Explanation of the Book of Faith by Abu Ubaid - Al-Rajhi
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد - الراجحي
اصناف
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [١]
مذهب أهل السنة أن الإيمان اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد خالف في هذا كثير من أهل البدع، وأقربهم إلى السنة مرجئة الفقهاء، حيث قالوا: الإيمان اعتقاد وقول، وقال المرجئة الجهمية: الإيمان اعتقاد فقط، وقال بعض المبتدعة: الإيمان قول فقط، وأنكر هؤلاء جميعًا كون الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
1 / 1
كتاب الإيمان وموضوعه
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه الرسالة (كتاب الإيمان) صنفها الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، وموضوعها: الإيمان ومعالمه وسننه واستكماله ودرجاته.
وقد والمؤلف ﵀ من علماء القرن الثاني والثالث الهجري، فإن ولادته سنة سبع وخمسين ومائة للهجرة، ووفاته سنة أربع وعشرين ومائتين.
وقد ألف هذه الرسالة ليبين فيها حقيقة الإيمان، وما دلت عليه النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، وما قرره أهل العلم وفهموه من النصوص، ويرد على المخالفين، وهم طائفتان: الطائفة الأولى: المرجئة المحضة، الذين قولهم منكر، والطائفة الثانية: مرجئة الفقهاء الذين وافقوا جمهور أهل السنة في المعنى وخالفوهم في اللفظ.
1 / 2
الآثار المترتبة على خلاف مرجئة الفقهاء في مسألة الإيمان
وأول من قال بالإرجاء حماد بن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة ولكن خلافهم له آثار تترتب عليه، فإنهم وإن وافقوا أهل السنة والجماعة في أن الأعمال لابد منها، وأن العمل واجب، وأن الواجبات واجبات، والمحرمات محرمات، وأن فاعل الواجب يستحق الثواب ويمدح على فعله، وفاعل المعصية والكبيرة يذم ويستحق الوعيد، ويقام عليه الحد إن كان لهذه المعصية حد، إلا أن خلافهم له آثار ترتبت عليه، حتى قال بعض أهل العلم: إن فتنتهم أشد من فتنة الأزارقة، وهم الخوارج؛ وذلك لأنهم خالفوا النصوص لفظًا، وإن وافقوها معنى.
والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، وأن يوافق النصوص لفظًا ومعنى، وليس له أن يخالف النصوص لا لفظًا ولا معنى.
من آثار خلاف مرجئة الفقهاء -وهم الأحناف- مع جمهور أهل السنة: قولهم: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، ففتحوا بابًا للمرجئة المحضة، وهم الجهمية، فقالوا: إن الأعمال ليست واجبة وليست مطلوبة.
ومن الآثار التي ترتبت على خلافهم: أنهم فتحوا بابًا للعصاة والفسقة، فيأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمن كإيمان جبريل وميكائيل وكإيمان أبي بكر وعمر! فإذا قيل له: إن أبا بكر وعمر لهما أعمال عظيمة، فقال: ليس الخلاف في الأعمال، الأعمال شيء والإيمان شيء آخر، أنا مصدق وأبو بكر وعمر مصدقان كل منهما مصدق! ومن الآثار كذلك: خلاف الأحناف ومرجئة الفقهاء مع جمهور أهل السنة في مسألة الاستثناء في الإيمان، وهي قول: أنا مؤمن إن شاء الله، فمرجئة الفقهاء لا يرون الاستثناء ويمنعونه، ويقولون: إن من استثنى فهو شاك في إيمانه، ويسمون الذين يستثنون في إيمانهم: الشكاكة.
أما جمهور أهل السنة فإنهم يفصلون، ويرون أن المستثني إن قصد الشك في أصل إيمانه فهو ممنوع من الاستثناء، أما إن نظر إلى أعمال الإيمان وأنها متعددة، وأن الواجبات كثيرة، وأن الإنسان لا يزكي نفسه، ولا يجزم بأنه أدى ما عليه، فإنه يستثني في هذه الحالة، وكذلك إذا استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة فإنه يستثني، كذلك إذا أراد التبرك بذكر اسم الله فله أن يستثني.
فالمقصود أن الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة ليس خلافًا لفظيًا من جميع الوجوه، كما قاله شارح الطحاوية ﵀، ولكنه خلاف له آثار تترتب عليه كما ذكرنا مسبقًا.
1 / 3
ترجمة الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام
هو أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي، الإمام المجتهد البحر اللغوي الفقيه، صاحب المصنفات، ولد بهراة سنة سبع وخمسين ومائة، وكان أبوه عبدًا روميًا لبعض أهل هراة، سمع جماعة من الأئمة الثقات مثل: سفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية ويزيد بن هارون ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وحماد بن سلمة، وغيرهم، وحدث عنه الإمام الدارمي وأبو بكر بن أبي الدنيا وعلي بن عبد العزيز البغوي ومحمد بن يحيى المروزي وآخرون.
قال الإمام إسحاق بن راهويه: الله يحب الحق، أبو عبيد أعلم مني وأفقه، وقال أيضًا: نحن نحتاج إلى أبي عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا.
وقال أحمد بن حنبل: أبو عبيد أستاذ وهو يزداد كل يوم خيرًا.
وسئل يحيى بن معين عنه فقال: أبو عبيد يسأل الناس عنه.
وقال أبو داود: ثقة مأمون.
