Establishments in the Manuscripts of the Imams: Sheikh al-Islam Ibn Taymiyyah, the Scholar Ibn al-Qayyim, and the Hadith Expert Ibn Rajab
الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، والحافظ ابن رجب
ناشر
بدون ناشر فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية
ایڈیشن نمبر
١٤٢٣هـ/٢٠٠٢م
پبلشر کا مقام
الرياض
اصناف
مطبوعات
مكتبة الملك فهد الوطنية
السلسلة الثالثة
(٤٩)
الأثبات
في مخطوطات الأئمة
شيخ الإسلام ابن تيمية
والعلامة ابن القيم
والحافظ ابن رجب
إعداد
علي بن عبد العزيز بن علي الشبل
الرياض
١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٢ م
نامعلوم صفحہ
المقدمة
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ، عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبد والرسول لا يكذب، وبعد؛
فإن نعم الله علينا لا تُحصى وأفضاله ومننه وألطافه بنا لا تنسى، فالحمد لله حمدًا يكافئ نعمه ويوافي المزيد منها.
وهذه معشر الأحبة من القراء والباحثين وطلبة العلم من المسلمين والمسلمات إطلالة في الدلالة والإرشاد إلى تصانيف ثلاثة من أئمة الإسلام، ومعاقد العلم والعمل والجهاد والدعوة والبيان:
١- شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (٦٦١-٧٢٨هـ) .
٢- وتلميذه العلامة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (٦٩١ - ٧٥١هـ) .
٣- وتلميذه الحافظ الفقيه أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (٧٣٦-٧٩٥هـ) .
رحمهم مولاهم رحمة واسعة ورفع درجاتهم في أعلى عليين وجزاهم عن الإسلام وأهله أعظم الجزاء وأوفره.
جمعتها من بطون فهارس المخطوطات ورفوفها، مبينًا فيها اسم الكتاب وشيئًا من وصفه يتضمن عدد ورقاته وصفحاته، وسنة نسخه ومكان حفظه ورقمه وما يتصل بذلك مما يحتاجه طالب العلم.
وقد جعلت أسماء مخطوطات كل إمام منهم على حدة مرتبين ترتبهم في التقدم والفضل والسن والعصر.
1 / 7
لافتًا الانتباه إلى فضل السبق في هذا الجهد من علماء ومشايخ فضلاء، ومشيدًا بفضل المساعد على إنجازه وإتمامه من جهات علمية في بلدنا المعطاء وغيره، ومشايخ كرام، وإخوة أعزّ الله بهم دينه الإسلام. فللجميع الدعاء والثناء الجميل بالجزاء الحسن والدرجات العُلى.
والمنهج العلمي المتبع في هذا العمل مبسوط في التوطئة مع طرف من أسبابه ودواعيه، ومدته، ونبذة الحافظ الذهبي في شيخه ابن تيمية محققة من كتاب «ذيل تاريخ الإسلام»، وطرف من نقد الشيخ ابن تيمية للمؤلفات والمؤلفين، ولفتة في تعداد كتب الشيخ ابن تيمية ومقطوعة من نظم ابن القيم في الموضوع.
كما أنني قد نوهت وأشدت بعدد من المشايخ والعلماء والفضلاء ممن تملكوا المخطوطات أو نسخوها أو حفظت ضمن مكتباتهم في البلاد السعودية.
والمأمول ممن يطلع عليه ألا ينسى جامعه من دعوة صالحة وذكر حسن ينفعه في الدارين، وأن يهب الكريم خطأ المخطئ لحسنته، ونقصه لإصابته، فالحق قصدت والخير والهداية أردت، والفضل للسابق على اللاحق.
وقد سميت هذا الجهد المبارك «الأثبات في مخطوطات الأئمة: شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب» .
والله المسؤول أن ينفعني به في العاجلة والآجلة، وأن يمحضه لوجهه الكريم ويرفع به الدرجات ويحط به الخطيئات، ويستر به السيئات، ويغفر به الحوبات، ويعلي به الدرجات في عوالي الجنان، لي ولوالدي ولعموم المشايخ، وسائر إخواننا من المسلمين والمسلمات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كتبه الفقير إلى عفو ربه الأجل
علي بن عبد العزيز بن علي الشبل
ليلة الثلاثاء ١٩/٢/١٤٢١هـ
بالرياض عمرها الله بالإيمان
1 / 8
التوطئة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أما بعد:
فإن طلب العلم من أنفع القرب إلى الله ﷾، والاشتغال به وتحصيله والدلالة عليه من ذلك، لا سيما علوم الأئمة الراسخين في العلم من علماء الإسلام الذين عرفوا بالتحقيق والبصيرة والتثبت فيه، ومن بهم حفظت معالم الدين، والذين لا يكاد يستغني عن علومهم المبثوثة في تصانيفهم أحد ممن جاء بعدهم.
