السبق التربوي مفهومه ومنهجه ومعالمه في ضوء النهج الإسلامي
السبق التربوي مفهومه ومنهجه ومعالمه في ضوء النهج الإسلامي
ناشر
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
السنة السادسة والثلاثون
اشاعت کا سال
العدد (١٢٣) ١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م
اصناف
باب: المبحث الأول: مدخل الدراسة
مقدمة
...
المبحث الأول: مدخل الدراسة
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن اهتمام المسلمين بالعلوم المفيدة للإنسان يؤكدها التاريخ الحضاري الحافل بالمنجزات في جميع المجالات التي رصدتها كتب الحضارة والتاريخ.
ومن تلك العلوم: الدراسات التربوية والنفسية التي عنيت بالطبيعة البشرية والتي أفردت بالتصنيف والتأليف في أسفار عديدة، معتمدة في ذلك على منهجية تربوية منبثقة من المنهج الإسلامي الذي عني عناية فائقة بالدراسات الإنسانية، وفق توجيهات ربانية من الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وهذا أكسب العلوم التربوية الإسلامية فاعلية في التطبيق والتأثير، في بُعْدٍ عن المناهج الفلسفية الظنية غير القطيعة في دلالاتها ومؤشراتها.
وهذا عكس ما يظنه البعض من أن الدراسات التربوية والنفسية هي من موروثات الدراسات الغربية، وهذه مغالطة علمية.
كما أن هناك اعتقادًا عند البعض بأن المناهج الغربية حققت تقدمًا كبيرًا في جميع المجالات، بيد أنها حققت هذا التقدم في المجال التقني فقط، أما فيما يخص المجال التربوي الذي يغرس في المرء الفضائل والمبادئ السليمة في الحياة الاجتماعية والأسرية فقد تدهورت في هذا المجال تدهورًا كبيرًا. يؤكد ذلك الواقع المشاهد.
ولما أن بريق الحضارة المادية سريع التأثير بمؤثراته المتعددة، أحدث عند الكثير الشعور بتفوق الأنموذج الغربي حتى في الجانب الإنساني، وهذه مغالطة نتيجة الأثر الفاعل للحضارة المادية التي توارت أمامها الهزيمة الساحقة في المجال
1 / 441
الأخلاقي والتربوي، مما أدى إلى تثمين الحضارة الغربية على أساس أنها تمثل الأنموذج الحضاري للسبق التربوي في المجال الاجتماعي والإنساني والتعليمي والخلقي نتيجة غياب الوعي بمفهوم السبق التربوي وأسسه المنهجية ومعالمه التي يمكن أن ندحض بها التصورات الخاطئة.
وهذا البحث محاولة لبيان منهج أسس السبق التربوي، ومن ثم تأكيد السبق التربوي للإسلام والمسلمين للعناية الفائقة والمبادئ المتميزة والثابتة لأصوله وأسسه التربوية التي مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
* أهمية الدراسة: توضح هذه الدراسة مفهوم السبق التربوي وأسسه التي ينبغي أن ترتكز عليها عملية المفاضلة العلمية، حتى لا ينخدع الإنسان ببريق الحضارة المادية. وبالتالي تظهر أهمية هذه الدراسة في استجلاء أسس السبق التربوي، لتؤكد أن المنهج التربوي الإسلامي له الريادة بخصوصيته الربانية، ولما حققه من تفعيل لمضامينه التربوية، التي عجزت عن تحقيقها عموم التربيات الأخرى. إضافة إلى أن المأمول من هذه الدراسة أن تعطي قناعة بأن منهج التربية الإسلامية هو الذي لا تستقيم الحياة إلا به، وأن التربية الغربية انحصر تقدمها في المجال التقني، في حين أنها فشلت في الجوانب التربوية الإنسانية. ولعل هذا يعطي مؤشرًا بأهمية مثل هذه الدراسة ليستفيد منها القائمون على المؤسسات التربوية، باعتبار أنها الركيزة الأساسية في تغيير المفاهيم عند المجتمع.
* مشكلة الدراسة: تنطلق مشكلة هذه الدراسة من فقدان معايير السبق التربوي، ومفهومه
* أهمية الدراسة: توضح هذه الدراسة مفهوم السبق التربوي وأسسه التي ينبغي أن ترتكز عليها عملية المفاضلة العلمية، حتى لا ينخدع الإنسان ببريق الحضارة المادية. وبالتالي تظهر أهمية هذه الدراسة في استجلاء أسس السبق التربوي، لتؤكد أن المنهج التربوي الإسلامي له الريادة بخصوصيته الربانية، ولما حققه من تفعيل لمضامينه التربوية، التي عجزت عن تحقيقها عموم التربيات الأخرى. إضافة إلى أن المأمول من هذه الدراسة أن تعطي قناعة بأن منهج التربية الإسلامية هو الذي لا تستقيم الحياة إلا به، وأن التربية الغربية انحصر تقدمها في المجال التقني، في حين أنها فشلت في الجوانب التربوية الإنسانية. ولعل هذا يعطي مؤشرًا بأهمية مثل هذه الدراسة ليستفيد منها القائمون على المؤسسات التربوية، باعتبار أنها الركيزة الأساسية في تغيير المفاهيم عند المجتمع.