قال الحافظ الذهبي: من نظر في كتب أبي عبيد علم مكانه من الحفظ والعلم، وكان حافظًا للحديث وعلله، عارفًا بالفقه والاختلاف، رأسًا في اللغة، إمامًا في القراءات له فيها مصنف، وقع لي من تصانيفه كتاب الأموال، وكتاب الناسخ والمنسوخ.
ولذلك لما كان محدثًا فإنه يروي هذه الرسالة بالأسانيد بعضها مرفوعًا إلى النبي ﷺ، وبعضها موقوفًا على الصحابة، وبعضها موقوفًا على من بعدهم.
وقال الخطيب البغدادي: وكان ذا فضل ودين وفكر ومذهب حسن، وكتبه مستحسنة مطلوبة في كل بلد، والرواة عنه مشهورون ثقات، ذو ذكر ونبل، وكتابه الأموال من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده.
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: ومع هذه المناقب والفضائل فإن الأئمة الستة لم يخرجوا له شيئًا من الحديث، فذلك من الأدلة الكثيرة على أنهم لم يخرجوا لجميع رواة الحديث الثقات، فلا غرابة بعد هذا ألا يخرج البخاري لبعض رواة أهل البيت الثقات منهم، ﵃.
ومن كلام أبي عبيد رحمه الله تعالى: المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من ضرب بالسيف في سبيل الله ﷿.
قلت: هذا في زمانه، فماذا يقال في زماننا؟! أقام ﵀ ببغداد مدة، ثم ولي القضاء بطرسوس، وخرج بعد ذلك إلى مكة فسكنها حتى مات بها سنة أربع وعشرين ومائتين.
وبهذا يتبين أن الإمام أبا عبيد ﵀ له عناية بالحديث والفقه والتوحيد والعقيدة.
1 / 4
ما جاء في نعت الإيمان في استكماله ودرجاته
1 / 5
سند الرسالة إلى أبي عبيد القاسم بن سلام
[أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن معروف أعني ابن أبي نصر في داره بدمشق في صفر سنة عشرين وأربعمائة قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد بن يحيى العسكري صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام هذه الرسالة وأنا أسمع، قال أبو عبيد].
هذا سند الرسالة، فإن الذي رواها الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر، رواها عن صاحب الإمام أبي عبيد وهو أبو يعقوب إسحاق بن أحمد بن يحيى العسكري، وروى هذه الرسالة قبل وفاته بأربع سنين، وعلى هذا فتكون الرسالة ثابتة للمؤلف ﵀.
1 / 6
سبب تأليف الرسالة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أما بعد: فإنك كنت تسألني عن الإيمان، واختلاف الأمة في استكماله، وزيادته ونقصه، وتذكر أنك أحببت معرفة ما عليه أهل السنة من ذلك، وما الحجة على من فارقهم فيه، فإن هذا رحمك الله خطب قد تكلم فيه السلف في صدر هذه الأمة وتابعيها ومن بعدهم إلى يومنا هذا، وقد كتبت إليك بما انتهى إلي علمه من ذلك مشروحًا ملخصًا، وبالله التوفيق].
إذًا موضوع الرسالة هو الجواب عن هذا
السؤال
ما الإيمان؟ وما حقيقته؟ وما الخلاف في استكماله وزيادته ونقصه؟ وهل من خالف أهل السنة والجماعة ومن خالف السلف من الصحابة والتابعين له حجة أو دليل؟ وقول المؤلف ﵀: (فإن هذا رحمك الله) هذا من نصح المؤلف ﵀ أنه يعلمك ويدعو لك، وهذه طريقة العلماء الربانيين، يعلمون الناس ويدعون لهم.
قوله: (خطب) يعني: أمر عظيم ليس بالأمر الهين، فلابد من تحقيقه.
قوله: (وقد تكلم فيه السلف) أي: أن خير هذه الأمة وتابعيها تكلموا في مسألة الإيمان: هل العمل من الإيمان؟ وهل الإيمان يزيد وينقص؟ فإن هذا الأمر عظيم، ولابد من تحقيقه؛ لأن فيه سلامة دين المرء وإيمانه واعتقاده في ربه ونبيه ودينه، والمؤلف يقول: قد تكلم فيه السلف من الصحابة ومن بعدهم، كما سيأتي أن المؤلف ﵀ ساق الأدلة والنصوص عن الصحابة كقول معاذ بن جبل: (اجلس بنا نؤمن ساعة) يعني: يزيد إيماننا.
فالسلف من الصحابة والتابعين والأئمة ومن بعدهم بينوا حقيقة الإيمان، وأنه إقرار باللسان وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، فهذه هي حقيقة الإيمان التي دلت عليها النصوص من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ﷺ، وبينها أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم.
إذًا: حقيقة الإيمان تشمل هذه الأمور الأربعة: قول اللسان وهو النطق، فلابد أن يتلفظ المسلم بالشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ولابد من قول القلب وهو الإقرار والاعتراف والتصديق، ولابد من عمل القلب، وهو النية والإخلاص والصدق والمحبة والانقياد، ولابد من عمل الجوارح، كالصلاة والصيام والزكاة والحج وبر الوالدين، وصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والإحسان إلى الجيران، وكف المسلم نفسه عن المحرمات التي أعظمها وأغلظها الشرك بالله ﷿، والعدوان على النفس في الدماء، والعدوان على الناس في الأموال، والعدوان على الناس في الأعراض، فينتهي عن المحرمات تدينًا وإيمانًا بالله، وبما جاء عن الله وبما جاء عن رسول الله ﷺ من ترك المحرمات، فهذه هي حقيقة الإيمان التي دلت عليها النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وقد قال كثير من السلف: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان، يعني: القلب، وعمل بالأركان، يعني: الجوارح.