ومن هذا ما عرف عن شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (ت ٧٢٨هـ)، وتلميذه أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ)، وتلميذه أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (ت ٧٩٥هـ)، رحمة الله عليهم جميعًا.
وسبق أن طبعت قائمة ببعض مخطوطات شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة كتابيه: " قاعدة في الرد على الغزالي في التوكل "، و" مسألة في الكنائس "، ضمت أزيد من ستين ومئتي عنوان (٢٦٠)، على تفاوت بين الكتابين.
وقد لاقت - ولله الحمد - قبولًا بين المحبين من المشايخ، وطلبة العلم، وكان لها موقع حسن بين المشتغلين بتحقيق تراث أهل السنة والجماعة خصوصًا، خلا ذوي الأهواء والأغراض والأحقاد الذين غاظهم وأحنقهم ذا؛ ﴿وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور﴾ .
1 / 9
وأيضًا لتوجيه نظر الباحثين إلى العناية بكتب هؤلاء الأئمة بضبطها وحذقها؛ تسهيلًا لقراءتها وفهمها. كل هذا وغيره كان دافعًا إلى المزيد من الجمع والمراجعة والبحث عن مخطوطات أولئك الأعلام.
ومما يجدر ذكره أن النية توجهت إلى إخراج مؤلفات ابن تيمية لوحده، ولكن في آخر الأمر أشار بعض المشايخ بإلحاق ما تجمع عندي من كتب العلامة ابن القيم، فصادف ذلك رغبة مني وتوجهًا، ثم أضفت إليها مؤلفات ابن رجب.
وأصل هذا الثبت هو أنني كنت أطالع فهارس المكتبات، والمجموعات الخطية العامة والخاصة - بعد انتهائي من السنة المنهجية في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض - للوقوف على كتاب من تراث علمائنا السلفيين، ممن عُنوا بالتصنيف في أصول مذهب أهل السنة والجماعة والرد على مخالفيهم من المبتدعة وأهل الأهواء؛ ليكون موضوعًا في بحث درجة التخصص " الماجستير ".
ومن خلال هذه المطالعة، كان يمر بي كتب ورسائل للشيخ ابن تيمية، ولم أكن مهتمًا حينئذ بتقييدها؛ لأنني كنت متصورًا عدم جدوى هذا الأمر، إلا أنه بعد مدة بدا لي أن أقيد ما يلاقيني من رسائله ضمن فهارس محددة جعلتها لهذه المهمة.
وهذا خاص برسائله وفتاواه غير المشتهرة، أو بما قد أفيد به الإخوان؛ إذ كثر السؤال عن مخطوطات الشيخ، خصوصًا كتبه الكبار، التي هي في عداد المفقودات كأجوبة الاعتراضات ... إلخ، وهكذا الحال مع مؤلفات ابن القيم، لم أعتن بذلك إلا قبل إعداد هذا الثبت بمُديدة، بعد مشورة مَن رأى جعل مؤلفاته ملحقة بقائمة شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ تتميمًا للفائدة.
1 / 10
ولما طبعت القائمة أولًا في مقدمة كتابي الشيخ اقترح عليّ بعض المشايخ (١) مقابلة هذه الرسائل والفتاوى المجموعة، مع ما ضمنه الشيخ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي وابنه محمد، في مجموع فتاوى شيخ الإسلام وقبلهما المجموعات التي طبعت للشيخ كمجموعة كردستان ومجموعة الرسائل والمسائل طبع رشيد رضا وغيره، ثم بعدهما مجهود الدكتور رشاد سالم في المجموعتين الكبار والرسائل الصغرى؛ ليلاحظ ما سبق أن طبع مع ما لم يطبع.
ومع قبولي باقتراحهم، إلا أنني بعدُ لم أعمل به لعدة أمور:
١- عدم وقوفي على الأصول الخطية لكثير من الرسائل المذكورة في هذه القائمة؛ حتى أقابلها مع ما جمعاه في المجموع.
٢- رأيت أن بالإشارة إلى ما طبع منها في المجموع صرفًا لاهتمام طلاب العلم عنها، ولا يخفى حاجة كثير من مضامين مجموع ابن قاسم، والفتاوى الكبرى، وجامع الرسائل والمسائل - وغيرها مما جَمَعَتْ رسائل الشيخ - للتوثيق والتحقيق، وتحقيق نسبته إليه.
٣- أن بهذا العمل - لو كان - إراحة لطالب العلم عن مراجعة الرسائل والبحث عنها ضمن المجموع، وهو ما أريده أن يمارسه ويتعود عليه؛ لأن ما جاء سهلًا ذهب مثلما جاء.
مع قناعتي بفائدته لعموم المشتغلين بتراث الشيخين ليقفوا عليه؛ هل هذه الرسائل مطبوعة أم لا؟ ولكن لتعارض المصلحتين قدمت أظهرهما عندي، فأغفلت هذه الإشارة، وهي وجهة نظر ليس إلا! ولربما تتغير.