* مشكلة الدراسة: تنطلق مشكلة هذه الدراسة من فقدان معايير السبق التربوي، ومفهومه
1 / 442
الصحيح ومعالمه التي من خلالها يمكن تحديد السابق في مضمار المنجزات التربوية، الأمر الذي أدى إلى اغت-رار البعض بالحضارة الغربية على أساس أنها تمثل الريادة في التقدم التقني والتربوي.
وحقيقة الأمر أن المجتمع الغربي قد انحصر تفوقه في المجال المادي التقني، وانحدر في الجانب التربوي نتيجة غياب الدين في حياته.
ومن هذه الإشكالية انطلق هذا البحث.
* أسئلة الدراسة: يمكن تحديد تساؤلات هذه الدراسة في أربعة أسئلة، وهي: ١- ما مفهوم السبق التربوي؟. ٢- ما أسس منهج السبق التربوي التي يقاس عليها؟. ٣- أين تكمن معالم السبق التربوي؟. ٤- ما أبرز متناقضات التربية الأجنبية مع التربية الإسلامية؟.
* حدود الدراسة: لما أن مجالات السبق التربوي متعددة الجوانب، قد تكون في الوسائل، وفي الوسائط التربوية، وفي المناهج، وفي الأصول التربوية، وفي جوانب أخرى متعددة، الأمر الذي يتطلب دراسات متعددة للوفاء بمتعلقاتها: لتلك الحيثيات سيتم الاقتصار على الجوانب الموضوعية التالية: أسس السبق التربوي، ومعالمه الظاهرة في فهم الطبيعة الإنسانية والأصول المرجعية والأهداف والوسائل. كما يشتمل البحث على مقارنة التربية بالأنموذج الغربي باعتبار أنه واسع الانتشار في العالم.
* أسئلة الدراسة: يمكن تحديد تساؤلات هذه الدراسة في أربعة أسئلة، وهي: ١- ما مفهوم السبق التربوي؟. ٢- ما أسس منهج السبق التربوي التي يقاس عليها؟. ٣- أين تكمن معالم السبق التربوي؟. ٤- ما أبرز متناقضات التربية الأجنبية مع التربية الإسلامية؟.
* حدود الدراسة: لما أن مجالات السبق التربوي متعددة الجوانب، قد تكون في الوسائل، وفي الوسائط التربوية، وفي المناهج، وفي الأصول التربوية، وفي جوانب أخرى متعددة، الأمر الذي يتطلب دراسات متعددة للوفاء بمتعلقاتها: لتلك الحيثيات سيتم الاقتصار على الجوانب الموضوعية التالية: أسس السبق التربوي، ومعالمه الظاهرة في فهم الطبيعة الإنسانية والأصول المرجعية والأهداف والوسائل. كما يشتمل البحث على مقارنة التربية بالأنموذج الغربي باعتبار أنه واسع الانتشار في العالم.
1 / 443
* منهج الدراسة:
لما أن هذه الدراسة وصفية مع شيء من المقارنة فإن من الأنسب استخدام المنهج الوصفي التحليلي، لوصف معالم التربية الإسلامية وتحليل مضامينها، ثم استخدام المنهج المقارن لإبراز تفوق التربية الإسلامية على التربية الغربية وسبقها في هذا المضمار.
1 / 444
باب: المبحث الثاني: مفهوم السبق التربوي ومنهجه
...
المبحث الثاني: مفهوم السبق التربوي ومنهجه
مفهوم السبق:
السبق: القُدْمةُ في الجري وفي كل شيء.
والسابق: هو الذي وصل للشيء أولًا، والعرب تقول للذي يسبق من الخيل: السابق١.
فالعبرة في السبق إذًا ليس بالبدء، وإنما بالوصول أولًا، وبتحقيق النتائج، وإن كان البدء محمودًا. فالسابق في مضمار الجري ليس لمن رفع قدمه أولًا، وإنما لمن حط قدمه على خط النهاية أولًا. والسابق في البحث العلمي: هو لمن وصل إلى نتائج وأعطى حقائق، لا لمن بدأ أولًا.