وقال بعضهم: الإيمان عمل ونية، عمل القلب وعمل الجوارح، وهذه هي حقيقة الإيمان، ولهذا قال المؤلف ﵀: (إن هذا خطب قد تكلم فيه السلف في صدر الأمة وتابعيها ومن بعدهم إلى يومنا هذا) يعني: هذا أمر واضح، ليس أمرًا خفيًا؛ لأن الإيمان هو الذي أراده الله تعالى من عباده وخلقهم من أجله، فالله خلق الخلق ليعبدوه ويؤمنوا به ويوحدوه، ويمتثلوا أمره ويجتنبوا نهيه، ويلتزموا شرعه ودينه، ويقفوا عند حدوده، ويستقيموا على شرعه ودينه، فهذا الأمر لا بد أن يكون واضحًا وجليًا، ولهذا فإن النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ واضحة في هذا، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:٢]، ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الأنفال:٣].
﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال:٤].
فبين الله ﷾ أن من صفات المؤمنين حقًا أنهم الذين توجل قلوبهم عند ذكر الله، ويزدادون إيمانًا عند تلاوة آياته، ويتوكلون على الله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهذه الأعمال شملت أعمال الجوارح وأعمال القلوب، فوجل القلب عند ذكر الله من أعمال القلوب، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فهذه أعمال، وكلها داخلة في مسمى الإيمان، ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال:٤]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات:١٥]، فهؤلاء هم الصادقون في إيمانهم، آمنوا بالله وبرسوله، ولم يرتابوا ولم يشكوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم، فدل على أن من لم يأت بالأعمال ليس صادقًا في إيمانه، فيقال: ليس بصادق الإيمان، ليس بمؤمن حقًا، فالفاسق والعاصي والمرتكب للكبيرة، وإن كان داخلًا في اسم الإيمان، إلا أنه لا يطلق عليه الإيمان، بل لابد من النفي، نفيًا وإثباتًا، فلا يقال: مؤمن بإطلاق، ولا يقال: ليس بمؤمن بإطلاق، بل لابد أن يقيد في النفي وفي الإثبات، في الإثبات تقول: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن فاسق بإيمانه، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي تقول: ليس بمؤمن حقًا، ليس بصادق الإيمان؛ لأنك إذا أثبت له الإيمان قلت: هو مؤمن بإطلاق، وهو عاص يرتكب الكبائر، فقد وافقت المرجئة، وإذا قلت: ليس بمؤمن ونفيت عنه الإيمان، فقد وافقت الخوارج والمعتزلة، فلابد من التقييد في النفي والإثبات، مؤمن ناقص الإيمان، وفي النفي ليس بصادق الإيمان، قال سبحانه: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥]، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، وهذه رواية مسلم، وفي رواية البخاري: (الإيمان بضع وستون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
فهذا الحديث دل على أن الإيمان شعب متعددة كثيرة كلها داخلة في مسمى الإيمان، ومثل النبي ﷺ لأعلاها وأدانها، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، أي: كلمة التوحيد، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، وبين الأعلى والأدنى شعب متفاوتة منها ما يقرب من شعبة الشهادة، ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، والصلاة شعبة، والزكاة شعبة، والصوم شعبة، وبر الوالدين شعبة، وصلة الرحم شعبة، والأمر بالمعروف شعبة، والنهي عن المنكر شعبة، والإحسان إلى الجيران شعبة، والإحسان إلى اليتامى والأرامل والمساكين والحيوانات كلها من شعب الإيمان وهكذا.
ومثل النبي ﷺ للشعبة القولية بكلمة التوحيد، والشعبة العملية بإماطة الأذى عن الطريق، والشعبة القلبية بالحياء، فدل على أن أعمال الجوارح وأعمال القلوب وأقوال اللسان كلها داخلة في المسمى، وهذا هو الذي أقره أهل السنة والجماعة، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أهل العلم كـ سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وإسحاق بن راهويه، وهو الذي عليه الصحابة والتابعون والأئمة.
وفي حديث وفد عبد القيس: (لما جاءوا إلى النبي ﷺ وقالوا: إنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نخرج إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل نعمل به ونخبر به من وراءنا، فقال النبي ﷺ: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بأربع: شهادة أن لا إله إلا الله، أتدرون ما شهادة أن لا إله إلا الله؟ إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمس ما غنمتم)، وفي اللفظ الآخر: (آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم)، ففسر الإيمان بهذه الأمور الخمسة، بالشهادة: أي: بكلمة التوحيد، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأداء الخمس، وهذه أعمال، فدل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان، والأدلة في هذا كثيرة، وأقوال العلماء في هذا كثيرة، كما بين أبو عبيد القاسم بن سلام ﵀ وبينه غيره من أهل العلم، وقد ألف أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كتابًا في الإيمان، كتابًا كبيرًا وكتابًا صغيرًا، وكلاهما عظيم في بيان الإيمان وما يكون في مسمى الإيمان وبيان من خالفه.
1 / 7
مسمى الإيمان
1 / 8
افتراق أهل العلم في الإيمان إلى فرقتين
قال المصنف: [اعلم رحمك الله أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين، فقالت إحداهما: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب، وشهادة الألسنة، وعمل الجوارح، وقالت الفرقة الأخرى: بل الإيمان بالقلوب والألسنة، فأما الأعمال فإنما هي تقوى وبر، وليست من الإيمان].
