269

Explanation of Tahawiyyah Creed - Yusuf Al-Ghufays

شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص

اصناف

دقة الاستدلال عند السلف ومقام الاستدلال عند السلف مقام دقيق. نضرب مثلًا في مسألتين على الاختصار: العامة من أئمة السلف من الفقهاء والمحدثين يذهبون إلى أن طلاق الثلاث ثلاث، مع أنه جاء في صحيح مسلم من حديث طاوس عن ابن عباس أنه قال: (كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم). فحديث ابن عباس هذا الذي رواه مسلم من رواية طاوس، صحيح في أن طلاق الثلاث في زمن النبوة وأبي بكر وفي صدر من خلافة عمر واحدة، فإذا أردنا الأخذ بالمقدمات الذهنية المبدئية للسيرة قلنا: السنة صريحة بأن طلاق الثلاث واحدة، مع أن العامة من السلف يرون أن طلاق الثلاث ثلاث، حتى قال ابن رجب: (واعلم أنه لم يصح عن أحد من الصحابة أو التابعين أو الأئمة المتبوعين، أنه جعل طلاق الثلاث واحدة)، مع أن هذا الإجماع الذي ذكره ابن رجب يخالف فيه شيخ الإسلام ابن تيمية ويذكر أن هذا قول طائفة من السلف، وليس المقصود بسط المسألة هنا. وروى أبو داود وغيره عن ابن عباس في مسألة المناسك أنه قال: (من ترك نسكًا فليهرق دمًا)، فهذه اللفظة مجملة في مراد ابن عباس بالنسك. استقر عند عامة السلف من الفقهاء وأهل الحديث، أنهم يرون أن من ترك واجبًا في الحج وجب عليه دم، وهذا مستقر عند المذاهب الأربعة وغيرهم، وإن كان البعض يقول: خالف في ذلك عمر لأنه سُئل عن المبيت في المزدلفة قال: (افعله ولا حرج)، أو قال: (لا شيء عليك)، أو قال: (استغفر الله)، وهذا ليس تحصيلًا للمخالفة؛ لأن واجبات الحج فيها خلاف كثير، فالمبيت بمزدلفة فيه خلاف، منهم من قال: هو ركن، ومنهم من قال: هو واجب، ومنهم من قال: هو سنة، فمثل جوابات عمر وغيره لا يلزم أن تكون دليلًا على أن عمر كان يرى أن ترك الواجب لا شيء فيه. فالمقصود أن العامة من السلف استقر عندهم أن من ترك واجبًا فعليه دم وإن اختلفوا في تعيين الواجبات، ودليلهم قول ابن عباس: (من ترك نسكًا فليهرق دمًا). السؤال: لماذا يستدلون بهذا الأثر هنا وقد تركوا قوله الذي قاله في الطلاق، مع أن قوله في الطلاق أضافه إلى النبوة، فقال: (على عهد رسول الله)، وهذا كأنه قاله اجتهادًا؟ فيمكننا أن نقول: إنه هنا أضافه إلى السنة فنقتدي به، وهذا اجتهاد من ابن عباس، والأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة، وابن عباس مأجور على اجتهاده، ولكن لا يجب اتباعه؛ لأنه ليس مشرعًا، والشرع قال الله قال رسوله، وننتهي من المسألتين بطريقة مختصرة. لكن يبقى السؤال: لماذا أئمة السلف، والجماهير من الفقهاء المتقدمين ما انتهوا بنفس النمط؟ والجواب: أن هذا يدل على أن مسألة الاستدلال، ومسألة فقه الدليل مسألة مطولة ولا يكفي أن تحسن إسناد قد حكم بشذوذه عامة أهل العلم، ثم تلزم الناس بما دل عليه، وتجعل ذلك هي الطريقة اللازمة، وأن من خالفها فقد ترك السنة وأعرض عنها. أيضًا مثلًا: من مذهب الحنابلة أن القود لا يكون إلا بالسيف، واستدلوا بحديث: (لا قود إلا بالسيف)، وذهب مالك إلى أنه يكون بغير السيف على تقييد مشهور في مذهب الإمام مالك، والراجح مذهب مالك؛ لأنه هو المعتبر بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل:١٢٦]، وأما دليل الحنابلة فهو حديث ضعيف، فيقال: إن الإمام أحمد لما قال: القود بالسيف ليس هذا هو دليله فقط، فإن الإمام أحمد نفسه رد هذا الحديث.

24 / 7