وجاء هذا الثبت بزيادات كثيرة عن أصله - سالف الذكر - حيث حوى من
_________
(١) هما الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل رئيس اللجنة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقًا، والشيخ حماد بن محمد الأنصاري ﵀ محدث المدينة، وغيرهما.
1 / 11
مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن مؤلفات تلميذه العلامة ابن القيم وكذلك الحافظ ابن رجب ما يزيد على الضعف.
كما أنني أطمع أن يحوي في طبعاته القادمة - بإذن الله - زيادات أكثر؛ لأن هذا الفن يتجدد كل يوم وتزداد العناية به وبخروج الفهارس والعثور على المخطوطات وفهرستها، مع استحضار كثرة مؤلفات شيخ الإسلام وانتشارها في وقته، فكيف من بعده؟ وكذا الحال تقريبًا مع مؤلفات ابن القيم.
وإن المشروع الذي أعددته ثم تبنته لجنة تنسيق الدراسات العليا بكلية أصول الدين، بإعداد قائمة ضمت نحوًا من ثلاثمائة كتاب من كتب أصول السنة من التي اعتمدها وأثنى عليها الشيخان: ابن تيمية وابن القيم، وكانت من أهم مواردهما، التي ترجمت إلى اللغات العربية والتركية والإنجليزية، وراسلت بها أكثر من ستمائة جهة علمية في العالم - أقول: هذا المشروع فتح أمامي آفاقًا رحبة في تبني هذا العمل وبذل الجهد فيه، عساه أن ينفعنا، ونتخذه
ذخرًا وزلفى.
طريقة ترتيب هذا الثبت:
هي طريقة مختصرة؛ حيث قيدته أولًا لنفسي، فكان يكفيني قليل من المعلومات البطاقية، وهي: عنوان المخطوط، ومكان حفظه ورقمه وصفته: من جهة عدد صفحاته أو ورقاته ونوع خطه، وسنة نسخه وناسخه، إن وجد.
ولأن تدوين جميع المعلومات يستغرق وقتًا لا يتناسب مع كثرة الفهارس، ومع المدة التي حددتها لاستعراضها؛ فلذا كانت المعلومات عن كل مخطوط مقتضبة. وجاءت هذه القائمة مرتبة على حروف الهجاء في الجملة.
وثمة أمر أحب التفطن إليه، هو أن أسماء الكتب والرسائل والفتاوى على نوعين:
١- أسماء الكتب الكبار، وهذه غالبها مشهورة، وتكون من مؤلفها.
٢- الرسائل والفتاوى أغلبها اجتهادي من ناسخها، أو مالك النسخة، أو
1 / 12
قارئها أو المفهرس أو من وجهت إليه الرسالة، وذلك لأنها تصدر عن الشيخ أجوبة لمسائل أو طلب تقرير أمر معين: عقيدة، أو فقهًا، أو مناظرة ...
ولأجله ربما تُوجد رسائل في غير مكان اسمها الصحيح - وهو واقع - لهذا السبب فليلاحظ، وأيضًا ربما تتكرر الرسالة بأكثر من عنوان، أو يكون بعضها مستلًا من مطولات كتب الشيخ.
وسأثبت ما وجدته في الفهارس والمجاميع بعنوانه الذي سطر به هناك، حتى لو تكرر في الرسالة الواحدة أكثر من عنوان!
وما حقق من هذه الكتب والرسائل تحقيقًا علميًا، أو هو في قيده، فإني أشير إليه في الحاشية مشيرًا إلى اسم محققه وسببه، وأرجو ممن لم يذكر تحقيقه لأي من المخطوطات المذكورة إفادتي عن ذلك، مع بيان الأصول التي اعتمدها، أو بصورة من عمله.
هذا؛ وقد قدمت بين يدي ذلك ترجمة الإمام الذهبي لشيخه تقي الدين ابن تيمية، وهو الذي سبق أن طبعته مع الكتابين المذكورين للشيخ عن أصلين خطيين: أحدهما لدينا في جامعة الإمام عن تشستربتي بدبلن، والثاني في جامعة ليدن بهولندا، وهي ترجمة حافلة على اختصارها، ولها معانٍ ومغاز نادرة، كررتها هنا بدلًا من التكلف بجمع ترجمة إنشائية له ﵀.
طلب ورغبة:
من القائمين على المكتبات العامة والخاصة ممن لديهم مؤلفات للشيخ أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية (ت ٧٢٨هـ)، والعلامة محمد ابن قيم الجوزية (ت ٧٥١هـ)، والحافظ ابن رجب (ت ٧٩٥هـ) - مخطوطة، سواء وردت في هذا الثبت أو لم ترد؛ تزويدي بها.
وهذه الرغبة موجهة أيضًا إلى الأفراد من باحثين ومالكين أو قيمين على المخطوطات، وهي كذلك للباحثين المشتغلين بتحقيق تراث الشيخين أو جمعه أو
1 / 13
فهرسته.