قوله: (اعلم) يعني: انتبه وألق سمعك لهذا الأمر.
قوله: (رحمك الله) دعاء، وهذا من نصحه ﵀.
قوله: (أن أهل العلم والعناية بالدين افترقوا في هذا الأمر) يعني: في مسمى الإيمان، ما هو مسمى الإيمان؟ قوله: (فرقتين) الفرقة الأول: الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة، قالوا: إن مسمى الإيمان قول باللسان، وقول القلب وعمل القلب، وعمل الجوارح، وقالوا: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب، وشهادة الألسنة، وعمل الجوارح، وهذا هو المذهب الحق الذي دلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فينطق الإنسان بلسانه، ويشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمدًا رسول الله، ويعمل بجوارحه، فيصلي ويصوم ويزكي ويحج ويبر بوالديه ويصل رحمه ويحسن إلى جيرانه، ويحسن إلى الفقراء واليتامى والمساكين والأرامل، ويكف جوارحه عما حرم الله ﷿، فكل هذه أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، ولهذا قال المؤلف ﵀: (فقالت إحداهما: الإيمان بالإخلاص لله بالقلوب) عمل القلب، (وشهادة الألسنة) يعني: النطق باللسان، الألسنة جمع لسان، (وعمل الجوارح) الجوارح تعمل، واللسان ينطق، والقلب عنده إخلاص، وبر ونية وانقياد، ومحبة وخوف ورجاء من الله ﷿، كل هذه من أعمال القلوب، والخوف من الله والرجاء، والنية والإخلاص، والمحبة والانقياد مع قول اللسان ومع أعمال الجوارح، كل هذه داخلة في مسمى الإيمان، هذه الفرقة الأولى.
قوله: (وقالت الفرقة الأخرى: بل الإيمان بالقلوب والألسنة) وهذا هو مذهب مرجئة الفقهاء، كـ أبي حنيفة وأصحابه من أهل الكوفة وهم طائفة من أهل السنة، قالوا: إن الإيمان شيئان: في القلب، وفي اللسان، في القلب التصديق والإقرار، وفي اللسان النطق، أما عمل الجوارح كالصلاة والصوم والزكاة والحج، فليست من الإيمان، ولكنها تقوى وبر، قالوا: نسميها تقوى ونسميها برًا، ولا نسميها إيمانًا ولو كانت مطلوبة، قالوا: فالإنسان عليه واجبان، واجب الإيمان وواجب العمل، ولا يدخل أحدهما في مسمى الآخر.
واختلفوا في أعمال القلوب: هل هي داخلة أو ليست داخلة؟ فمنهم من أدخلها ومنهم من أخرجها من مسمى الإيمان، وأما جمهور أهل السنة فقالوا: الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، أعمال القلوب وأعمال الجوارح، نسميها إيمانًا ونسميها تقوى ونسميها برًا، هي تقوى وبر وإيمان، أما مرجئة الفقهاء فقالوا: هي تقوى وبر وليست إيمانًا، فالبر والتقوى غير الإيمان، الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان، وأما أعمال الجوارح نسميها تقوى ونسميها برًا وهي مطلوبة وواجبة، ويثاب فاعلها، ويعاقب تاركها، ويقام الحد على من ارتكب كبيرة، لكن لا نسميها إيمانًا، فهي ليست من الإيمان.
وإذا نظرنا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وجدنا أن النصوص أدخلت الأعمال في مسمى الإيمان: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال:٢ - ٤] وفي الحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، والبضع من ثلاثة إلى تسعة.
وقد ألف الإمام البيهقي ﵀ مؤلفًا في هذا سماه شعب الإيمان، تتبع ما ورد في النصوص بتسميته إيمان ووضعه في كتابه، وأوصلها إلى تسع وسبعين شعبة.
فالمؤلف ﵀ يقول: إن أهل العلم والعبادة بالدين افترقوا في هذا الأمر فرقتين: جمهور أهل السنة، ومرجئة الفقهاء، كلهم من أهل العلم والدين؛ لأن مرجئة الفقهاء طائفة من أهل السنة، لكنهم خالفوا النصوص في اللفظ وإن كانوا من أهل العلم والدين، إلا أن الفرقة الأولى أسعد منهم بالدليل، وهم الذين وافقوا النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ لفظًا ومعنى، وتأدبوا مع النصوص وسموا الأعمال إيمانًا، وأما مرجئة الفقهاء فإنهم أخرجوا الأعمال ولم يدخلوها في الإيمان.
