Explanation of Tahawiyyah Creed - Yusuf Al-Ghufays
شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
اصناف
إطلاق اسم الإيمان على أهل الكبائر وأحواله
وعليه فيكون لإطلاق الإيمان في حق أهل الكبائر أربعة أحوال:
الحال الأولى: أن يذكر مطلقًا، أي: بدون قيد، وهو المذكور في مثل قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء:٩٢] في الكفارة، فإن قوله: (مؤمنة) يدخل فيه الفاسق، بمعنى أنه لو أعتق فاسقًا فإن عتقه صحيح بالإجماع، وهو المذكور في مثل قوله ﷺ للجارية في حديث معاوية بن الحكم: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة).
الحال الثانية: ألا يذكر مطلقًا بل يذكر مقيدًا، كما إذا سئل عن حكم الفاسق واسمه وقدره من الإيمان، فإنه يقال: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فيسمى مؤمنًا بالتقييد.
الحال الثالثة: ألا يذكر على الإطلاق، إما انتقالًا إلى غيره أونفيًا له عنه، فانتقاله إلى غيره هو المذكور في حديث سعد ﵁، في الصحيحين قال: (قسم النبي ﷺ قسمًا، فقلت: يا رسول الله، أعط فلانًا فإنه مؤمن، فقال النبي ﷺ: أو مسلم)، فانتقل النبي ﷺ بحق هذا الرجل إلى اسم الإسلام، فهذا انتقال عن اسم الإيمان إلى اسم الإسلام، مع أن الرجل لا شك أنه ممن يؤمن بالله ورسوله، ولا شك أنه ممن يؤمن بأن الله في السماء وأن محمدًا رسول الله، وقد قال رسول الله ﷺ عن الجارية: إنها مؤمنة، لما أخبرت بهذين الأمرين، لكنه ﷺ لم يقر سعدًا لما قال هذا عن الرجل، قيل: لأن المقام والحال مختلف، فـ سعد إنما ذكر ذلك على جهة المدح والثناء، وإذا قصد مقام المدح والثناء فإنه لا يسمى بالإيمان إلا من استفاض هذا الأمر فيه، وإنما يستعمل في الإطلاق وبين عامة المسلمين اسم الإسلام.
وأما في حديث معاوية وفي قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء:٩٢] فإن المقام مقام عتق، وفي مقام الأحكام الدنيوية كالعتق والمواريث وغيرها فإن الفساق يسمون مؤمنين.
فإذا قيل: قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء:٩٢] فلو كان فاسقًا؟ قيل: الفاسق مؤمن في هذا المقام؛ لأن معه أصل الإيمان، وقد ينفى الإيمان عن شخص في مقام، كقوله ﷺ: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، فحال الزنا لا يسمى مؤمنًا، بل يسمى زانيًا، أو يسمى فاسقًا، مع أنه في مقام العتق لو أعتق الزاني فإنه يقال: أعتق مؤمنًا.
فاسم الإيمان لا يقع على وجه واحد، ولهذا في الأحكام الدنيوية والمخاطبة بالشريعة فإن سائر أهل القبلة من العصاة والفساق وغيرهم يدخلون في اسم الإيمان، ولهذا جاءت في القرآن خطابات كثيرة: (يا أيها الذين آمنوا)، ولا شك أنه يُخاطب بها سائر أهل الإسلام، حتى الفاسق منهم فإنه داخل في هذا، وكذلك يسوغ للخطيب في الجمعة أن يقول: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله، ولو كان من بين يديه من هو من أهل الفسق.
ففي مقامات المخاطبة بأحكام الشريعة وفي مقامات أحكام الدنيا كالعتق والمواريث ونحوها فإنهم يسمون مؤمنين، ويدخلون في هذا الاسم، وعليه فأهل الكبائر المجاهرون بها والمظهرون لها يُسمون فساقًا، وهذا مجمع عليه بين السلف.
فأصحاب الكبائر تارة يسمون مؤمنين، وتارة مسلمين، وتارة فساقًا.
فإن قيل: ما الأصل في أهل الكبائر؟ هل هم فساق أم مؤمنون أم مسلمون؟ يقال: إن الأصل فيهم أنهم مسلمون، فلا يكون الاسم المطلق لهم في سائر الأحوال والموارد هو الفسق فإن هذا شبهٌ بالمعتزلة، وكونه شبهًا بالمعتزلة ليس من جهة كون مرتكب الكبيرة لا يسمى فاسقًا، فإنه يسمى فاسقًا بإجماع السلف وبصريح الكتاب والسنة، ولكن لا يلتزم معه هذا الاسم في سائر الموارد، بل يكون هذا الاسم مناسبًا لبعض أحواله، كما أن اسم الإيمان قد يناسب بعض أحواله، ويكون الاسم المطلق له هو اسم الإسلام فإنه الأصل فيه.
ومعلوم أن حسنة التوحيد والإيمان الذي عنده، أعظم مما معه من الكبائر، فهي أولى بالاختصاص به.
هذا هو محصل قول أهل السنة والجماعة في مسألة الأسماء.
17 / 3