من كل هؤلاء أطلب تزويدي بما يفيد تصانيفهم من خلال الثبت، مع إشارتي في حواشيه إلى أسمائهم وما عندهم منه، كما ترى بعضه في هذه الطبعة، ذكرًا لهم وشكرًا؛ لأن هذا العمل بروافد أهله يسير، وبتناصح المهتمين يزدهر.
وأرجو أن يكون هذا العمل مشروع بحث لجمع مصنفات الأئمة، وتيسير الإفادة من علومهم، ووسيلة لتحقيق المقصود بنشر كتبهم وبث علومهم، وترسم خطاهم ومنهجهم.
وختامًا، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، حمدًا وثناءً يليق بجلاله وحقه وعظمته، وأثني بعده بالترحم والدعاء للمشايخ الأئمة: ابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وأسأل الله بأسمائه وصفاته أن يرفع درجاتهم في عليين، وأن يجمعهم مع والديهم في الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ونحن معهم برحمة مولانا وجوده وكرمه، آمين.
ثم أثني بالشكر والثناء لكل من اتصل بي هاتفيًا، أو كتابة، أو مشافهة، أو وصية، وحث على استمرار هذا العمل وشكره وآزره، وأفاد واستفاد منه، ومنهم من فتح لي باب مكتبته، أو مكتبة أسرته؛ خدمة للعلم وطلابه.
ثم إني على أتم استعداد لتلقي الملاحظات وأخذها بعين الاعتبار، وسماع الاقتراحات حول الثبت ومنهجه وجمعه.
اللهم اجعله لوجهك خالصًا، وللزلفى لديك مقربًا، ولمرضاتك محققًا، ربنا هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم صلِّ على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه، وجميع أنبيائك وآلهم، وسلم تسليمًا.
1 / 14
ثبت. .
بمخطوطات شيخ الإسلام
أحمد بن تيمية
1 / 15
ترجمة شيخ الإسلام من ذيل تاريخ الإسلام للذهبي (١)
اسمه ونسبه:
قال رحمه الله تعالى:
ابن تيمية، الشيخ، الإمام، العالم، المُفسر، المُجتهد، الحافظ،
_________
(١) الإمام الذهبي: هو الإمام العلامة مؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الفارقي الدمشقي الشهير بالذهبي، المولود سنة ٦٧٣هـ، والمتوفى سنة ٧٤٨هـ.
صاحب التصانيف الذائعة الصيت، ومن أكبرها: "تاريخ الإسلام الكبير"، و"سير أعلام النبلاء"، و"ميزان الاعتدال" وغيرها من المعاجم والدواوين والتصانيف التي تبين عن علمه وحفظه وإمامته وعلو شأنه.
تتلمذ على: الحافظ أبي الحجاج المزي (٦٥٤-٧٤٢هـ) وعلى أبي محمد القاسم البرزالي (٦٦٥-٧٣٩هـ)، وعلى الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني (٦٦١-٧٢٨هـ) .
وكتاب الذيل هذا وصلنا مخطوطًا مضمنًا تراجم جماعة من العلماء والفضلاء وغيرهم، من بداية القرن الثامن الهجري إلى قرب منتصفه تقريبًا.
فجاء في أوله: " بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على أشرف خلقك سيدنا محمد وآله وسلم، أخبرني غير واحد مشافهة وكتابة، عن الإمام الحافظ الكبير شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز رحمة الله تعالى عليه؛ قال: هذا مجلد ملحق " تاريخ الإسلام " شبه الذيل عليه، فيه نحو من أربعين سنة، أولها سنة إحدى وسبع مائة ... ". وفي آخره: " ... تم ذيل كتاب " تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام " ... ".
وكاتبه كما في آخره هو عبد القادر بن عبد الوهاب بن عبد المؤمن القرشي.
وذكر أنه فرغ من نسخها تجاه الكعبة المشرفة في ٢٥ صفر سنة ٨٧٤هـ. وهي محفوظة بجامعة ليدن بهولندا تحت رقم ٣٢٠. والنسخة خطها حسن منقوط غالبًا في ١١٦ ورقة، في كل ورقة صفحتان، وفي كل صفحة ٢٧ سطرًا، ومتوسط ما في كل سطر عشر كلمات، وفيها تصحيحات وحواش قليلة، وللكتاب نسخة خطية أخرى في جامعة الإمام برقم ٤١٠٠ عن الأصل بمكتبة تشستربتي بدبلن بأيرلندا في ١٤٣ ورقة، مكتوبة في حياة المؤلف سنة ٧٤٣هـ، ومقروءة عليه، ولكنها مخرومة من أولها، وترجمة الشيخ فيها من (٨٥-٨٧)، ولا فرق يذكر بين النسختين، وكلا الترجمتين موجودتان في المقدمة بتمامهما. علمًا بأن رؤوس العناوين من تصرفي.
