على النحو التالي: الأولى: (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢» [غافر]. الثانية: (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢» [فصلت]. الثالثة: (حم (١) عسق (٢» [الشورى]. الرابعة: (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢» [الزخرف]. الخامسة: (حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢» [الدخان]. السادسة: (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢» [الجاثية]. السابعة: (حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢» [الأحقاف] "وقد تجعل "حم" اسمًا للسورة ويدخل الإعراب ولا يصرف". (^١) وأما سور "آل طسم": فهي السور المفتتحة بـ (طسم) أو (طس)، وهي ثلاث سور: ١ - الشعراء ٢ - والنمل ٣ - والقصص. وهي على الترتيب المصحفي على النحو التالي: الأولى: (طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) [الشعراء]. الثانية: (طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢» [النمل]. الثالثة: (طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢» [القصص]. أنشد أبو عبيدة: وبالطّواسيم الّتي قد ثلّثت … وبالحواميم الّتي قد سبّعت (^٢) وهو يعني بقوله: " قد ثلّثت" أنها ثلاث سور، وبقوله: " قد سبّعت "أنها سبع سور. وأما المسبحات فهي السور المفتتحة بالتسبيح، وهي سبع سور: ١ - الإسراء. ٢ - الحديد. ٣ - الحشر. ٤ - الصف. ٥ - الجمعة. ٦ - التغابن. ٧ - الأعلى. وهي على الترتيب المصحفي على النحو التالي: الأولى: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) (١) [الإسراء]. الثانية: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) [الحديد]. الثالثة: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) [الحشر]. الرابعة: (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١) [الصف]. الخامسة: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (١) [الجمعة]. السادسة: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١) [التغابن].

(^١) - يُنظر: زاد المسير: ٧/ ٢٠٤ - ٢٠٥. (^٢) - يُنظر: زاد المسير: ٧/ ٢٠٤ - ٢٠٥، جمال القراء: ١/ ٣٤ - ٣٦.

73 / 56

السابعة: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (١) [الأعلى]. المطلب الرابع: الخلاصة من أقوال وأدلة العلماء القائلين بأن ترتيب السور توقيفي وبعد بيان استعراض أقوال وأدلة القائلين بالقول بأن ترتيب السور توقيفي والحكم عليها يتبين لنا ما يلي: أولًا: قوة أدلتهم وحجيتها ووجاهتها ورجحانها ثانيًا: أن ترتيب السور المصحفي الذي استقر عليه المصحف الإمام هو الموافق لما هو مثبت في اللوح المحفوظ بلا شك وهو الذي أجمع عليه الصحابة ﵃ وتلقته الأمة بالقبول وعليه يجب التمسك والاعتصام والعمل به وعدم الحيد عنه سواء كان هذا الترتيب ترتيبًا توقيفيًا أم ترتيبًا اجتهاديًا، مع رد الدعوات المغرضة المنادية بإعادة ترتيب المصحف ترتيبًا نزوليًا أو ترتيبًا موضوعيًا ورد أي دعوة مماثلة لتك الدعاوي الباطلة الهابطة كتلك الدعاوي التي صدرت من بعض المستشرقين الذين سيأتي ذكرهم ومن تأثر بهم وتابعهم ونادى بفكرتهم من بعض المعاصرين كذلك. المبحث السادس: بداية مخالفة ومعارضة الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي وبيان مصدره وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أول من خالف وعارض الترتيب المصحفي بالترتيب النزولي لقد تَعرَّضَ لهذا الترتيب فئة من المستشرقين ولا غرابة في ذلك فهذا شأنهم وديدنهم، ولكن عندما يتعرض لهذا الترتيب فئة من بني جلدتنا وممن ينتمون لقبلتنا فمن هنا يأتي التعجب!. فإنَّ " كلٌ من الشيخ "عبد القادر ملا حويش"، والأستاذ "محمد عزة دروزة"، وهما (معاصريين) قد أقرا بأن ترتيب السور في المصحف توقيفي ولا يجوز مخالفة هذا الترتيب، لأنه كان بوحي من الله إلى جبريل إلى رسول الله-ﷺ ". (^١) ومع ذلك فقد خالفا الترتيب التوقيفي في تفسيريهما، وقد احتجا بأن طريقة تناول التفسير تختلف عن الترتيب المصحفي، وقد قدما أعذارًا لا تقوم بها حجة ولا تتضح بها محجة. وقد أملى كل من "حويش" و"دروزة" تفسيرًا معاصرًا قد رتبه كل منهما ترتيبًا نزوليًا لا ترتيبًا مصحفيًا، و"حويش" هو رأس الحربة الذي ابتدأ هذا الأمر الجلل، إذ هو أول من أقبل على هذا العمل الذي خالف فيه ما درج عليه أئمة التفسير وسادات التحبير والتأويل سلفًا وخلفًا كما سيأتي بيان ذلك وإيضاحه في موضوعه، ثم تبعه "دروزة"، وقد تبعهما على هذا العمل كذلك الشيخ "حبنكة الميداني" كما سيأتي الكلام على تلك التفاسير بشيء من التفصيل والإيضاح والبيان.

