Explanation of Tahawiyyah Creed - Yusuf Al-Ghufays
شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
اصناف
مذهب الأشاعرة في الرؤية
مذهب الأشاعرة في الرؤية، ملفق من مذهب أهل السنة ومذهب المعتزلة؛ فإنهم قالوا: إن الله يرى بلا جهة، وهذا الذي تقلده المتأخرة من الأشاعرة كـ أبي المعالي والرازي؛ لأنهم ينفون العلو، وأرادوا بنفي الجهة نفي العلو، وقد يوجد في كلام بعض شراح الحديث كالنووي عبارة: إن الله يرى بلا جهة، ولكن ليس مقصوده نفي العلو عن الله تعالى كما يقصد هؤلاء.
وقد كان الأشعري وقدماء أصحابه يثبتون الرؤية إثباتًا حسنًا.
قول المصنف: (والرؤية حق لأهل الجنة) أراد بأهل الجنة هنا: المؤمنين، وإلا فإنهم يرونه في الجنة ويرونه قبل ذلك في عرصات القيامة.
قوله: (بغير إحاطةٍ) أي: بغير إدراك، كما في قوله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) [الأنعام:١٠٣]، وقوله: (ولا كيفية) هذه كلمة مجملة، لو لم يعبر بها لكان أجود؛ فإن النبي ﷺ وصف الرؤية فقال: (كما ترون القمر ..) وقال: (وكما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب).
وهذا ليس من أحاديث التشبيه كما زعم بعض علماء المعتزلة، فإن التشبيه هنا تشبيه للرؤية بالرؤية وليس تشبيهًا للمرئي بالمرئي، كقوله ﵊: (أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر)، ولم يلزم من ذلك أنهم مماثلون في الحقيقة للقمر، وهذا مستقر بأصل العقل، والعرب تارة تذكر التشبيه للصفة، وتارةً تذكر التشبيه للموصوف.
قال: (وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه) هذا حرف مجمل ولا شك أن تفسير كلام الله هو على ما أراده الله وعلمه، كما قال الإمام الشافعي في الصفات: (نؤمن بما جاء في كتاب الله، وجاء في سنة رسول الله، على ما أراد الله)، وهذه جملة مجمع عليها بين السلف؛ ولكن هذا الحرف يستعمل لنوع من التفويض، وقد استعمل التفويض في الرؤية طائفة من علماء الأشاعرة الذين فسروا كلام متكلميهم في قولهم: يرى بلا جهة، فقالوا: هي رؤية علمية، وهذا رجوع لمذهب المعتزلة، حتى قال أبو حامد الغزالي: (إن الفرق بين مذهب أصحابنا ومذهب المعتزلة هو فرق لفظي).
فقوله: (وتفسيره على ما أراد الله تعالى وعلمه) هذه جملة مجملة، فلا شك أن التفسير هو على مراد الله وعلمه، ولكنه معلوم بتعليم الرسول ﷺ لأصحابه وأمته.
يذكر في كلام كثير من أهل العلم رؤية النبي ﷺ لربه ليلة المعراج، وهذه المسألة ليست من المسائل الأصول، فليست من حيث القدر والشرف كمسألة رؤية المؤمنين لربهم الثابتة في الكتاب، ومتواتر الحديث، والإجماع التام.
أما رؤية النبي ﵊ لربه ليلة المعراج فإن فيها طرفًا من النزاع على طريقة أهل السنة والمتكلمين، وإنما الغلط حصل في طريقة بعض المتأخرين من أهل العلم الذين جعلوا القول بأن النبي ﷺ رأى ربه ليلة المعراج ببصره قولًا لأكثر أهل السنة، وربما قال من قال منهم بأنه قول أكثر الصحابة، ولم يخالف إلا عائشة وطائفة، وهذا غلط بيِّن؛ فإنه لم يصح هذا القول عن واحد من الصحابة، وإنما الذي صح عن جماعة من الصحابة، هو أن النبي ﷺ رأى ربه بفؤاده، وهذا قاله ابن عباس كما في الصحيح، وطائفة من الصحابة.
ومع هذا فما يستدل به ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، في هذه المسألة بعضه مما يصحح، وبعضه مما يخالف فيه، فإنه فسر بعض الآيات برؤية النبي ﷺ لربه بفؤاده، في حين أن عائشة روت مرفوعًا إلى النبي ﷺ أن المراد جبريل ﵇.