1 / 17
المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة والذكاء المفرط، تقي الدين، أبو العباس، أحمد، ابن العالم المفتي شهاب الدين عبد الحليم، ابن الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام مؤلف " الأحكام "، ابن عبد الله بن أبي القاسم الحراني، ابن تيمية، وهو لقب جده الأعلى.
ولادته وهجرته:
مولده في عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وست مائة بحرَّان، وتحول أبوه وأقاربه إلى دمشق في سنة سبع وستين عند جور التتار؛ منهزمين؛ يجرون الذرية والكتب على عجلة؛ فإن العدو ما تركوا في البلد دواب سوى بقر الحرث، وكلَّت من ثقل العجلة، ووقف الفرار (١)، وخافوا من أن يدركهم العدو، ولجأوا إلى الله، فسارت البقر بالعجلة، ولطف الله تعالى، حتى انحازوا إلى حد الإسلام.
شيوخه:
فسمع من: ابن عبد الدائم (٢)، وابن أبي اليُسر (٣)، والكمال ابن عبد (٤)، وابن
_________
(١) الكلمة في الأصل غير واضحة، ويمكن أن تقرأ: " الفران "؛ بفاء ونون، أو: " الغران "؛ بغين ونون.
(٢) هو الشيخ زين الدين أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي (٥٧٥-٦٦٨هـ)، سمع عليه الشيخ " جزء ابن عرفة " كله وغيره.
وابن عبد الدائم هو مسند الشام، صرح الشيخ بالسماع منه سنة ٦٦٧هـ في " الفتاوى " (١٨/٧٧) .
(٣) هو الشيخ تقي الدين إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر التنوخي المسنِد (٥٨٩-٦٧٢هـ)، صرح الشيخ بالسماع منه سنة ٦٦٩هـ في " الفتاوى " (١٨/٧٩) في " الأحاديث الأربعين " له.
(٤) هو الشيخ كمال الدين عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف بن قدامة المقدسي المسنِد (٥٩٨-٦٨٠هـ)، سمع منه الشيخ كما في " الفتاوى " (١٨/١٠٦) سنة ٦٨٠هـ. =
1 / 18
أبي الخير (١)، وابن الصيرفي (٢)، والشيخ شمس الدين (٣)، والقاسم الإربلي (٤)، وابن علان (٥)، وخلق كثير (٦)، وأكثر وبالغ.
_________
= وربما هو كمال الدين عبد العزيز بن عبد الله بن شبل الدمشقي المسنِد (٥٨٩-٦٧٢هـ)، سمع منه الشيخ سنة ٦٦٩هـ بجامع دمشق، كما في " الفتاوى " (١٨/٧٨) .
(١) هو الشيخ المسند زين الدين أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم بن الحداد الدمشقي (٦٠٩-٦٧٨هـ)، قرأ الشيخ عليه سنة ٦٧٥هـ؛ كما في " الفتاوى " (١٨/٩١-٩٢) .
(٢) هو الشيخ المسند أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن الصيرفي الحراني، المتوفى سنة ٦٧٨هـ، قَرأ الشيخ عليه سنة ٦٦٨هـ؛ كما في " الفتاوى " (١٨/٨٥) .
(٣) هو الشيخ القاضي المسند شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامَة المقدسي الحنبلي (٥٦٨-٦٨٢هـ)، سمع منه الشيخ سنة ٦٦٧هـ بجبل قاسيون؛ كما في " الفتاوى " (١٨/٩٥-٩٦) .
(٤) هو الشيخ العدل المسند أبو محمد القاسم بن أبي بكر بن قاسم بن غنيمة الإربلي (٥٩٥-٦٨٠هـ)، سمع منه الشيخ في سنة ٦٧٧هـ؛ كما في " الفتاوى " (١٨/٩٢-٩٣) .
(٥) هو الشيخ المسند أبو الغنائم المسلم بن محمد بن مسلم بن علان القيسي (٥٩٤-٦٨٠هـ)، سمع منه الشيخ في سنة ٦٨٠هـ؛ كما في " الفتاوى " (١٨/٩٧-٩٨) .
(٦) قال ابن عبد الهادي في " العقود الدرية " (ص٤): " ... وخلق كثير، وشيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتي شيخ، وسمع " مسند الإمام أحمد بن حنبل " مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته " معجم الطبراني الكبير " ... وهذا كله وهو ابن بضع عشرة سنة؛ فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه " إ. هـ.
وبالمناسبة؛ فإن " الأربعين حديثًا " لشيخ الإسلام ابن تيمية رواها عن واحد وأربعين شيخًا وشيخة، وقد رواها عنه تلميذه صاحب ترجمتنا هذه الإمام الذهبي وهي في " مجموع الفتاوى " كاملة (١٨/٧٦-١٢١) . =
1 / 19
وقرأ بنفسه على جماعة وانتخب، ونسخ عدة أجزاء، و" سنن أبي داود "، ونظر في الرجال والعلل.