(^١) - يُنظر: بيان المعاني ١/ ٣، والتفسير الحديث ١/ ٩.، التفاسير حسب ترتيب النزول في الميزان: د. مصطفى مسلم. مقال عن موقع أهل التفسير، بتاريخ: ١٥/ ١٢/ ١٤٣٢ هـ. بتصرف يسير لينتظم الكلام ويتآلف فحسب.

73 / 57

وجميع هؤلاء بذلك قد خرقوا إجماع الأمة على اتباع الترتيب المصحفي والذي عليه عمل أئمة التفسير من السلف والخلف، وفي حدود علم الباحث واطلاعه الضيق أن هذا العمل لم يسبقهم إليه أحدٌ أبدًا من هذه الأمة، إلا ما كان من دعوة ونداء بعض المستشرقين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا وذلك سعيًا منهم لبث الشبهات حول القرآن ولزعزعة الثقة في كتاب الله ولاسيما في نفوس الأجيال المقبلة. المطلب الثاني: أبرز المستشرقين الداعين لإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا لقد عارض جماعة من المستشرقين الترتيب المصحفي طالبين وداعين بإعادة ترتيب القرآن ترتيبًا نزوليًا، بل فعل ذلك بعضهم ثم ندم وتراجع لما لم يتحقق له مأربه المرجو تحقيقه من وراء ذلك. ومن أبرز هؤلاء المستشرقين: ١ - المستشرق الألماني غوستاف ليبرشت فْلوجِل: (ت: ١٢٧٨ هـ). ٢ - والمستشرق الألماني اليهودي غوستاف فايل: (ت: ١٣٠٦ هـ). ٣ - والمستشرق الألماني فريدريش شفالي: (ت: ١٣٣٨ هـ)، وهو تلميذ تيودور نولدكه ٤ - وشيخ المستشرقين الألماني تيودور نولدكه: (ت: ١٣٤٩ هـ). وهو من أوائل المستشرقين الذين أثاروا مسألة إعادة ترتيب القرآن الكريم، "وفق ترتيب النزول". ولقد أفنى جزءًا كبيرًا من حياته، معتمدًا على كتاب أبي القاسم عمر بن محمد بن عبد الكافي من رجال القرن الخامس. (^١) ويقال بأنه ندم في آخر حياته على الجهد الكبير الذي بذله في علم لا يمكن أن يصل فيه إلى نتائج قطعية بسبب اختلاف الروايات وتضاربها. ٥ - والمستشرق الإنجليزي ديفيد صموئيل مرجليوث: (ت: ١٣٥٨ هـ). ٦ - والمستشرق الفرنسي ريجي بلاشير: (ت: ١٣٩٣ هـ) وقد قام "بلاشير" (زعمًا منه) بترجمة القرآن الكريم للفرنسية عام ١٣٧١ هـ-١٩٥٠ م، والحقيقة أن الترجمة تمتنع تمامًا لأسباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها، وإن الذي يمكن ترجمته إنما هو معاني القرآن فحسب. وقد رتب "بلاشير" تلك الترجمة المزعومة بحسب ترتيب النزول أول الأمر. ثم بعد سبع سنوات من تأمله ثبت لديه عدم صواب وجدوى طريقته الأولى التي استخدمها ألا وهي الترتيب بحسب ترتيب النزول فأعاد ترتيب ترجمته هذه بحسب الترتيب المصحفي. المطلب الثالث: أبرز من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين ولقد تأثر بهؤلاء المستشرقين الكفرة بعض المعاصرين كذلك، ومن أمثال

(^١) - يُنظر: تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني: (ص: ٧١).

73 / 58