وهناك فرقة ثالثة، لكنهم ليسوا من أهل العلم والدين، وهم المرجئة المحضة كالجهمية وغيرهم فإنهم قالوا: إن الإيمان مجرد معرفة القلب، ويتزعمهم الجهم بن صفوان ويقول: الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جحد الرب بالقلب، فمن عرف ربه بإيمانه فهو مؤمن عند الجهمية، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، وعلى هذا ألزم العلماء الجهم بأن إبليس مؤمن؛ لأنه عرف ربه بقلبه، ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر:٣٦]، وكذلك فرعون الذي ادعى الربوبية وقال للناس: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات:٢٤] مؤمن على مذهب الجهم؟ لأنه يعرف ربه بقلبه، قال الله تعالى عنه وعن ملائه: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل:١٤]، واليهود على مذهب الجهم مؤمنون؛ لأنهم يعرفون ربهم بقلوبهم ويعرفون صدق النبي ﷺ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:١٤٦]، وأبو طالب ثبت في صحيح البخاري أنه مات على الشرك، فيكون على مذهب الجهم مؤمنًا؛ لأنه يعلم صدق النبي ﷺ، قال في قصيدة مشهورة: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحًا بذاك مبينا والجهمية ليسوا من أهل العلم والدين، ولهذا ما ذكرهم ﵀، ويسمون المرجئة المحضة، فهم يرون أن الأعمال ليست واجبة، وأن الإنسان لو ارتكب جميع الكبائر والمنكرات، وهدم المساجد وقتل الأنبياء والصالحين، وهو يعرف ربه بقلبه يكون مؤمنًا! هذا مذهب الجهم كما بين ذلك العلامة ابن القيم ﵀ في الكافية الشافية، والجهم بن صفوان ملحد كفره أهل العلم، والجهمية هناك من العلماء من كفرهم بإطلاق، ومنهم من بدعهم، ومنهم من كفر غلاتهم، وقد ذكر العلامة ابن القيم ﵀ أنه كفرهم خمسمائة عالم، قال: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان أي خمسمائة والإمام اللالكائي قد حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني.
فالمقصود أن أهل العلم والدين -كما قال المؤلف ﵀ افترقوا في مسمى الإيمان إلى فرقتين: فرقة أدخلت أعمال القلوب وأعمال الجوارح في مسمى الإيمان مع تصديق القلب، والإقرار باللسان، وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، وغيرهم من أهل العلم.
والطائفة الثانية: مرجئة الفقهاء وهم أبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة ومن تبعهم يرون أن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وأن الإيمان إنما هو الإقرار باللسان وتصديق القلب، وأما أعمال الجوارح وأعمال القلوب فهي مطلوبة، ويجب على الإنسان أن يؤدي الواجبات ويترك المحرمات إلا أنهم لا يسمونها إيمانًا بل يسمونها تقوى وبرًا، وأما جمهور أهل السنة فإنهم يسمونها إيمانًا ويسمونها تقوى ويسمونها برًا، فهي تقوى وإيمان وبر.
1 / 9
شرح كتاب الإيمان لأبي عبيد [٢]
الأعمال الصالحة تدخل في مسمى الإيمان، والأدلة على هذا كثيرة من القرآن والسنة وآثار سلف الأمة، وقد ذكرها العلماء في ردهم على مرجئة الفقهاء الذين أخرجوا الأعمال من مسمى الإيمان، ولهم شبهات يستدلون بها، وقد بين أهل السنة بطلان استدلالهم بما استدلوا به، وأنه لا يدل على ما ذهبوا إليه، وقد خالفوا بمذهبهم ظاهر الكتاب والسنة.
2 / 1
رد أبو عبيد نزاع الفرقتين إلى الكتاب والسنة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنا نظرنا في اختلاف الطائفتين، فوجدنا الكتاب والسنة يصدقان الطائفة التي جعلت الإيمان بالنية والقول والعمل جميعًا، وينفيان ما قالت الأخرى].
بعد أن ذكر المؤلف ﵀ الخلاف في مسمى الإيمان، عمل بقول الله ﷿: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء:٥٩]، وهذه هي طريقة أهل العلم، أنهم يردون ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ عملًا بقول الله ﷿: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:٥٩]، وقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى:١٠].
فالواجب على المسلم أن يرد ما تنازع فيه الناس، وأن يعرض خلاف الناس وخلاف العلماء على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فما وافق كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فهو الحق، وما خالفهما فهو مردود.
فالمؤلف الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام ﵀ من الراسخين في العلم، ومن أهل العلم والبصيرة، ومن أهل الفقه في الدين، ولذلك رد نزاع هاتين الفرقتين إلى الكتاب والسنة، فوجد أن الكتاب والسنة يوافقان قول جمهور أهل السنة، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فتبين بهذا أنه الحق، وأن قول مرجئة الفقهاء في إخراج الأعمال عن مسمى الإيمان قول ليس بصحيح، يخالف النصوص في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ.
قال المصنف: [والأصل الذي هو حجتنا في ذلك اتباع ما نطق به القرآن، فإن الله تعالى ذكره علوًا كبيرًا قال في محكم كتابه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:٥٩].
وإنا رددنا الأمر إلى ما ابتعث الله عليه رسوله ﷺ وأنزل به كتابه، فوجدناه قد جعل بدأ الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ﷺ، فأقام النبي ﷺ].
المؤلف ﵀ يقول: إن هذه المسألة من مسائل النزاع، والأصل الذي هو حجتنا اتباع ما جاء في القرآن، وقوله: (اتباع ما نطق به القرآن) أخذ من قول الله تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الجاثية:٢٩].
وبين المؤلف ﵀ أن أصل الدين وأساس الملة أن تشهد لله تعالى بالوحدانية، وأن تشهد لنبيه ﷺ بالرسالة، وأن توحد الله وتخلص له العبادة، وهذا هو الأمر الذي أنزل الله به الكتب، وأرسل به الرسل، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:٣٦]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:٢٥].
وكل نبي ابتعثه الله يدعو قومه ابتداء إلى توحيد الله وإخلاص الدين له، ويأمرهم بعبادة الله، ويقول: اعبدوا الله، كما قال سبحانه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٥٩]، وقال: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٦٥]، وقال: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٧٣]، وقال: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف:٨٥].
