فقال: إن الله تعالى أيها الملك أحلك محلا رفيعا صعبا منيعا باذخا شامخا وأنبتك منبتا طابت أرومته، وقرت جرثومته، ونبل أصله، وبسق فرعه في أكرم معدن وأطيب موطن، فأنت أبيت اللعن رأس العرب، وربيعها الذي به تخصب، وملكها الذي إليه ينقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي تلجأ إليه العباد، سلفك خير سلف، وأنت لنا بعدهم خير خلف، ولم يهلك من أنت خلفه، ولم يخمل منهم سلفه، نحن - أيها الملك - أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزية.
قال: ومن أنت أيها المتكلم؟
قال: أنا عبد المطلب بن هاشم.
قال: ابن أختنا.
قال: نعم. فأدناه وقربه. ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال: مرحبا وأهلا، وناقة ورحلا، ومستناخا سهيلا، وملكا سبحلا (1)، يعطى عطاء جزلا - وكان أول من تكلم بها - قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، لكم الكرامة ما أقمتم، والحبا إذا ظعنتم.
ثم استنهضوا إلى دار الضيافة والوفود، وأجرى عليهم الأنزال (2)، فأقاموا ببابه شهرا لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف.
ثم انتبه لهم انتباهة فدعا بعبد المطلب من بينهم فأخلاه وأدناه مجلسه وقال:
يا عبد المطلب إني مفض إليك من سر علمي أمرا فليكن عندك مصونا مطويا حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره.
فقال عبد المطلب: مثلك أيها الملك من سر وبر فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر؟
صفحہ 32