وإذا تقرر هذا المفهوم عندنا فإن السبق التربوي ليس لأول من دوّن وكتب في التربية كتابات جدلية ليست قطعية، والرد والطعن نافذ فيها ومتحقق في نتائجها، بل السبق لمن وصل أولًا إلى منهج تربوي قطعي متكامل في جميع جوانبه.
وهذه الحقيقة التعريفية المعرفية تنير لنا الطريق وتضعنا على أول معالم تحديد السبق، وتحقق لنا أن السبق في المنهج القطعي الصحيح، وليس لغيره.
ولكي نحدد السابق لابد من وضع معايير تُعرض عليها أعمال المتسابقين لتحديد السبق التربوي، كما يتضح من العنوان التالي:
أسس منهج السبق التربوي:
إن تحديد السبق التربوي يعتمد على تعيين أسسه التي يقوم عليها، حتى يكون للأحكام والاختيار اعتبار وميزان وثقة، وهي من مقدمات الدراسات
_________
١ ابن منظور، لسان العرب (١٠/١٥١) .
1 / 445
المقارنة، ويمكن إيضاح هذه الأسس في النقاط التالية:
أولًا: تحقيق نتائج صحيحة:
من أهم أسس السبق أن تكون النتائج المتوصل إليها صحيحة سليمة، إذ لا عبرة بالنتائج الخاطئة التي يتم التوصل إليها، أو أنها ضعيفة في مصداقيتها، وربّما النقد حليفها من أتباعها.
فهناك عوائق قد تكتنف البحث التربوي، فتعطي نتائج خاطئة، ومن تلك العوائق:
١- عدم نضج النتائج:
فبعض الباحثين يدفعه الحماس إلى سرعة التعلق بنظرية مثيرة دون أن يتأكد من صحتها، فيبني عليها بحثه، في حين أن الباحث الدقيق يتأكد أولًا من صحة ما يبني عليه بحثه، ولا يعلن عما في ذهنه إلا بعد اختبار جميع الفروض، والوصول إلى الدليل الحاسم.
٢- تجاهل الأدلة المضادة:
وذلك بأن يتم التغافل عن الدليل المضاد، أو غير المتفق مع النتائج التي وصل إليها الباحث، من غير مناقشتها، والتأكد من صحتها أو بطلانها، وترجيح الراجح وإسقاط المرجوح.
٣- الافتقار للأصالة:
إن الافتقار للأصالة والتأثر بالتقليد غير الصحيح يعطي البحث تبعية غير ناضجة، فيعقب ذلك نتائج مفتقرة للمصداقية.
٤- ضعف القدرة:
عدم قدرة الباحث الحصول على جميع الحقائق المتعلقة بالمشكلة قيد ال-دراسة، وبالتّالي يبني نتائجه على أدل-ة مبتورة ناقصة، لم تستوف جانب
1 / 446
التكامل١.
٥- عدم الدقة في الملاحظة:
وذلك بإهمال بعض العناصر والعوامل بحجة أن غيرها يكفي عنها، كالاقتصار في دراسة الانحرافات على الدوافع السلوكية من خوف أو حاجة، دون النظر إلى غياب عامل الدين أو ضعفه، والذي يعتبر المنظم الأساسي لسلوك الإنسان وتصرفاته.
٦- الخطأ في التوفيق:
وذلك بعدم القدرة على الربط بين علاقة السبب والأثر، كمن يربط التسيب الدراسي بالضعف المادي الأسري فقط، أو بنظام المدرسة فقط، دون أن ينظر للأسباب الأخرى.
٧- التأثر بالأحكام الشخصية والتحيزات الذاتية المسبقة:
فربما يؤدي به ذلك إلى تفسيرات وتحليلات غير صحيحة.
ومن جانب آخر فإن مناهج البحث العلمي التجريبي، تشير إلى أن التجارب التي محورها الإنسان يكتنف صحتها شيء من الشك، فيقول أحد المتخصصين: “أما بالنسبة للتجارب التي تتناول الناس، فهناك صعوبة من غير شك في تحديد جميع المتغيرات، أو العوامل التي تؤثر على نتائج التجربة، وإن عزل جميع العوامل التي يمكن أن يكون لها صلة بالتغيرات التي تحدث خلال التجربة، أو التحكم فيها يعتبر أمرًا مستحيلًا “ ٢.
فالإنسان الذي يكون قيد التجربة تتغير مشاعره تبعًا للمؤثرات وبالتالي
_________
١ أحمد بدر، أصول البحث العلمي ومناهج، ص (٦٨-٧١) .
٢ المرجع السابق، ص (٢٩٤) .
1 / 447
تتغير انفعالاته، فيتبع ذلك تغير في تصرفاته.
وإن كان هناك ضعف في نتائج التجارب المتعلقة بالمشاعر الإنسانية، فهذا أيضًا لا يعطينا الحق في رفضها البتة، ولكن يمكن أن نسترشد بها كعوامل مساعدة.