هذا هو الذي بعث الله به الرسل، وأنزل به الكتب، والنبي ﷺ بعثه الله بين قوم مشركين، فدعاهم إلى التوحيد، وقال لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) ومكث على هذا بضع عشرة سنة، يدعو إلى هذه الشهادة الخاصة، ولم يأمرهم بالصلاة ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج؛ لأن أصل الدين وأساس الملة هو التوحيد، فلا تصح الأعمال إلا بالتوحيد، إلا الصلاة فإنها فرضت أول البعثة لسنة أو لسنتين أو ثلاث على خلاف، فلما هاجر النبي ﷺ إلى المدينة شرع الله الشرائع ففرضت الزكاة في المدينة، وفرض الصوم وفرض الحج، وشرع الأذان، وشرعت الحدود، أما في مكة فإن النبي ﷺ اقتصر على دعوتهم إلى التوحيد؛ لأن التوحيد هو أصل الدين وأساس الملة وهو الذي تبنى عليه الأعمال، ولا تصح الأعمال إلا به، فإذا ثبت التوحيد استقر في القلوب، وعند ذلك تبنى عليه الأعمال وتصح.
أما إذا عمل الإنسان عملًا وهو لم يوحد، كأن يصلي ويصوم ويزكي ويحج وهو مشرك فإن ذلك لا ينفعه، إلا بعد ثبات التوحيد والإيمان في القلب.
2 / 2
الإيمان في مكة اقتصر على الشهادتين فقط
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأقام النبي ﷺ بمكة بعد النبوة عشر سنين أو بضع عشرة سنة يدعو إلى هذه الشهادة خاصة، وليس الإيمان المفترض على العباد يومئذ سواها، فمن أجاب إليها كان مؤمنًا، لا يلزمه اسم في الدين غيره، وليس يجب عليهم زكاة، ولا صيام، ولا غير ذلك من شرائع الدين].
هذا في مكة أول الأمر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما كان هذا التخفيف عن الناس يومئذ فيما يرويه العلماء رحمة من الله لعباده، ورفقًا بهم؛ لأنهم كانوا حديث عهد بجاهلية وجفائها، ولو حملهم الفرائض كلها معًا نفرت منه قلوبهم، وثقلت على أبدانهم].
ولأنها لا تصح إلا بعد استقرار التوحيد والثبات في القلب؛ لأن هذه الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تصح ولا تقبل ولا تكون نافعة عند الله إلا بعد التوحيد، ولهذا بدأ النبي ﷺ بالتوحيد، وكل نبي يدعو قومه إلى التوحيد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فجعل ذلك الإقرار بالألسن وحدها هو الإيمان المفترض على الناس يومئذ، فكانوا على ذلك إقامتهم بمكة كلها وبضعة عشر شهرًا بالمدينة وبعد الهجرة].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلما أثاب الناس إلى الإسلام وحسنت فيه رغبتهم، زادهم الله في إيمانهم أن صرف الصلاة إلى الكعبة، بعد أن كانت إلى بيت المقدس، فقال: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة:١٤٤].
ثم خاطبهم وهم بالمدينة باسم الإيمان المتقدم لهم في كل ما أمرهم به، أو نهاهم عنه، فقال في الأمر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:٧٧]، و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة:٦]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران:١٣٠]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة:٩٥]].
أثاب: يعني اجتمع أي: لما اجتمع الناس على الإسلام في المدينة واستقر التوحيد وثبت في القلوب، وحسنت رغبتهم فيه؛ شرع الله الشرائع، فحددت الأوقات والصلوات، وشرع الأذان، وشرعت الجماعة، وفرضت الزكاة، وفرض الصوم، وفرض الحج، وشرعت الحدود.
والمعنى: أنه لما هاجر النبي ﷺ والصحابة إلى المدينة، شرعت الشرائع، فناداهم الله باسم الإيمان، أمرًا ونهيًا، وطلب منهم ﷾ امتثال الأوامر واجتناب النواهي؛ لأنهم موحدون فقال في الأمر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:٧٧]، فقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج:٧٧] يعني: وحدوا الله، وعندما ثبت التوحيد أوجب الله عليهم الصلاة ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج:٧٧]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة:٦]، فأمرهم بالوضوء، وفي النهي نهاهم عن الربا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ [آل عمران:١٣٠]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ﴾ [المائدة:٩٥]، فشرعت الشرائع، وفرضت الواجبات، وحرمت المحرمات، فامتثلوا أمر الله واجتنبوا نهيه.
2 / 3
الأسئلة
2 / 4
حقيقة الخلاف بين أهل السنة ومرجئة الفقهاء في مسائل الإيمان
السؤال
ما رأيكم فيمن يقول: إن خلافنا مع مرجئة الفقهاء خلاف حقيقي من وجوه عدة، من جهة مخالفتهم للنصوص الصريحة، وإجماع السلف على أن الأعمال من الإيمان، ومن جهة حكمهم على أهل الكبائر وعدم تكفيرهم لبعض من تلبس بالكفر العملي، ومن جهة ما يثمر عن ذلك من الولاء والبراء، وأن الفاسق والفاجر والمؤمن في الإيمان سواء، فالمحبة لهم سواء، والراجح أنهم فتحوا بابًا للفسقة والفجرة أن يفعلوا ما شاءوا، ويقولون: إن إيماننا كامل؟
الجواب
نعم، سبق أن خلافهم ليس خلافًا لفظيًا، ولكنه خلاف له آثار تترتب عليه، أما أهل السنة فقد تأدبوا مع النصوص فقالوا: إن العمل داخل في مسمى الإيمان، ومرجئة الفقهاء خالفوا النصوص في اللفظ وإن وافقوها في المعنى، ومنها فتح الباب للفسقة، وفتح الباب للمرجئة.
