تاريخ الدول الفارسية في العراق
تاريخ الدول الفارسية في العراق
اصناف
وبقي العراق في هدوء حتى مات أردشير سنة 241م، بعد أن حكم خمس عشرة سنة (226-241)، ومن مبانيه في «العراق» مدينة «بهرسير»، بناها على «دجلة» تجاه «أكتسيفون» في الجانب الغربي، وعدة حصون وقلاع منها قلعة كبيرة بالقرب من موقع «البصرة» عدا ما حفره من الأنهار، وما جدده من المدن منها مدينة «سلوقية»، فإنه جدد بناءها فسميت بعد حين «أرداشير».
مات هذا الفاتح والدولة الساسانية التي أسسها في دورة التأسيس، ولم يفتح بعد العراق - بعد محو البرتيين والتغلب على مملكتهم - غير بلاد ما بين النهرين التي أعلن الحرب من أجلها على الروم في عهد القيصر ألكسندر سويروس، وأخذ منه جميع تلك البلاد، ثم وسع خلفاؤه الملك بفتوحات جديدة، حتى صارت هذه الدولة من أعظم دول الأرض في تلك الأزمنة.
وتولى بعد أردشير الأول ابنه شابور الأول (241-272م) الذي أدخل القسم الأعظم من جزيرة العرب تحت حماية الفرس، وبنى في «العراق» مدينة «تكريت» التي صارت بعد حين مركزا للبعاقبة النصارى، وظهر في أيامه ماني المشهور الذي ادعى النبوة في بلاد فارس، وشابور هذا هو الذي أسر ملك الروم والريانوس قيصر وأرسله أسيرا إلى «بابل»، بعد حروب شديدة استمرت أعواما بين الدولتين، ولكنه اندحر أخيرا أمام أذينة الثاني العربي ملك «تدمر» الخاضع لسيادة الرومانيين، حتى استرد منه باسم الرومانيين جميع بلاد الجزيرة، وظل يطارده حتى دخل «العراق» وحاصر مدينة «سلوقية» سنة 261م، ثم رجع بمن معه من جيوش العرب والروم؛ لاختلال حدث في المملكة الرومانية.
وتولى بعده ابنه هرمزد - هرمز - الأول سنة 272م، ثم بهرام الأول سنة 273م، وهو الذي قتل ماني وسعى في محو مذهبه من بلاد فارس، وأعلن الحرب على الروم، فانخذل أمامهم فطاردوه إلى «العراق» واستولوا على مدينتي «سلوقية» و«أكتسيفون»، ثم رجعوا إلى ما بين النهرين. وخلفه بهرام الثاني سنة 276م، ثم بهرام الثالث سنة 293م، فلم يملك غير أربعة أشهر، فتولى في السنة نفسها نرسي بن بهرام الثاني، وهو الذي حفر في العراق بنواحي الكوفة نهر النرس الذي يأخذ من الفرات،
1
وفي أيامه جعل نهر «الخابور» حدا فاصلا بين العراق والروم، أو بين المملكة الفارسية والمملكة الرومانية، وتولى بعده هرمزد الثاني (سنة 302-309م)، وفي كل هذه المدة لم يحدث في العراق اضطراب أو اختلال داخلي. (1) شابور الثاني والعرب العراقيون
تولى شابور الثاني بعد هرمزد الثاني سنة 309م، ولصغر سنه نصب الفرس وصيا عليه ليتولى شئون المملكة، فساءت الأحوال بادئ بدء وكثرت الاضطرابات في المملكة حتى طمع العرب فيها، وجاء منهم - زيادة على من في العراق منهم - عدة قبائل من البحرين وغيرها وعبروا خليج «فارس» وأخذوا يشنون الغارات على الأطراف، وأغارت قبيلة «إياد» على سواد «العراق» ونهبت وغنمت، وظل العرب أعواما - وخصوصا إياد - معادين للفرس والفرس لا يقاتلونهم. فلما بلغ شابور السادسة عشر وتسلم زمام المملكة بدأ بأعدائه القريبين منه، وهم العرب الذين في العراق، فتعمد أذاهم وإخراجهم من بلاده، وخصوصا قبيلة إياد التي قال فيه شاعرها:
على رغم سابور بن سابور أصبحت
قباب إياد حولها الخيل والنعم
فتمكن من الفتك بالعرب، فقتل من «إياد» ومن «تميم» عددا كبيرا، وشتتت جيوشه شمل العرب، ففر بعضهم إلى «الروم» وبعضهم إلى «البحرين» وغيرها، فطارد سابور من في «البحرين »، فقطع الخليج الفارسي وفتك في «البحرين» و«اليمامة» ببني تميم، ثم سار إلى «الأحساء» و«القطيف» وفتك بالعرب الذين هناك، ثم عاد وحمل على ديار بكر وربيعة فيما بين مملكة «الفرس» و«الروم»، وفتك بهم، وكان ينزع أكتاف رؤساء العرب الذين يظفر بهم فسموه «ذا الأكتاف»، ولم يكتف سابور بما أنزله بالعرب من الفتك العظيم في أكثر الجهات، بل إنه أصدر بعد تلك الحادثة أمرا بعدم دخول العرب في عاصمته بغير إذن منه، ومن دخلها بغير إذن يقتل، وبنى مدينة «الهفة» في طرف السواد في أنحاء «البطيحة» في «العراق»، وأسكن فيها من أسره من إياد، ونهى الفرس عن مخالطتهم،
نامعلوم صفحہ