أما فيما يتعلق بالأبحاث التي مصدرها أو محورها الإنسان ولكن تتعلق بآرائه واتجاهاته في القضايا، فإن لها مدلولًا واعتبارًا، إذا طبقت تطبيقًا صحيحًا.
وهناك ثمة محور آخر يتعلق بتعميم نظريات تربوية نشأت في بيئة لمواطنيها خصائص دينية وثقافية وعرفية تختلف تمامًا عن البيئة الإسلامية، فتؤخذ مأخذ الأمر القطعي الذي لا يقبل التفاوض والجدل، وهذا في الحقيقة أمر خطير، ينحو بالنتائج منحى يبعدها عن الصواب.
والنتائج الخاطئة تظل أفكارًا جدلية ترتقي عند فئة، وتسقطها فئات أخرى، بعيدة عن الاستمرارية والديمومة، قريبة من الزوال، والإجماع ليس حليفها.
فإبليس - لعنه الله - عندما أمره ربه بالسجود لآدم، استعلى في نفسه، وعصى ربه، وبنى رفضه على مقدمتينِ خاطئتين، فترتب عليها نتائج خاطئة، وهاتان المقدّمتان: أنه خير من آدم، والثانية: أنه مخلوق من نار وآدم من طين. قال تعالى في وصف ذلك: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ ١.
ثانيًا: صحة الأصول المرجعية:
ويقصد بالأصول المرجعية، هي ما يستمد منه الباحث انطلاقته المعرفية، وما يُحتكم إليه، سواء في التشريع وفي الأهداف والبواعث أو في المنهجية،
_________
١ سورة الأعراف، آية رقم (١٢) .
1 / 448
والأساليب، أو في الأسس والزاد المعرفي.
وهذه الأصول المرجعية تختلف بين المجتمعات بحسب عقائدهم، وهي تؤثر في السلوك البشري وفي مجال الأبحاث، حيث يستمدّ منها الباحث الأسس العامة والجزئية والأصول المعرفية ويتأثر بانتمائه إليها وبحماسه لها والانتصار لها، وهي تحرك عواطفه نحو الأشياء، فقد يبغض ويكره تأثرًا بتوجيهات تلك الأصول المرجعية، بل قد تؤثر في رؤيته التحليلية والتفسيرية للآيات الكونية والاجتماعية.
فهناك مثلًا التفسير المادي للإنسان الذي ينطلق من أصل مرجعي هو أن المادة أساس كل شيء، وبالتالي ينظر لهذا المخلوق على أنه مركب فيزيقي عضوي، ولذلك: “فإن علم النفس المعاصر كما هو موجود في الشرق والغرب قائم على مبدأ أساسي هو أن الإنسان في بنائه النفسي محكوم كليًا ببنائه الفيزيقي العضوي المادي، وبناءً على ذلك فسلوك الكائن البشري محكوم بمسألة فِزيقية جوهرها باعث مادي واستجابة فِيزيقية”١.
فهذه النظرة تسقط جميع المحركات الانفعالية للإنسان، والتي مبعثها خارج عن التركيب العضوي، من أمور مفرحة سارة، وأمور محزنة، وأخرى تقتلع هدوء الإنسان ليغضب، وأخرى تضرب بانفعالات الإنسان إلى درجة التجمد فيهدأ حياءً من مثيرات وعوامل خارجية عن تركيبته العضوية.
ثالثًا: مشروعية السبق:
ويقصد به أن يكون موضوع السبق نافعًا غير ضار، مطلوبًا غير مرفوض. وهذا يتطلب تحقيق ما يلي:
١- المشروعية في الأدوات المستخدمة لتحقيق السبق.
_________
١ عبد الحميد الهاشمي، صبغة علم النفس بالصبغة الإسلامية، ص (٧٩-٨٠) .
1 / 449
٢- المشروعية في المنهج.
٣- المشروعية في الهدف.
ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي:
١- المشروعية في الأدوات المستخدمة لتحقيق السبق:
والمقصود أن تكون أدوات البحث مأذونًا بها شرعًا، ولا تُخضع المسائل غير التجريبية على أدوات التجريب، كقضايا الإيمان بالغيبيات، أو تفسير الظواهر الكونية على مقاييس مادية بحتة، مثل: ظواهر الزلازل والبراكين والخسوف والكسوف، إذ يجب أن يرتبط تفسير الآيات الكونية بالمنهج الشرعي، حتى يرتبط الفهم بالحقيقة والمطلوب، ويُربط العلم بالإيمان؛ لأن في عدم ربطها إخلالًا بفكر الإنسان وبتربيته وتنشئته.