إلا أن هذا القول المأثور عن ابن عباس ﵄ هو القول الشائع عند طائفة من السلف، وقد كان الإمام أحمد وجماعة من أئمة السنة والحديث يقيدون فيقولون: إن النبي ﷺ رأى ربه بفؤاده، وتارةً يقولون: إنه رآه، فيطلقون، وأُثر ذلك عن ابن عباس، قال شيخ الإسلام ﵀: (فما صح عن ابن عباس إما مطلقًا وإما مقيدًا، فيحمل مطلق كلامه على مقيده، قال: ولم يصح عن ابن عباس ولا عن أحد من الصحابة أنه قال: إن النبي ﷺ رأى ربه ببصره.
قال: وكذلك الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة والحديث، فإن قولهم على هذا الوجه، وإن كان طائفة من متأخري أصحابنا يحكون عن أحمد وغيره من متقدمي الأئمة، ما هو من التصريح برؤية البصر، قال: وهذا من فهم كلامهم، وليس هو ما أُثر عنهم على الوجه المحقق).
فالحاصل أنه لم يصح عن صحابي من الصحابة أنه صرح بأن النبي ﷺ رأى ربه ببصره، وعليه فيكون هذا القول كأنه محدث، وإن كان في الجزم بهذا بعض التردد، وقد حكى الدارمي ﵀ وهو من متقدمي المحققين من أئمة السنة إجماع الصحابة على أن النبي ﷺ لم يرَ ربه ببصره.
وهذا الإجماع الذي حكاه الدارمي ليس هناك من الآثار المروية عن الصحابة ما يعارضه، وقد صح عن عائشة ﵂ كما في الصحيحين أنها قالت لـ مسروق: (ومن حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب)، ولم يحفظ عن أحد من الصحابة أنه نازع عائشة رضي الله تعالى عنها في ذلك، وإذا اعتبر الاستدلال بغير دليل الإجماع فإن ظاهر القرآن وصريح السنة، تدل على نفي رؤية النبي ﷺ لربه ببصره.
أما القرآن فلأن الله تعالى لما ذكر معراج نبيه ﵌ قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الإسراء:١] وقال سبحانه: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [النجم:١٨]، فذكر في الموضعين امتنانه ﷾ على نبيه برؤية الآيات، ولو كان النبي ﵌ رأى ربه في معراجه ببصره لكان الإشادة والامتنان بذكر رؤيته لربه أظهر وأولى من الإشادة والامتنان بذكر رؤية الآيات.
وأما السنة فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عبد الله بن شقيق أنه قال لـ أبي ذر ﵁: (لو رأيت رسول الله ﷺ لسألته، فقال له أبو ذر: عمَ كنت تسأل؟ فقال: أسأله: هل رأيت ربك؟ فقال أبو ذر: أما إني سألت رسول الله ﷺ فقال: رأيت نورًا) وفي الوجه الآخر من حديث عبد الله بن شقيق نفسه عن أبي ذر ﵁، أن النبي ﷺ لما سأله أبو ذر قال: (نورٌ أنى أراه).
وقد كان الإمام أحمد وبعض متقدمي أئمة الحديث يتأخرون عن تصحيح هذا الوجه من الرواية، فإن صح هذا فالمعتبر وجه واحد، وإن استقام ما ذهب إليه الإمام مسلم ومن اعتبر رأيه في هذا، فإن كلا الوجهين يكون صحيحًا ولا يكون هناك تعارض، والحق: أن جهة التعارض ليست هي الموجبة للتردد في صحة كلا الوجهين، وإنما الموجب لذلك أن وجه الرواية من حيث السؤال واحد، فإما أن يكون النبي أجاب بهذا أو أجاب بهذا، وإن كان فرض الجمع بين الجوابين ممكن وليس متعذرًا؛ فقوله: (رأيت نورًا) ليس مخالفًا من حيث المعنى لقوله: (نورٌ أنى أراه)، أي أن النور حال دون رؤيته، وهذا النور الذي رآه ﷺ فإنه -والله أعلم- هو نور الحجاب، فإنه ثبت في صحيح مسلم ﵁ من حديث أبي موسى ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
وعليه فإن المستقر عند متقدمي السلف من الصحابة ومن بعدهم، أن يُقال: إن النبي رأى ربه بفؤاده ولا يصرح برؤية البصر.
7 / 7