134

درة الغواص في أوهام الخواص

درة الغواص في أوهام الخواص

تحقیق کنندہ

عرفات مطرجي

ناشر

مؤسسة الكتب الثقافية

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

١٤١٨/١٩٩٨هـ

پبلشر کا مقام

بيروت

الْحمانِي قَالَ: اجْتمع قوم على شراب لَهُم، فغناهم مغنيهم بِشعر حسان:
(ان الَّتِي ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل)
(كلتاهما حلب الْعصير فعاطني ... بزجاجة ارخاهما للمفصل)
فَقَالَ بَعضهم: امْرَأَته طَالِق، إِن لم أسأَل اللَّيْلَة عبيد الله ابْن الْحسن القَاضِي عَن عِلّة هَذَا الشّعْر، لم قَالَ: ان الَّتِي فَوحد ثمَّ قَالَ: كلتاهما فَثنى فأشفقوا على صَاحبهمْ وَتركُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ، ومضوا يتخطون الْقَبَائِل حَتَّى انْتَهوا إِلَى بني شقرة وَعبيد الله بن الْحسن يُصَلِّي عِنْدهم فَلَمَّا فرغ من صلَاته قَالُوا: قد جئْنَاك فِي أَمر دعتنا إِلَيْهِ ضَرُورَة وشرحوا لَهُ خبرهم، وسألوه الْجَواب، فَقَالَ: إِن الَّتِي ناولتني فرددتها، عني بهَا الْخمر الممزوجة بِالْمَاءِ، ثمَّ قَالَ من بعد: كلتاهما حلب الْعصير، يُرِيد الْخمر المتحلبة من الْعِنَب وَالْمَاء المتحلب من السَّحَاب المكنى عَنهُ بالمعصرات فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجا﴾ .
قَالَ الْمُؤلف: هَذَا مَا فسره القَاضِي عبيد الله بن الْحسن القَاضِي، وَكَانَ مِمَّن يرمق بالمهابة، وَلَا يسمح بالدعابة، وَقد بَقِي فِي الشّعْر مَا يحْتَاج إِلَى كشف سره وتبيان نكته، أما قَوْله: ان الَّتِي ناولتني فرددتها، قتلت قتلت، إِنَّه خَاطب بِهِ الساقي الَّذِي كَانَ نَاوَلَهُ كأسا ممزوجة لِأَنَّهُ يُقَال: قتلت الْخمر إِذا مزجتها، فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يُعلمهُ أَنه قد فطن لما فعله، ثمَّ مَا اقتنع بذلك مِنْهُ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ فِي مُقَابلَة المزج.
وَقد أحسن كل الاحسان فِي تجنيس اللَّفْظ، ثمَّ انه عقب الدُّعَاء عَلَيْهِ بِأَن استعطى مِنْهُ مَا لم يقتل، يَعْنِي الصّرْف الَّتِي لم تمزج، وَقَوله: ارخاهما للمفصل - يَعْنِي بِهِ اللِّسَان، وَسمي مفصلا بِكَسْر الْمِيم، لِأَنَّهُ يفصل بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَلَيْسَ مَا اعْتَمدهُ عبيد الله بن الْحسن من الاسماح وخفض الْجنَاح مِمَّا يقْدَح فِي نزاهته، أَو يغض من نبله ونباهته.
ويضارع هَذِه الْحِكَايَة فِي وَطْأَة الْقُضَاة المتقشفين للمستفتين وتلاينهم فِي مَوَاطِن اللين مَا حُكيَ أَن حَامِد ابْن الْعَبَّاس سَأَلَ عَليّ بن عِيسَى فِي ديوَان الوازرة عَن دَوَاء الْخمار، وَقد علق بِهِ، فَأَعْرض عَن كَلَامه، وَقَالَ: مَا أَنا وَهَذِه الْمَسْأَلَة فَخَجِلَ حَامِد

1 / 142