ومن أدوات البحث التربوي ما يلي:
أ - الملاحظة.
ب - المقابلة.
ج - الاستبانات.
د - تحليل المحتوى أو المضمون.
هـ- - الأساليب الإسقاطية.
وأساليب قياس الاتجاهات.
ز - الخرائط والرسوم والوثائق.
ح - الوسائل الإحصائية١.
وعلى الباحث أن يختار من تلك الأدوات ما يناسب بحثه، مع ملاحظة أن
_________
١ انظر: أحمد بدر، أصول البحث العلمي، ص (٣٠) .
1 / 450
منهج التربية الإسلامية يوجب على الباحث أن لا يعمل بتلك الأدوات في معزل عن المنهج الإسلامي الذي يعتمد في قضاياه الكلية والجزئية على الكتاب والسنة؛ لأنه ما من بحث تربوي يسير في معزل عن منهج التربية الإسلامية إلا ويحيد عن الطريق في النتائج والتحليل.
ومثال ذلك: التجارب الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية التي دُرست دراسة معملية في معزل عن الشرع الحكيم نجد أنها حادت عن الطريق، وساهمت في هدم البشرية، بقدر ما حققت من تقدم علمي عالمي، وسيأتي توضيح لذلك في مشروعية الهدف.
٢- المشروعية في المنهج:
وذلك أن يكون المنهج المتبع منهجًا سليمًا بعيدًا عن الخداع والتلاعب في جمع المعلومات، وفي طرح النتائج وتحليلها، بل يجب أن يعتمد على مصادر صحيحة سليمة، ويعالجها بمنهجية دقيقة صحيحة، وهذا يتطلب البعد عن المنهج الفلسفي القائم على الأفكار الذاتية اللادينية، والبعد عن النظريات ذات المنطلقات غير الشرعية، والاستخدام العكسي للأدوات البحثية، حيث تمخض سوء استخدام أدوات البحث التجريبي التربوي عن دراسات ميدانية خاطئة، أجريت على بعض الأفراد؛ ولذلك تؤكد مناهج البحث العلمي على خطورة نتائج مثل تلك الدراسات التي تعتمد على منهجية خاطئة.
ومن الصعوبات المنهجية التي تواجه الدراسات الميدانية على الإنسان ما يلي:
أ - صعوبة التعرف على جميع العوامل المتغيرة التي قد تؤثر في نتائج تجربة ما، فعلى سبيل المثال نجد أنه في أية دراسة خاصة بالأفراد يكاد يكون من المستحيل عزل وضبط كل عامل يحتمل أن يكون له أي تأثير في التغيرات
1 / 451
الحادثة أثناء التجربة. ولو أن تجربة أجريت على إنسان وتحتاج هذه التجربة إلى فترة زمنية كشهر أو أكثر، فإنه في نفس الوقت الذي تجرى فيه الأحداث التجريبية سيكون الإنسان قد نما وتغير من نواح معينة أثناء هذه الفترة، ولن يعود هو نفس الشخص الذي كان عند بدء التجربة، وقد تكون التغيرات دقيقة إلا أنها موجودة مع ذلك بدرجة معينة١.
(ثم إن هناك قضية منهجية هامة عند التجريب على المجموعات وهي كيفية اختيار عينة البحث، ومدى تمثيلها لمجتمع البحث) ٢.
ب - وتعاني التجارب التي تجرى على الإنسان من أثر الإيحاء أو العوامل غير الشعورية، وعادة ما يكون اكتشاف هذه الأخطار غاية في الصعوبة٣.
ومن جانب آخر فإن مشروعية المنهج تستلزم توازنًا بين السبق المادي والحفاظ على الدين والقيم الاجتماعية والخلقية والسلوكية؛ لأن الانخراط في السبق المادي مع عدم الحفاظ على الدين المنظم لشؤون حياة الإنسانية هو تدمير لحياة البشرية، ولا أدل على ذلك مما تعيشه كثير من مجتمعات هذا العصر من التقدم المادي الذي يواكبه التدهور الأخلاقي والاجتماعي والتنكر للدين، فأصبح أفرادها يعانون من الخلل النفسي الذي حطم حياتهم، وأبعدهم عن جادة الطريق وسلك بهم سبيل الهلاك.
٣- مشروعية الهدف:
بأن يكون القصد من تحقيق السبق النفع لا الضرر، والخير لا الشر؛ لأن التزام هذا الهدف يحقق الخُلُق الرفيع في مضمار التسابق، حيث إن ميدان السبق
_________
١ محمد زيان عمر، البحث العلمي ومناهجه وتقنياته، ص (١٠٩-١١١) .
٢ المرجع السابق، ص (١١٠) .
٣ المرجع السابق، ص (١١١) .