علمه ومكانته:
وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر، مع التدين والنبالة، مع الذكر والصيانة.
ثم أقبل على الفقه ودقائقه وقواعده وحججه والإجماع والاختلاف؛ حتى كان يقضي منه التعجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثم يستدل ويرجح ويجتهد، وحق له ذلك؛ فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه؛ فإنني ما رأيت أحدًا أسرع انتزاعًا للآيات - الدالة على المسألة التي يوردها - منه، ولا أشد استحضارًا لمتون الأحاديث وعزوها إلى الصحيح أو إلى المسند (١)، أو
_________
= وقد وقع لي رواية " صحيح البخاري " من طريق شيخ الإسلام ابن تيمية وأئمة الدعوة السلفية من بعده:
فقد أخبرني الشيخ أبو محمد بديع الدين الراشدي السندي بها إجازة، أخبرني أبو محمد عبد الحق الهاشمي المكي، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سالم البغدادي، عن عبد الرحمن ابن حسن، عن جده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، عن عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي المدني، عن عبد القادر التغلبي، عن عبد الباقي، عن أحمد الوفائي، عن موسى الحجازي، عن أحمد الشويكي، عن العسكري، عن الحافظ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، عن الحافظ شمس الدين ابن القيم، عن الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية الحراني، عن الحافظ الفخر ابن البخاري، عن أبي ذر الهروي المالكي، عن شيوخه الثلاثة: المستملي والسرخسي والكشميهني، عن محمد بن يوسف الفربري، عن الإمام صاحب " الصحيح " أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، رحم الله الجميع، ورفع درجتهم.
(١) بل ذكروا أنه يستظهر " مسند الإمام أحمد بن حنبل " الذي يحوي قريبًا من ثلاثين ألف
حديث، وهذا ليس كثيرًا عليه؛ فقد قال ابن سيد الناس في وصف علمه: " ... وكاد يستوعب السنن والآثار حفظًا ... " (العقود الدرية، ص ٩) .
ومن طالع تراجمه المنثورة في كتب أصحابه وتلاميذه؛ رأى ما قلت قليلًا.
1 / 20
إلى السنن - منه؛ كأن الكتاب والسنة نصب عينيه، وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف.
وكان آية من آيات الله تعالى في التفسير، والتوسع فيه، لعله يبقى في تفسير الآية المجلس والمجلسين.
وأما أصول الديانة، ومعرفتها، ومعرفة أحوال الخوارج والروافض والمعتزلة وأنواع المبتدعة؛ فكان لا يُشق فيه غباره، ولا يلحق شأوه.
مكارم أخلاقه:
هذا مع ما كان عليه من الكرم الذي لم أشاهد مثله قط، والشجاعة المفرطة التي يضرب بها المثل، والفراغ عن ملاذِّ النفس من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية.
تصانيفه:
ولقد سارت بتصانيفه الركبان في فنون من العلم وألوان، لعلَّ تواليفه وفتاواه (١) في الأصول، والفروع، والزهد، والتفسير، والتوكل، والإخلاص، وغير ذلك - تبلغ ثلاثمائة مجلد، لا بل أكثر (٢) .
_________
(١) وردت في أصل المخطوط (فتاويه) وأثبتنا الصحيح لغة.
(٢) مؤلفات شيخ الإسلام هي من الكثرة والانتشار، حتى قال تلميذه الملازم له الإمام ابن القيم: " ... إني عجزت عن حصرها وتعدادها ... " (رسالة في أسماء مؤلفات ابن تيمية، ص ٩) .
وكل من حاول جمع ما يجد لا يستطيع الاستيعاب؛ فهذا ابن القيم، وابن عبد الهادي، والصلاح الصفدي، وابن رجب، وكل من جمع شيئًا منها؛ فإنه قد فاته أشياء ذكرها غيره. والسبب في ذلك:
١- كثرة فتاوى الشيخ، فكل من جاءه باستفتاء أفتى له، فذهب بهذه الفتاوى؛ فلم تحصر! =
1 / 21
_________
=
٢- تفرق طلاب الشيخ، بما معهم من رسائله وفتاواه، ولا سيما مع المناوأة والمطاردة وتباعد ديارهم!
٣- أن الشيخ لا يحتفظ بأصول فتاواه، بل يكتب لكل من طلب منه ثم تذهب.
٤- المحن والفتن التي جرت عليه وعلى محبيه من بعده فوصلت إلى تراثه ومؤلفاته.
