القسم الأول: في بيان السبب الموجب للدخول في هذا الأمر العظيم، والتصدي لتحمل عيبه المعضل الجسيم، بعد أن كنا قد ضربنا عنه صفحا، وطوينا عن التعرض له كشحا (1). وليعلم من وقف على كتابنا هذا أنه لما تعاظمت المحن، والتطمت أمواج الفتن، واختبطت الأمور، وانتثر نظام أمر الجمهور، ووطي حد الإسلام بابل، وتلعبت بقواعد الشرع أيدي الجهال، وخمدت نيران الهدى وتأججت نار الضلال، وقامت سوق الفسوق على ساق، وانكسرت رايات الطغيان والشقاق، وعفت شرائع العدل وأنديته، وخفقت عقبان الجور وعقدت ألويته، وعظمت المصائب، ونهضت النوائب، وارتفعت الأسافل، وانحطت الأفاضل عنهم بمنازل، وأهين العلم، وعطلت مدارسه، وأرغمت أنوف أهليه فخلت مجالسه، ووضعت الضرائب على أهل الفضل والمراتب، وضاعت حقوق أموال الله، ووضعت في غير ما ارتضاه، وظهرت غربة الدين، وقويت شوكة المفسدين، شخصت إلينا الأعيان من جميع النواحي والبلدان، وامتدت الأعناق من أداني الأرض وأقاصي الآفاق، وقيدت إلينا ركائب الآمال، وطال القيل في ذلك والقال، ووجهت إلينا الرسائل الحافلة، وبلغتنا الأشعار في حلل البلاغة رافلة، وأهرع إلينا من الناس جيل بعد جيل، وحط بسوحنا كثير غير قليل، ونحن في خلال ذلك لا نصغي لما هنالك أذنا، ولا نلتفت من تلك الأقاويل إلى لفظ ولا معنى، ونتلقى ذوي الإلحاح من الناس بعدم الإسعاف إلى مرادهم والإيناس، وندلهم على مسلك الإضراب عن ذلك واليأس، لا تهاونا بما شرع الرب الرؤوف من عظيم واجب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، بل تجنبا للمسالك الوعرة، وتباعدا عن مخاوف المهالك والعثرة، وأخذا بالحزم الذي هو سوء الظن، وعلما بشوائب كل نوع من هذا الجنس وفن.
صفحہ 361