1 / 452
قد يكون مشروعًا في ذاته لكنه متعلق بنوايا خبيثة، كمن يخترع ليدمر حياة الإنسان أو يفكر بهدف نشر الرذيلة.
فطلب الحقيقة العلمية غير المرتبطة بالالتزامات الشرعية يؤدي إلى تدمير البشرية، فهناك ميادين علمية تؤكد صحة هذا الكلام، فميدان الهندسة الوراثية واحد من هذه الميادين التي اتجهت لمعالجة الجنس البشري بحيث يكون النسل يحمل صفات وراثية محددة مما سوف تعقبه عواقب وخيمة، وكذلك القدرة على استخدام الطاقة الذرية للتخريب اتضحت معالمها في هيروشيما ونجازاكي، والأبحاث في ميادين غازات الأعصاب والميكروبات المميتة قد تطورت الآن إلى مبيدات للبشرية، وقد استخدم الكثير منها في فيتنام، ويظهر الآن ميدان من ميادين الكيمياء الانفعالية التي قد تؤدي في النهاية إلى السيطرة على الإرادة البشرية بواسطة مركبات كيميائية مختلفة١.
فهذه النوايا التي صاحبت السبق العلمي اتجهت به نحو التدمير والهلاك، فهل هذا يخدم البشرية؟ وهل هذا نتاج تربية سباقة للخير؟.
والبث المباشر، والإنترنت يخدم أهدافًا غير مشروعة بقصد تحقيق عولمة العقل البشري، ليفكر بتفكير واحد ويعيش بطريقة واحدة أو متشابهة، ومظهرها الانحلال الديني والخلقي والاجتماعي، فقد رصدت بعض الدراسات اتجاهًا عالميًا يهدف لعولمة العقل البشرية٢. فهل هذا الإنجاز وليد تربية سباقة للخير؟.
_________
١ عطاء الرحمن، التربية العلمية في الدولة الإسلامية، مبادئ وإرشادات، ص (٢٤٠-٢٤١)، سلسلة التعليم الإسلامي، العلوم الطبيعية والاجتماعية من وجهة النظر الإسلامية.
٢ خالد الحازمي، الهدف التعليمي والثقافي لتقنية المعلومات، للمجتمع العربي، ص (٢٦) .
1 / 453
رابعًا: تحقيق القُدْمة:
وهو الوصول إلى الشيء أولًا، بحسب ميدان مناط السبق، سواء في مضمار الجري أو البحث العلمي، أو في غيرهما، ومثال تحقيق القدمة: لو أن باحثًا بدأ في موضوع معين في بداية شهر محرم من عام ١٤١٨هـ- واستكمل بحثه بمقدمات صحيحة ونتائج سليمة وذلك في نهاية شهر شوال لعام ١٤١٨؟. وفي نفس الوقت بدأ باحث آخر في نفس الموضوع ولكن بعد الأول بشهر. واستكمل بحثه بمنهجية سليمة، ونتائج صحيحة قبل الأول بشهر، فإن السبق هنا يكون للثاني بالرغم من أنه بدأ بعد الأول، لكنه أنجز وأتم البحث قبله.
فإذًا تحقيق القدمة الزمنية أس في عملية السبق لابد منها.
***
1 / 454
باب: المبحث الثالث: معالم السبق التربوي
...
المبحث الثالث: معالم السبق التربوي
تتعدد معالم السبق التربوي بحسب القضايا الكلية أو جزئياتها، وبحسب الميادين التربوية وتعددها في التعلم والتعليم، وفي الطبيعة الإنسانية، وفي الأهداف التربوية، أو في وسائطها وغير ذلك.
ولما أن هذا المبحث بل هذا البحث لا يمكن له تغطية كل الميادين التربوية فإنه سيقتصر على أهمها وهي:
أ - الطبيعة الإنسانية.
ب - الأصول المرجعية.
ج - الأهداف والبواعث.
د - الوسائل المنهجية.
أولًا: الطبيعة الإنسانية:
إن الله تعالى عندما خلق الإنسان جعل فيه خصائص تساعده على الحياة، وتجعله سيد نفسه في الاختيارات التي تظهر أمامه، وزوده بقدرات وخصائص بعضها فطري، وبعضها مكتسب، تحقق له إنسانيته التي أرادها الله تعالى له، والتي هي:
١- القابلية:
عندما خلق الله تعالى الناس جعل عندهم قابلية التجاوب والاختيار، وقابلية الحب والكره، والولاء والعداء، وقابلية التجانس والتنافر، والتدابر والتقارب، والإقدام والإحجام؛ وذلك ليتمكن هذا الإنسان من تحمل مسؤولية التكليف، واستحقاق المحاسبة، والجزاء والثواب فيما بعد، قال تعالى: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا
1 / 455
وَتَقْوَاهَا﴾ ١. أي: عرفها وأفهمها حالهما وما فيهما من الحسن والقبح. قال مجاهد: عرفها طريق الفجور والتقوى والطاعة والمعصية. قال الفراء: عرفها طريق الخير وطريق الشر.٢.