٥- ما لقيته كتبه من المصادرة، ومنع مطالعتها وتداولها، وفي ذا ما نقله ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة (٧٢٨هـ) فقال في صدد كلامه على سجن الشيخ في القلعة وقرب موته: وفي يوم الإثنين تاسع جمادى الآخرة أخرج ما كان عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الكتب والأوراق والدواة والقلم، ومنع من الكتب والمطالعة، وحملت كتبه في مستهل رجب إلى خزانة الكتب بالعادلية الكبيرة (والشيخ توفي ليلة ٢٢ من ذي القعدة) - قال البرزالي:
" وكانت نحو ستين مجلدًا وأربع عشرة ربطة كراريس، فنظر القضاة والفقهاء فيها، وتفرقوها بينهم "؛ وذلك بسبب رده على الأخنائي في مسألة الزيارة، وأقول لو جمعنا كل ما طبع للشيخ الآن لم يبلغ ستين مجلدًا خطيًا في هذه المدة القليلة، فكيف إذًا بما كتبه في سائر حياته العلمية؟!
ولابن القيم نظم في صدد تعداده مؤلفات شيخه ابن تيمية ووصفها، قال في آخر ذلك:
وكذا قواعده الكبار وإنها ... أوفى من المائتين في الحسبان
لم يتسع نظمي لها فأسوقها ... فأشرت بعض إشارة لبيان
وكذا رسائله إلى البلدان والـ ... أطراف والأصحاب والإخوان
هي في الورى مبثوثةً معلومة ... تُبتاع بالغالي من الأثمان
وكذا فتاواه فأخبرني الذي ... أضحى عليها دائم الطوفان
بلغ الذي ألفاه منها عدة الـ ... أيام من شهر بلا نقصان
سفر يقابل كل يوم والذي ... قد فاتني منها بلا حسبان
هذا وليس يقصر التفسيرُ عن ... عشر كبار ليس ذا نقصان
وكذا المفاريد التي في كل مسـ ... ـألة فسفر واضح التبيان
ما بين عشر أو تزيد بضعفها ... هي كالنجوم لسالكٍ حيران
٦- سرعة كتابة الشيخ، وكثير منها من حفظه، أدت إلى كثرتها فيكتب لكل محتاج إلى كتابه في العلم، قال ابن عبد الهادي في العقود الدرية ٤٧-٤٨: " ... لو =
1 / 22
صفاته:
وكان قوَّالًا بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار.
ومن خالطه وعرفه؛ قد ينسبني إلى التقصير في وصفه، ومن نابذه وخالفه؛ ينسبني إلى التعالي فيه، وليس الأمر كذلك.
_________
= أراد الشيخ تقي الدين أو غيره حصرها لما قدروا لأنه ما زال يكتب، وقد من الله عليه بسرعة الكتابة، ويكتب من حفظه من غير نقل.
وأخبرني غير واحد أنه كتب مجلدًا لطيفًا في يوم، وكتب غير مرة أربعين ورقة في جلسة وأكثر، وأحصيت ما كتبه وبيَّضه في يوم فكان ثماني كراريس في مسألة من أشكل المسائل، وكان يكتب على السؤال الواحد مجلدًا، أما جواب يكتب فيه خمسين ورقة وستين وأربعين وعشرين فكثير، وكان يكتب الجواب، فإن حضر من يبيضه، وإلا أخذ السائل خطه وذهب ... ويسأل عن الشيء فيقول: قد كتب في هذا، فلا يدري أين هو؟ فيلتفت إلى أصحابه ويقول: ردوا خطي وأظهروه لينقل، فمن حرصهم عليه لا يردونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب ولا يعرف اسمه؛ فلهذه الأسباب وغيرها تعذر إحصاء ما كتبه وما صنفه ...
لولا أن الله لطف وأعان ومنَّ وأنعم، وجرت العادة في حفظ أعيان كتبه وتصانيفه لما أمكن لأحد أن يجمعها.
لقد رأيت من خرق العادة في حفظ كتبه وجمعها وإصلاح ما فسد منها وردِّ ما ذهب منها، ما لو ذكرته لكان عجبًا، يعلم به كل منصف أن لله عناية به وبكلامه، لأنه يذبّ عن سنة نبيه ﷺ تحريف الغالية وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ... ".
قال ابن الوردي في تاريخه ٢/٤٠٩: " ... ويكتب على الفتوى في الحال عدة أوصال بخط سريع في غاية التعليق والإغلاق ".
٧- دروج فتاوى ومسائل كثيرة للشيخ ليس عليها اسمه، وربما انتحلت عليه. انظر (العقود الدرية، ص٤٨) .
1 / 23
مع أنني لا أعتقد فيه العصمة، كلا! فإنه مع سعة علمه، وفرط شجاعته، وسيلان ذهنه، وتعظيمه لحرمات الدين، بشرٌ من البشر، تعتريه حدة في البحث، وغضب وشظف للخصم؛ يزرع له عداوة في النفوس، ونفورًا عنه.
وإلا؛ فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم، ولزم المجاملة وحسن المكالمة؛ لكان كلمه (١) إجماعًا؛ فإن كبارهم وأئمتهم خاضعون لعلومه وفقهه، معترفون بشفوفه وذكائه، مقرون بندور أخطائه.