أما حكم أهل الكبائر فمرجئة الفقهاء من أهل السنة يرون أن صاحب الكبيرة يستحق الوعيد، ويقام عليه الحد في الدنيا، إذا كانت الكبيرة عليها حد، أما المرجئة المحضة الجهمية، فهم الذين يرون أن صاحب الكبيرة ليس عليه شيء.
وهم يرون أنه مؤمن كامل الإيمان؛ لأن التفاضل بين الناس بالأعمال ليس التفاضل بينهم بالإيمان، فالإيمان عندهم واحد وأهله في أصله سواء.
أما عدم تكفيرهم لبعض من تلبس بالكفر العملي، فهم يفصلون في هذا؛ لأنهم يرون أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والكفر إنما يكون بالجحود، والجحود يكون بالقلب، فهم يرون أن الأعمال الكفرية دليل على الجحود، ودليل على ما في القلب، والصواب أن الأعمال الكفرية هي كفر، فمن سجد للصنم كفر على الصحيح، ومن سب الله أو سب الرسول أو سب دين الإسلام فهذا كفر، وليس هو دليل على الكفر، فهم يقولون: إن هذا دليل على الكفر ودليل على ما في قلبه.
والصواب أن الكفر يكون بالجحود، كأن يجحد فرضية الصلاة وفرضية الزكاة أو فرضية الحج، أو ينكر البعث، أو الجنة أو النار، أو يجحد صفة وصف الله بها نفسه، أو خبرًا أخبر الله به، بعد قيام الحجة، ويكون أيضًا بالقول كما لو سب الله، أو سب الرسول أو سب دين الإسلام، أو استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله أو بدينه، كما قال الله تعالى في الذين استهزءوا بالنبي ﷺ وبالقراء من أصحابة في غزوة تبوك، فأنزل الله فيهم هذه الآية: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:٦٥ - ٦٦].
فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان، ويكون الكفر في العمل أيضًا، كما لو سجد للصنم، فالسجود للصنم كفر عمل، ويكون الكفر أيضًا بالإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعبد الله.
فالكفر يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالعمل، ويكون بالرفض والترك والإعراض عن دين الله، أما المرجئة فإنهم يرون أن الكفر لا يكون إلا بالقلب، وأن السجود للصنم أو السب إنما هو دليل على ما في القلب، والصواب أنه كفر مستقل بنفسه، فالسجود للصنم كفر بنفسه، والسب والاستهزاء لله ولكتابه ولرسول دينه كفر بنفسه، وكذلك أيضًا الإعراض عن دين الله، فمن لا يتعلم الدين ولا يعبد الله كفر، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ [الأحقاف:٣]، ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾ [السجدة:٢٢].
كذلك يرى مرجئة الفقهاء أن الناس قسمان: ولي لله، وعدو لله، فالمؤمن سواء كان عاصيًا أو مطيعًا فهو ولي لله، والكافر عدو لله، وأما جمهور أهل السنة فيرون الناس ثلاثة أقسام: ولي لله كامل الولاية وهو المؤمن التقي، الذي أدى الواجبات، وانتهى عن المحرمات، وعدو شر العداوة وهو الكافر، وهناك قسم ثالث، ولي لله من وجه وعدو لله من وجه، وهو المؤمن العاصي، فهو ولي لله في إيمانه وطاعته، وعدو لله في معصيته وفسقه، فيوالى من وجه، ويعادى من وجه، ويحب من وجه، ويبغض من وجه، أما مرجئة الفقهاء فهم فتحوا بابًا للفسقة أن يقولوا: نفعل ما نشاء، وإيماننا كامل لا يتأثر، فهم يرون أن المفاضلة بين الناس في أعمال البر وأن الإيمان ليس فيه تفاضل.
2 / 5
كيفية التعامل مع من يتبنى منهج الجهمية
السؤال
ظهرت في الآونة الأخيرة ممن ينتسبون إلى مذهب السلف وأهل السنة ولهم جهود في ذلك مشكورة، ولكنهم وافقوا مرجئة الفقهاء، بل في بعض الجوانب وافقوا الجهمية، كعدم تكفيرهم من ادعى النبوة، وإن قامت عليه الحجة، حتى قالوا: يكفي أن يقول: لا إله إلا الله ولو عمل ما عمل من أعمال الكفر، وإذا قيل لهم: ما تقولون فيمن سب الله والرسول؟ قالوا: هو علامة على الكفر، فهل هؤلاء يحذر منهم، ويتعامل معهم كالتعامل مع أهل البدع، مع أن كبار أهل العلم قد أفتوا فيهم، وبينوا خطأهم وردوا عليهم، ولكنهم أصروا وعاندوا ولم يرجعوا؟
الجواب
هؤلاء هم المرجئة المحضة على مذهب الجهمية، الذين يقولون: إن من ادعى النبوة لا يكفر.
فهم يرون أن الإيمان هو التصديق بالقلب، فيكفي معرفة الرب بالقلب فقط، وأنه لو فعل جميع الكبائر والمنكرات وأعمال الردة فلا يكفر، فهذا مذهب الجهمية وهم المرجئة المحضة، وليس من مرجئة الفقهاء الذين هم طائفة من أهل السنة، وإن كان خلافهم له آثار، لكنهم يرون أن الواجبات واجبات، وأن المحرمات محرمات، ويكفرون من كفره الله ورسوله، لكن هؤلاء جهمية وهم المرجئة المحضة.