٢- الإرادة:
لم يجعل الله ﷾ عند الإنسان القابلية والاستعداد للتحول من اتجاه لآخر فقط، وإنما جعل له أيضًا الإرادة في ممارسة الخير والاستمرار على الفطرة التي فطر عليها، أو الانحراف عنها إلى طريق الهلاك والضلال. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ ٣.
وهذه الإرادة تنقسم عند الإنسان إلى قسمين:
(أ) - إرادة جازمة:
وهي التي يجب وقوع الفعل منها، إذا كانت القدرة حاصلة. فإنه متى وجدت الإرادة الجازمة مع القدرة التامة وجب وجود الفعل.
(ب) - إرادة غير جازمة:
وهي التي لا يقع الفعل منها، مع وجود القدرة على الفعل. فمتى وجدت الإرادة والقدرة التامة على الفعل، ولم يقع لم تكن الإرادة جازمة٤.
والإرادة هي: عمل القلب الذي هو ملك الجسد، كما قال أبو هريرة ﵁: “ القلب ملك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده،
_________
١ سورة الشمس: أية رقم (٨) .
٢ الشوكاني، فتح القدير (٥/٤٤٩) .
٣ سورة الشمس: آية رقم (٩-١٠) .
٤ ابن تيمية، الفتاوى (١٠/٧٢٢) .
1 / 456
وإذا خبث الملك خبثت جنوده “١.
ولعل هذا مستفاد من قوله ﷺ: “ إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب “ ٢.
وهذه الإرادة التي زود بها الإنسان، تجعل له قوة تجاه الفعل أو الترك، وبالتالي يقع على كاهل التربية تنشئة وتحفيز الإرادة الجازمة نحو السلوك المستقيم وفق المنهج الإسلامي، وبأساليبه المتقررة.
ويؤكد تلك الإرادة ما جاء في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ ٣.
فالفلاح يأتي نتيجة الإرادة الجازمة نحو فعل الخير وسلوكه، والتدسية تأتي نتيجة الإرادة غير الجازمة في اتباع الخير وسلوكه.
٣- القدرات:
لقد زود الله تعالى الإنسان بالوسائل والمدارك التي تمكنه من معرفة ما يحيط به، إذ إن الإنسان لا تكفيه القابلية والإرادة في الاختيار والتفعيل ما لم تكن هناك وسائل يستطيع باستعمالها أن يهتدي إلى الحق، فزوده الله تعالى بمدارك حسية يكشف بها ما يعرض أمامه، فيعرف بها معالم الطريق وهديه، وهذه الوسائل متنوعة متعددة بتعدد خصائص الأشياء وما يعرض للإنسان من محسوسات، فبعضها لا تدرك إلا بحاسة السمع مثل الأصوات والبعض لا يدرك إلا بحاسة البصر، مثل رؤية الأشياء في أشكالها وأحجامها، والبعض لا يدرك إلا
_________
١ المرجع السابق (١٠/٧٢٦) .
٢ البخاري (٢/٧٤)، برقم (٢٠٥١)، ومسلم (٣/١٢١٩-١٢٢٠)، برقم (١٠٧-١٥٩٩) .
٣ سورة الشمس: آية رقم (٩-١٠) .
1 / 457
بحاسة اللمس فقط، كالخشونة والنعومة والحرارة والبرودة، ويقاس على ذلك بقية الحواس.
قال تعالى مبينًا أهمية تلك الحواس في إدراك الحق، وخطر من لم يسخرها ويفعلها في مصالح معادة: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ ١.
وإضافة إلى تلك الحواس كرمه بالعقل، الذي يعقل به الأشياء ويعرفها، ويفكر به، ويرجح به المنافع على المضار، وقد جاء في الحديث “ والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس” ٢؛ ولذلك خاطب الإسلام الإنسان عن طريق عقله بالتأمل والتفكر فيما يحيط به ليهتدي ويعرف أن لهذه المخلوقات خالقًا يجب أن يعبد على الوجه الذي أراده الله تعالى وفق ما جاء به الشرع الحكيم: “لأن الاعتماد على الجانب العقلي وقوى الإدراك المختلفة لدى الإنسان فقط ليس مأمون العواقب، وذلك أن ثمّة عوامل ودوافع نفسية وغير نفسية تقوم بدورها في توجيه المعارف، وبالتالي يكون تأثيرها في الحكم العقلي الصادر عنها، كالأهواء والشبهات والشهوات”٣.
