شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال
اصناف
شرح حديث أبي سعيد الخدري في اعتكاف النبي العشر الأواسط من رمضان برواية قتيبة بن سعيد
قال: [حدثنا قتيبة بن سعيد - وهو الثقفي - حدثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد -وهو يزيد بن عبد الله بن الهاد، هكذا المحدثون يقولون: ابن الهاد، واللغويون يثبتون الياء: ابن الهادي، وهم أولى بهذا من المحدثين -عن محمد بن إبراهيم - وهو التيمي - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري ﵁ وهو من صغار الصحابة اسمه سعد بن مالك بن سنان ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ يجاور -يعني: يعتكف- في العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة، ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه)] يعني: أنه كان يعتكف عشرة أيام فقط، وهي التي في وسط الشهر، وهذا يدل على أن الاعتكاف إنما شرع مؤخرًا ولم يشرع أولًا؛ لأن النبي ﵊ اعتكف العشر الأوائل وخرج من معتكفه، واعتكف العشر الوسطى وخرج من معتكفه، ثم اعتكف العشر الغوابر، واستقر على ذلك حتى وفاته ﵊.
قال: [(ورجع من كان يجاور معه)] يعني: ورجع من اعتكافه من كان قد اعتكف معه في العشر الوسطى، وخرج منه بخروج النبي ﵊.
قال: [(ثم إنه أقام في شهر، جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها، فخطب الناس، فأمرهم بما شاء الله، ثم قال: إني كنت أجاور هذه العشر -يعني: كنت أعتكف هذه العشر الوسطى- ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر)] يعني: رأيت أن أعتكف هذه العشر الأواخر.
قال: [(فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه)] يعني: من اعتكف معي العشر الوسطى وأراد أن يواصل معي الاعتكاف فلا يخرج من معتكفه، لكن ليبت في معتكفه وليثبت وليمكث فيه.
قال: [(وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها -أي: ليلة القدر- فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر -أي: في كل ليلة وترية- وقد رأيتني أسجد في ماء وطين)] يعني: أنا رأيت ليلة القدر، ورأيت من علاماتها وأماراتها في هذه الليلة أني أسجد لصلاة الفجر في ماء وطين، وهذه العلامة الماء والطين ليست في كل عام إلى يوم القيامة، بل رمضان يأتي أحيانًا برمته من أوله إلى آخره في عز الحر حيث لا مطر ولا طين، وربما يأتي رمضان في عز المطر فيأتي من أوله إلى آخره والمطر ينزل في كل وقت من الليل والنهار.
إذًا: فليست هذه العلامة صالحة لكل زمان ومكان، وإنما هذه العلامة صالحة لهذه الليلة من هذا العام من هذا الشهر، في حين رؤية النبي ﵊ ليلة القدر حينئذ.
قال: [قال أبو سعيد: مطرنا ليلة إحدى وعشرين]، يبين أبو سعيد الخدري راوي الحديث أن هذه الليلة التي رأى فيها النبي ﵊ ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين.
قال: [(فوكف المسجد في مصلى رسول الله ﷺ] (وكف) بمعنى: قطر ماءً حتى ابتلت الأرض، وكان مسجده ﵊ مسقوفًا بجريد النخل، كان مسجدًا متواضعًا؛ لأن النبي ﵊ نهى عن زخرفة المساجد، وبين أن زخرفتها من علامات الساعة، قال: (لا تحمروا ولا تصفروا في المساجد) فنهى عن زخرفتها وزركشتها والمباهاة بها، وبين أن ذلك من أشراط الساعة وعلاماتها، وقد وقع الناس فيما حذر منه النبي ﵊.
وكل مسجد بني على البساطة واهتم أهله بالدعوة إلى الله ﷿ كانت ثماره طيبة، وشجرته طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، أما الذين انشغلوا بزخرفة المساجد وبنائها على أحدث طراز من الخارج والداخل، فقلَّ أن تكون في هذه المساجد دعوة إلى الله ﷿.
والواقع يشهد بهذا، فكم من مساجد كلفت ملايين مملينة، وكم من مساجد أشقت شعوبها، يعني: حرموا الشعوب وأنفقوا هذه الأموال الوقفية على بناء المساجد وزخرفتها، وربما كلفت ميزانية مسجد واحد فقط ما يكفي لتزويج آلاف الشباب أو حجهم أو عمرتهم، أو قضاء مصالح عامة في الأمة.
فمسجد النبي ﵊ كان مسقوفًا بجريد النخل، فلا يكاد المطر يسقط على سقف المسجد إلا وينزل مباشرة إلى الأرض، فيختلط بالرمل والتراب فيحدث من ذلك ما يسمى بالطين.
قال: [(فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح -أي: فنظرت إلى النبي ﵊ وقد انصرف من صلاة الصبح- ووجهه مبتل طينًا وماءً)] إذًا: تحققت رؤيا النبي ﵊ حيث قال: (إني رأيت ليلة القدر، ورأيت أني أسجد في ماء وطين) أي: بعد أن انتهت ليلة القدر وأقامها وأحياها بالذكر والصلاة وغير ذلك، وهذه الليلة ثبت أنه ﵊ قامها وأحياها حتى الصباح، ويسمى قيام الليل بذلك؛ لأن المرء يقوم جل الليل ومعظمه، وقلّ أن يصدق ذل
16 / 10