المؤمنون يكتبونه في الصحف والأوراق، ويحفظونه في الصدور، ويتلونه بألسنتهم. وقرءاتهم له وكتابتهم وتلاوتهم لا تخرجه عن كونه كلام الله؛ لأنَّ الكلام ينسب إلى من قاله ابتداءً.
ثم شرع المصنف ﵀ في ذكر الأدلة على هذا المعتقد، فقال:
" قال الله ﷿: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ " الآية صريحة في معناها، واضحة في دلالتها على ثبوت وصف الله ﷿ بالكلام، وأنَّه كلَّم موسى كلامًا سمعه موسى من الله، وأكَّد ﷾ ذلك بقوله: " تكليمًا ". ومع هذا التأكيد يأبى أهل البدع إثبات صفة الكلام لله ﵎، فأتوا إلى هذه الآيات، فبذلوا جهدهم في صرفها وتكلفوا في ردها، وذهبوا إلى وحشي اللغات ومستكره التأويلات، وحاولوا شتى المحاولات حتى يبعدوا كلام الله عن دلالته الظاهرة.
فقال بعضهم: الكلْم في اللغة الجرح ومعنى الآية: أي: كلَمه بأظافير الحكمة!! ولا شك أنَّ الفرق بين كلَّم وكلَم ظاهر، لكنهم يحاولون رد النص بأيِّ طريقة.
وحاول بعضهم تغيير حركة الإعراب في الآية فقرأها: وكلم اللهَ موسى بنصب اسم الجلالة حتى يكون المتكلم هو موسى وليس الله سبحانه، حتى إنَّ أحدهم ذهب إلى أبي عمرو بن العلاء - وهو أحد القراء السبعة ـ، وطلب منه قراءة هذه الآية محرفة بنصب اسم الجلالة. فقال أبو عمرو: هب أني قرأت هذه الآية كذا، فكيف تصنع بقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ ١ فبهت المعتزلي ٢.
١ الآية ١٤٣ من سورة الأعراف.
٢ انظر: الصواعق المرسلة " ٣/١٠٣٧ "، وشرح الطحاوية " ص١٧٠ "