وبهذا يتضح أن الله تعالى زود الإنسان بقدرات يكتسب بها المعرفة، ولكن يجب أن لا تنعزل عن الشرع وتعمل في منأى عنه حتى لا تضل ولا تشقى؛ لأن هناك معارف غيبية لا يمكن معرفتها إلا من خلال التشريع الإلهي.
_________
١ سورة الأعراف: آية رقم (١٧٩) .
٢ مسلم (٤/١٩٨٠) برقم (١٤/٢٥٥٣) .
٣ محمد عبد الله عفيفي، النظرية الخلقية عند ابن تيمية، ص (١٥٧) .
1 / 458
٤- القوى:
لقد زود الله تعالى الإنسان بقوى تجعله متحركًا متجاوبًا مع ما يحيط به، ولولا هذه القوى لأصبح الإنسان كالحيوان في حركة آلية رتيبة. فبعض هذه الدوافع يعمل للمحافظة عليه بالدفاع عنه، والبعض يعمل على المحافظة عليه بإشباعها. مثل: الدافع إلى العمل والسكن والتكسب والزواج، فهذه دوافع للمحافظة عليه، والغضب والغيرة والخوف للدفاع عمّا يضره للمحافظة عليه، وهذه القوى ثلاثة أنواع، منها: اثنتان فطريتان، وثالثة جمعت بين الفطرة والاكتساب، يقول ابن تيمية: إن قوى الأفعال في النفس إما جذب وإما دفع١. ويقول ابن قيم الجوزية: للقلب قوتان: قوة الطلب، وقوة الهرب، وكأنّ العبد هارب لمصالحه هارب من مضاره٢.
ويشير ابن حجر إلى أن في كل إنسان ثلاثة قوى: أحدها الغضبية وكمالها الشجاعة، وثانيهما: الشهوانية، وكمالها الجود، وثالثهما: العقلية، وكمالها النطق بالحكمة٣.
فاقتضت حكمة الباري اللطيف الخبير أن جعلت في الإنسان بواعث ومستحثات تؤزه أزًا إلى ما فيه قوامه وبقاؤه، ومصلحته، وتَرِدُ عليه بغير اختياره ولا استدعائه، فجعل لكل واحد من هذه الأفعال محركًا من نفس الطبيعة يحركه ويحدوه عليه٤.
وبالاستقراء يمكن تقسيم القوى المحركة للطبيعة البشرية إلى ثلاثة
_________
١ ابن تيمة، الفتاوى (١٥/٤٢٠) .
٢ ابن قيم الجوزية، الطب النبوي، ص (١٩١) .
٣ ابن حجر، فتح الباري (١٠/٤٥٧) .
٤ ابن قيم الجوزية، مفتاح دار السعادة (١/٢٧٦) .
1 / 459
أقسام: اثنتان فطريتان، وثالثة جمعت بين الفطرة والاكتساب، حسب التوضيح التالي:
(أ): القوة الجاذبة:
هي القوة الجالبة للملائم، وهي الشهوة، وجنسها: من المحبة والإرادة، ونحو ذلك١ وبدونها يفقد الإنسان اندفاعه للعمل والتكسب والحركة والاختلاط، ومن تلك الشهوات: شهوة حب المال، والذرية، والنساء، ونحو ذلك، وهي مركوزة في النفس البشرية، ولولا هذه الدوافع الشهوية، لسكن الإنسان فلا حراك له، قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾ ٢.
والدوافع منها ما يكون الإنسان واعيًا بها، فاهمًا إياها، منتبهًا إليها وهي ما يطلق عليها الدوافع الشعورية. وهناك دوافع غير منتبه لها، ومع هذا تحرك سلوكه، دون علم منه، وهي ما يطلق عليها الدوافع غير الشعورية٣.
والله ﷾ هو الذي أوجد هذه الدافعية الشهوية، ولكنه نظم للإنسان أسلوب ممارستها بشكل يحفظ للإنسان قواه ونشاطه بما يضمن له الاستقرار النفسي، ويضمن للآخرين عدم التصادم مع الدوافع الفردية، وهذا ما عنت به التربية الإسلامية من تنظيم لهذه الدوافع الشهوية، من خلال المنهج الإسلامي الذي احتوى ما يكفل للفرد إشباع شهواته وفق معايير أخلاقية واجتماعية تكفل للجماعة حقوقها دون ما تعارض بينهما، وهذا ما افتقرت إليه التربيات الأخرى.
_________
١ ابن تيمية، الفتاوى (١٥/٣٤٠) .
٢ سورة آل عمران: آية رقم (١٤) .
٣ نبيل محمد السمالوطي، الإسلام وقضايا علم النفس، ص (٨٦، ٨٧) .
1 / 460