موقف الحاقدين منه:
لست أعني بعض العلماء الذين شعارهم وهجيراهم الاستخفاف به، والازدراء بفضله، والمقت له، حتى استجهلوه وكفروه ونالوا منه، من غير أن ينظروا إلى تصانيفه، ولا فهموا كلامه، ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف، والعالم منهم قد ينصفه ويرد عليه بعلم.
اعتذار وتنويه:
وطريق العقل السكوت عما شجر بين الأقران - رحم الله الجميع.
وأنا أقل من أن ينبه على قدره كلمي، أو أن يوضح نبأه قلمي؛ فأصحابه وأعداؤه خاضعون لعلمه، مقرون بسرعة فهمه، وأنه بحر لا ساحل له، وكنز لا نظير له، وأن جوده حاتمي، وشجاعته خالدية.
ولكن قد نقموا عليه أخلاقًا وأفعالًا؛ فمنصفُهم فيها مأجور، ومقتصدهم فيها معذور، وظالمهم فيها مأزور، وغاليهم (٢) مغرور، وإلى الله ترجع الأمور.
وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، والكمال للرسل، والحجة في الإجماع.
فرحم الله امرأً تكلم في العلماء بعلم، أو صمت بحلم، وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤدة وفهم، ثم استغفر لهم، ووسَّع نطاق المعذرة، وإلا؛ فهو لا
_________
(١) الكلمة في الأصل غير واضحة، فتحتمل ما سطرت، أو كلمة أخرى: " كله ".
(٢) هكذا في الأصل، وربما قرأت: " غالبهم "، والأولى ما في المتن.
1 / 24
يدري أنه لا يدري.
وإن أنت عذرت كبار الأئمة في معضلاتهم، ولا تعذر ابن تيمية في مفرداته؛ فقد أقررت على نفسك بالهوى وعدم الإنصاف.
دعوى تكفيره وبطلانها:
وإن قلت: لا أعذره؛ لأنه كافر، عدو الله تعالى ورسوله! قال لك خلق من أهل العلم والدين: ما علمناه والله إلا مؤمنًا محافظًا على الصلاة، والوضوء، وصوم رمضان، معظمًا للشريعة ظاهرًا وباطنا ً.
لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم، فإنه بحر زخار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك.
ولا هو بمتلاعب بالدين؛ فلو كان كذلك؛ لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه، وموافقتهم، ومنافقتهم.
ولا هو يتفرد بمسائل بالتشهي، ولا يفتي بما اتفق، بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن أو بالحديث أو بالقياس، ويبرهنها ويناظر عليها، وينقل فيها الخلاف، ويطيل البحث؛ أسوة من تقدمه من الأئمة، فإن كان قد أخطأ فيها؛ فله أجر المجتهد من العلماء، وإن كان قد أصاب؛ فله أجران.
وإنما الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى ولم يبد حجة، ورجل تكلم في مسألة بلا خميرة من علم ولا توسع في نقل؛ فنعوذ بالله من الهوى والجهل.
بين الأعداء والمحبين:
ولا ريب أنه لا اعتبار بذم أعداء العالم؛ فإن الهوى والغضب بين الأعداء والمحبين يحملهم على عدم الإنصاف والقيام عليه.
ولا اعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه؛ فإن الحب يحملهم على تغطية
1 / 25
هناته، بل قد يعدونها محاسن.
وإنما العبرة بأهل الورع والتقوى من الطرفين، الذين يتكلمون بالقسط، ويقومون لله ولو على أنفسهم وآبائهم.
فهذا الرجل (١) لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالًا ولا جاهًا بوجه أصلًا، مع خبرتي التامة به، ولكن لا يسعني في ديني وعقلي أن أكتم محاسنه، وأدفن فضائله، وأبرز ذنوبًا له مغفورة في سعة كرم الله تعالى وصفحه، مغمورة في بحر علمه وجوده؛ فإن الله يغفر له، ويرضى عنه، ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه.
مع أني مخالفٌ له في مسائل أصلية وفرعية، قد أبديت آنفًا أن خطأه فيها مغفور، بل قد يثيبه الله تعالى فيها على حسن قصده، وبذل وسعه، والله الموعد.
مع أنني قد أوذيت لكلامي فيه من أصحابه وأضداده؛ فحسبي الله.
وصف خَلْقه:
وكان الشيخ أبيض، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحًا، سريع القراءة.
يعتريه حدة، ثم يقهرها بحلم وصفح، وإليه المنتهى في فرط الشجاعة، والسماحة، وقوة الذكاء.
ولم أرَ مثله في ابتهاله واستغاثته بالله تعالى، وكثرة توجهه.
وقد تعبت بين الفريقين: فأنا عند محبه مُقصِّر، وعند عدوه مُسرف مُكثر، كلا والله!
_________
(١) يعني: شيخه المترجم له ابن تيمية.
1 / 26