فإذا كان هناك أحد يرى هذا الرأي فهو على مذهب الجهمية، وهؤلاء يحذر منهم، ويبين أن مذهبهم مذهب باطل فاسد.
2 / 6
لا يتحقق الإيمان إلا بالعمل
السؤال
رجل ترك جميع الأعمال فهل هذا مسلم، وبعضهم يحتج على إسلامه بحديث: (يخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط)؟
الجواب
لا يتحقق الإيمان إلا بالعمل، فالإنسان لابد له من التصديق، وهذا التصديق والإيمان لابد له من عمل يتحقق به، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، إبليس مصدق، وفرعون مصدق، ليس عندهما انقياد بالعمل، إبليس لما أمره الله بالسجود لآدم رفض وعارض أمر الله، وقال: أنا خير منه، أنا أفضل منه، ولا يمكن أن يسجد الفاضل للمفضول: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف:١٢]، وفرعون كذلك رفض أمر الله وأمر رسوله، ولم يؤمن بنبيه، فمن يدعي الإيمان والتصديق ويرفض العمل فيكون كفره بالاستكبار، ولابد لهذا الإيمان والتصديق الذي في القلب من عمل يتحقق به، أما إذا رفض العمل فقد استكبر عن عبادة الله، ويكون كفره بالاستكبار والعياذ بالله، ويقال له: أي فرق بين إيمانك وإيمان إبليس وفرعون؟! كما أن الذي يعمل، يصلي ويصوم ويتصدق ويحج، لابد لهذا العمل من إيمان يصححه، وإلا صار كإسلام المنافقين، فالمنافقون كانوا يصلون ويجاهدون مع النبي ﷺ لكن أعمالهم ليس لها إيمان يصححها، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة:٨].
وقال: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون:١].
فلابد للإيمان بالتصديق في القلب من عمل يتحقق به، وانقياد لأمر الله وأمر رسوله، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، ولابد للعمل من صلاة وصيام وزكاة وحج، لا بد من إيمان يصححها، وإلا صار كإسلام المنافقين.
2 / 7
التلازم بين العمل والحياء
السؤال
في الحديث: (الحياء شعبة من الإيمان) فلو أن رجلًا كان تاركًا لجميع الأعمال تركًا كليًا ولكن عنده حياء، فهل هذا معناه أنه يسمى مؤمنًا؟
الجواب
الذي يترك الأعمال ليس عنده حياء، وكونه يدعي الحياء كذب، فالذي يستحي من الله ورسوله هو المؤمن المصدق الذي يعمل، فيمتثل أمر الله وليس منافقًا، أما من كان يرفض أمر الله وأمر رسوله فليس عنده حياء، وفي الحديث الصحيح: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) معنى هذا ليس عنده حياء.
2 / 8
مرجئة الفقهاء وصلتهم بأهل السنة
السؤال
ذكرتم أن جمهور أهل السنة يقولون: إن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فلماذا لم تقولوا: إن هذا قول كل أهل السنة؟
الجواب
لأن الإمام أبا حنيفة وأصحابه، والعباد من أهل الكوفة، يسمون مرجئة الفقهاء وهم من أهل السنة.
2 / 9
مذهب أهل السنة في إطلاق الإيمان
السؤال
هل هناك فرق بين الإثبات أو النفي لمطلق الإيمان، وبين الإثبات أو النفي للإيمان المطلق؟ وإن كان هناك فرق فما أثره؟
الجواب
مذهب أهل السنة والجماعة عدم إطلاق الإيمان نفيًا أو إثباتًا للعاصي والفاسق ومرتكب الكبيرة، بل لابد من التقييد في النفي وفي الإثبات، فلا يقال عن الفاسق والعاصي ومرتكب الكبيرة: مؤمن بإطلاق، ولا يقال: ليس بمؤمن بإطلاق، لابد من التقييد في النفي، ولابد من التقييد في الإثبات، ففي الإثبات تقول: مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته؛ لأنك إذا قلت: (مؤمن) وسكت، وافقت المرجئة، والمرجئة يقولون عن العاصي: إنه مؤمن، وفي الإثبات لابد أن تقيد، وفي النفي لابد أن تقيد، فتقول: ليس بصادق الإيمان، ليس بمؤمن حقًا؛ لأنك إذا قلت: (ليس بمؤمن) وسكت، وافقت الخوارج والمعتزلة، وفي الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربه وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)، هذا نفي الإيمان الكامل، لكن الزاني والسارق عنده أصل الإيمان، والشارب والمنتهب عنده أصل الإيمان، والنصوص في هذا كثيرة: (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)، (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه)، هذا من ينافي كمال الإيمان.
2 / 10
قول شيخ الإسلام في مرجئة الفقهاء
السؤال
ما الفرق بين كتاب الإيمان لـ أبي عبيد القاسم بن سلام وكتاب الإيمان لـ ابن أبي شيبة؟ ثم هل لشيخ الإسلام ابن تيمية قول حول رأي فقهاء الأحناف؟
الجواب
كتاب الإيمان لـ ابن أبي شيبة نصوص وآثار، فهو أوسع في التفصيل، وأما شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ فقد نقل نقولًا عن العلماء بأن مرجئة الفقهاء وإن كان خلافهم لفظيًا في كون مرتكب الكبيرة لا ينفى عنه الإيمان وأن مرتكب الكبيرة عليه الوعيد، نقل نقولًا عن بعض العلماء بأنهم أشد من فتنة الأزارقة الخوارج، نظرًا لما يترتب عليه معتقدهم من الآثار التي سبق الكلام عليها.
2 / 11